تحقيق: محمد إبراهيم في الوقت الذي تستعد فيه لجان الامتحان على مستوى الدولة، لاستقبال الطلبة في جميع مراحل التعليم لأداء امتحانات نهاية العام، فضلا عن تكثيف جهود فرق العمل لفئات الميدان التربوي كافة، لإنجاز ما تبقى من مهام، استعداداً لرحيل العام الدراسي الجاري 2017-2018، نجد مدارس خاصة تركز جهودها لتودع العام الدراسي بإنهاء خدمات معلميها، وبعض كوادرها الأخرى، هروباً من سداد رواتبهم خلال فترة الإجازة الصيفية. كلمات أباح بها ل«الخليج»، عدد من المعلمين والإداريين، الذين يعملون في بعض المدارس الخاصة على مستوى الدولة، مؤكدين أنهم يواجهون أزمة طاحنة لتوفير «لقمة العيش» خلال أيام الإجازة، لاسيما محدودي الدخل منهم، وأصحاب الأسر والأطفال، معتبرين أن اللوائح لم تشتمل على بنود تحميهم من إدارات المدارس. * جني الأرباح «الدراسية أو الخدمية».. ابتكار خاص لعدد من المدارس يسأل عدد من المعلمين: «إلى متى ستظل الجهات المسؤولة عن التعليم الخاص تعمل في «الظل»؟!، وإلى متى ستظل تاركة إدارات بعض المدارس الخاصة تتحكم في مصير المعملين بشكل منفرد، وتنهي خدماتهم ساعة تشاء دون سابق إنذار أو مبرر معقول، وفي أوقات قد تكون حرجة لكثير من أبناء هذه الطبقة.وطالبوا بتوحيد الجهود بين الجهات القائمة على شأن التعليم الخاص في الدولة، ووزارة الموارد البشرية والتوطين، لإيجاد إطار موحد يركز في مضمونه على معايير وأسس موحدة لتعيين المعلمين وسبل إنهاء خدماتهم بطرق تضمن لهم الاستقرار الأسري والوظيفي، فضلا عن تفعيل دور الجهات المسؤولة عن منظومة التعليم الخاصة باتخاذ موقف فاعل تجاه تجاوزات بعض إدارات المدارس التي تتكرر سنوياً. وعلى الرغم من كبر حجم تلك الإشكالية التي تتكرر في الميدان التربوي سنوياً وفي نفس التوقيت، إلا أن الحلول المقترحة مع الأسف جاءت متواضعة، لم تمس واقع القضية، ولعلنا نلمس ذلك في تأكيد مصادر مطلعة في وزارة التربية والتعليم، ل«الخليج»، أن علاقات العمل بين المعلمين والمدارس الخاصة، تنظمها وزارة الموارد البشرية والتوطين، ولا شأن لها بتلك الأمور.«الخليج» تناقش الظاهرة، للوقوف على أسباب وجودها في المجتمع المدرسي «الخاص»، وبحث أفضل السبل للقضاء عليها، لتحقيق الاستقرار الأسري والوظيفي لمختلف فئات المعلمين في التخصصات كافة في المدارس الخاصة. هدر الحقوق البداية كانت مع عدد من المدرسين، إذ سجل عدد منهم استياءهم من تلاعب بعض أصحاب المدارس الخاصة بحقوقهم المالية، حيث أجبرهم البعض على تقديم إجازة بدون راتب قبل بداية الإجازة الصيفية، وواجه البعض بإنهاء خدماتهم بحجة الحمولة الزائدة، وحرص البعض على تقليص النفقات من المصروفات بالاستغناء عن مجموعة من المعلمين والإداريين، وخيمت المعاناة على جموع من المعلمين، إذ ركزت إدارات مدارسهم على تقليص مستحقاتهم المالية في شهور الصيف، ليجدوا أنفسهم مدينين للإدارات المدرسية.أجبرتني مدرستي على توقيع إجازة بدون راتب قبل توقيع عقد العمل في بداية السنة الدراسية، مع عدم توفير التأمين الصحي لزوجتي وأبنائي، هذا ما وصل إليه المعلم «أحمد.ع» الذي يعمل في إحدى مدارس دبي الخاصة، ومضى يوضح أن راتبه في العقد 4000 درهم، ويخصم من راتبه السنوي 1000 درهم، بدعوى تسديد رسوم أوراق المعاملة الخاصة به لدى الدوائر المعنية بالإقامة والعمل. وفي وقفة معه أكد المعلم ماجد محمد أن مدرسته أجبرته على توقيع الاستقالة، مع توقيع العقد، حتى لا يكون له أي حق في الاعتراض عند إنهاء خدماته، فضلا عن تنفيذ الخدمات الإجبارية التي تطلبها منه، موضحاً أن هذا ما يحدث مع كل المعلمين في المدارس الخاصة، حيث تحرص على استخدام تلك الاستقالة في إهدار حقوقهم العمالية، وخفض أجورهم، واستخدام آلية الخصم من الراتب في حال الموافقة على الإجازات السنوية والمرضية، وتحميلهم قيمة التأمين الصحي ورسوم الإقامة. من جانبها أفادت المعلمة «عبير.أ»، إحدى المعلمات التي استلمت خطاباً بإنهاء خدماتها قبل أيام من مدرستها بدون أسباب، أن المعلمة تتحمل الآن أي إشكالية مالية تواجه مدرستها، إذ إن مدرستها تعاني ديوناً مالية بسبب تشييد مباني توسعة منذ سنوات، ولا تستطيع دفع رواتب الإجازة ومبلغ التأمين الصحي، الأمر الذي دفعها إلى إنهاء خدمات عدد كبير من المعلمين والمعلمات وبعض الإداريين والفنيين في المدرسة. وأكدت أن المعلمة أصبحت مسؤولة عن تعليم الطلبة، وأداء واجباتها الإدارية والفنية، وتخريج أجيال المستقبل، وبدلا أن تحصل على مكافأتها في نهاية العام، تجد قرار إنهاء خدماتها في انتظارها، لتواجه مشقة وأزمة طاحنة، لتدبير احتياجات أسرتها خلال إجازة الصيف من جهة، والبحث عن عمل جديد من جهة أخرى، وتستمر المعاناة، مطالبة بوضع ضوابط جديدة تحكم قبضتها على تلك الممارسات التي تستخدمها إدارات المدارس لإهدار حقوق العاملين بها. مركز لجني الأرباح باتت المدارس الخاصة مركزاً لجني الأرباح، يستفيد منها المستثمر منفرداً، ويحكم منظومة العمل فيها قوانينه ولوائحه، إذ تركز على جمع الأرباح دون النظر إلى أية معايير مهنية، ولا تراعي الحقوق، سواء للطلبة أو للمعلمين، بهذه الكلمات بدأ معنا حديثه الحسين محمود معلم رياضيات في مدرسة خاصة، وتابع قائلاً: إن المعلمين الأجانب لم يعانوا مطلقاً ما يعانيه العرب في المدارس الخاصة، على الرغم من أن رواتبهم الشهرية تفوق «العرب» بكثير، ويصل أجر المعلم منهم شهرياً إلى 15 ألف درهم، على الرغم أنه أقل في الكفاءة والمهنية والمهارات، من زملائه في البلاد العربية، فما زالت عقدة «الخواجة» تسيطر على أذهان الكثير من المستثمرين. ويرى معلم اللغة العربية السيد جابر، أن المعلم يواجه ضغوطاً حياتية كبيرة، نراها في تدني الراتب وضعف التدريب، على الرغم من استقطاع تكلفة التدريب من الراتب، الأمر الذي يعوق عملية تطويره، والواقع الذي نعيشه بحاجة إلى وقفة جادة وإعادة النظر في المردود المادي الذي لا يرتقي بالناحيتين المعنوية والمعيشية، لاسيما أن المدارس الخاصة تبدع وتبتكر في جني الأرباح سواء «الدراسية أو الخدمية»، وتستطيع حصد الأموال بمهارة فائقة، وتساءل: كيف للمعلم أن يعيش شهور الإجازة الصيفية بلا راتب يستند إليه مع عائلته، فالكثير من المعلمين يبحثون عن مصادر رزق أخرى لسد احتياجاتهم الأسرية بسبب طمع بعض إدارة المدارس الخاصة سنوياً.وكان تدني الرواتب للمعلمين في المدارس الخاصة، أبرز ما أثار استياء المجتمع المدرسي، لاسيما أولياء الأمور الذين تعاطفوا مع مختلف معلمي «الخاصة»، إذ ترى ولية الأمر سارة مصطفى أن المعلم ليس سلعة، تخضع لقانون السوق والعرض والطلب، ولا تقليداً لعالم الأعمال، بل المعلم رسالة سامية وقيمة مضافة يجب إدراكها، فينبغي أن لا ننسى أنه عنصر أساسي في تقويم وبناء الأجيال سواء كان يعمل في مدارس حكومية أو خاصة، معتبرة أن حماية حقوقه واستقراره مسؤولية مجتمعية يتحملها الجميع، فلا يجوز أن تتنصل الجهات المسؤولة عن التعليم الخاص في الدولة من واجباتها تجاه المعلم. وأضافت أن واقع الحال يؤكد أن المدارس الخاصة تجارة يتحمل أعباءها المواطن وحده، فينبغي أن تكون هناك عقوبات رادعة على المدارس التي تهدد استقرار المعلم وأسرته، ونواجه عن كثب دهاء بعض المدارس التي تتلاعب في أجورهم من أجل تحقيق المزيد من الأرباح، ويكفي ما يحصدون على مدار العام من أولياء الأمور، فالمعلم مثله مثل أي أنسان لديه مسؤولياته الأسرية وأبنائه ومن حقه أن يعيش حياة كريمة .ومن جانبه أكد ولي الأمر ثروت السعيد، ليس هناك ضرورة لإنهاء خدمات المعلمين من أجل جني أرباح شهور الإجازة الصيفية، فالمعلم على مدار العام يجتهد في إثبات ذاته وتعليم الأبناء، فليس من العدل أن نكافئه في نهاية العام بإنهاء خدماته، معتبراً سلوك بعض المدارس مع المعلمين سنويا يحدث أزمة طاحنة في بداية العام الجديد لما تواجهه تلك المدارس من نقص في المعلمين، الأمر الذي يدفعها إلى الاستناد إلى معلمين لا يتمتعون بالكفاءة والخبرة، فضلا عن فرار الكثير من المعلمين لعدم رغبتهم في العمل بتلك المدارس. مواجهة مديري المدارس جمعنا أوراقنا وما لدينا من معلومات، وواجهنا عدداً من مديري بعض المدارس الخاصة، إذ نفى عدد منهم «فضلوا عدم ذكر أسمائهم» وجود ظاهرة إنهاء خدمات لمعلميهم، فضلا عن حرصهم على سداد رواتب كوادرهم كافة، بانتظام على مدار شهور السنة وفقا لعقود العمل المبرمة وموثقة من وزارة الموارد البشرية والتوطين، فيما أكد البعض أن قرارات إنهاء الخدمات تعود إلى توجيهات ملاك بعض المدارس، وفي الغالب لأسباب قد تكون غير معلومة لإدارة المدرسة. في وقفة معه قال حميدان ماضي مدير إحدى المدارس الخاصة، إن الملاك في مجال التعليم الخاص يحكمون دائما الأمور المتعلقة بالجوانب المالية، من خلال ما تم رصده من رأس المال لتوفير الخدمات التعليمية، وغيرها من احتياجات الطلبة وأولياء الأمور، ونوعية المعلمين والكوادر الأخرى التي يتم استقطابهم، حيث يختلف التعاطي مع تلك الأمور من مدرسة لأخرى، حسب إدارة المستثمر إلى رأس المال المخصص للمشروع التعليمي. وبكل شفافية أكد صالح فاضل مدير إحدى المدارس الخاصة، أهمية إيجاد إطار موحد لتعيين وإنهاء خدمات المعلمين في المدارس الخاصة، بحيث يعمل على إعداده والإشراف عليه وزارة الموارد البشرية والتوطين ووزارة التربية والتعليم والهيئات والمجالس المعنية بالرقابة على المدارس الخاصة، فضلا عن تحديد المعايير والأسس العامة التي يستند إليها الإطار، مع مراعاة فروق الجودة وسقف الرواتب بين مدرسة وأخرى. وأضاف أن حماية المعلم وتوفير الاستقرار الوظيفي والمعيشي له ولأسرته، مسؤولية مجتمعية، تقع على عاتق الجميع، والواجب يحتم على جميع عناصر العملية التعليمية المساهمة في رفع المعاناة على معلمي المدارس الخاصة، لاسيما أنهم يشكلون شريحة كبيرة ومهمة في منظومة التعليم في الدولة، ونعول عليهم في بناء الأجيال التي تمثل الإمارات في مختلف المحافل الدولية في المجالات كافة. قانون «الخاصة» الجديد في نظرة عابرة على ما تم الإعلان عنه حول ماهية قانون التعليم الخاص الجديد، الذي لم يجد طريقه إلى النور منذ سنوات طويلة، ولم تتضح ملامحه ونصوصه حتى الآن، لأسباب غير معلومة، نأمل أن يحمل بين ثناياه بنوداً أو نصوصاً تحكم تجاوزات المدارس الخاصة في تلك الإشكالية، يحفظ حقوق استقرار معلمي المدارس الخاصة وحياتهم. ارتفاع التكلفة التشغيلية بعد أن كان لرواتب المعلمين نصيب الأسد في ارتفاع تكلفة التشغيل في المدارس الخاصة، بحسب عدد من مديري المدارس، أكد معلمون عاملون في بعض المدارس، أنهم لا يملكون دوراً فاعلاً في ارتفاع التكلفة أو نقصها، فرواتبهم لا تزيد على 2000 درهم شهرياً، وقد تكون أقل في بعض المدارس، ووصفوا حالتهم بالمياه الراكدة التي لا تتأثر بالحراك المادي لتكلفة التعليم. «التربية»: علاقات المعلمين ومدارسهم تخضع لاتفاق مسبق أكد مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم، ل«الخليج»: أن علاقات العمل بين الكادر التعليمي والفنيين والإداريين والمدارس الخاصة، تنظمها وزارة الموارد البشرية والتوطين، ولا شأن للوزارة في تلك الأمور، إذ تخضع لاتفاق مسبق بين طرفي العلاقة «المدرسة والمعلم». وفي دبي تخضع عقود العمل الخاصة بالكادر التعليمي كافة، للتشريعات السارية في الإمارة، وللشروط والضوابط والمتطلبات المعتمدة لدى هيئة المعرفة والتنمية البشرية، وعلى وجه الخصوص المؤهلات والخبرات اللازمة لتعيين المعلمين، بحسب قرار المجلس التنفيذي رقم 2 لسنة 2017، بشأن تنظيم عمل المدارس الخاصة في دبي. وأكد القرار أهمية تعيين كادر تعليمي مؤهل لكل مدرسة، وفق الشروط والإجراءات والمتطلبات المعتمدة لدى الهيئة، وعدم تعيين أي عضو في الكادر التعليمي قبل الحصول على موافقة الهيئة، مع ضرورة تزويدها بنسخ من عقود التعيين، وإعداد الخطط السنوية لتطوير الكادر التعليمي.
مشاركة :