تحقيق: محمد إبراهيم في الوقت الذي تزيّنت لجان الامتحان على مستوى الدولة، لاستقبال الطلبة في جميع المراحل التعليمية لأداء امتحان نهاية العام، فضلاً عن العمل المستمر لفئات الميدان التربوي كافة، على إنجاز ما تبقى من مهام، واستعداد العام الدراسي الجاري للرحيل، نجد بعض المدارس الخاصة تودع العام الدراسي بإنهاء خدمات معلميها وبعض كوادرها الأخرى، هروباً من سداد رواتبهم خلال مدة الإجازة الصيفية. كلمات سطرها لالخليج، عدد من المعلمين والإداريين يعملون في بعض المدارس الخاصة على مستوى الدولة، مؤكدين أنهم يواجهون أزمة طاحنة لتوفير لقمة العيش، خلال أيام الإجازة، لا سيّما محدودي الدخل منهم، وأصحاب الأسر والأطفال، معتبرين أن اللوائح لم تشتمل على بنود تحميهم من بطش ملاك المدارس، مطالبين تفعيل دور الجهات المسؤولة عن منظومة التعليم الخاصة باتخاذ موقف إيجابي يحقق لهم أمنهم واستقرارهم. وزارة العمل على الرغم من كبر حجم تلك الإشكالية، فإن الحلول المقترحة مع الأسف جاءت متواضعة وسطحية، لم تمسّ واقع القضية، ولعلنا نلمس ذلك في تأكيد مصادر مطلعة في وزارة التربية والتعليم، لالخليج، أن علاقات العمل بين المعلمين والمدارس الخاصة، تنظمها وزارة العمل، ولا شأن لها بتلك الأمور. أما هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، فلم يختلف رأيها عمّا أكدته وزارة التربية في هذا الجانب، لنجد سؤالاً يطرح نفسه بين جموع المعلمين المتضررين من سلوكات مدارسهم التي دأبت عليها سنوياً هو: إلى متى ستظل الجهات المسؤولة عن التعليم تعمل في الظل؟ وإلى متى ستظل تلك الجهات تاركة إدارة بعض المدارس الخاصة تأكل المعلمين لحماً على مدار العام الدراسي، وترمي بهم عظماً في نهايته بدون أسباب أو سابق إنذار؟ تلاعب بالحقوق في البداية، عبّر عدد من معلمي ومعلمات بعض المدارس الخاصة، عن استيائهم من تلاعب بعض أصحاب المدارس بحقوقهم المالية، حيث أجبرهم البعض على تقديم إجازة من دون راتب، قبل بداية الإجازة الصيفية، فيما واجه البعض إنهاء خدماته بحجة العمالة الزائدة، أما البعض الآخر فيعاني تقليص مستحقاته المالية في شهور الصيف، ليجد نفسه مديوناً لإدارة مدرسته. قال المعلم أحمد.ع يعمل في إحدى مدارس دبي الخاصة، إن إدارة مدرسته، أجبرته على توقيع إجازة من دون راتب، قبل توقيع عقد العمل في بداية السنة الدراسية، إضافة إلى عدم توفير التأمين الصحي لزوجته وأبنائه. وأوضحراتبي في العقد 2000 درهم، ولكن أتقاضى فعلياً 1700 درهم فقط، إذ أعيد 300 درهم شهرياً بعد تسلمي الراتب من البنك لإدارة المدرسة، فضلاً عن حسم 1000 درهم من إجمالي راتبي السنوي، بدعوى تسديد رسوم أوراق المعاملة الخاصة بي لدى الدوائر المعنية بالإقامة والعمل. أجبرتني مدرستي على توقيع الاستقالة، مع توقيع العقد، حتى لا يكون لي أي حق في الاعتراض عند إنهاء خدماتي، فضلاً عن تنفيذ الخدمات الإجبارية التي تطلبها مني. هذا ما أكده المعلم ماجد محمد، ومضى يوضح أن هذا ما يحدث مع كل المعلمين في المدارس الخاصة التي تحرص على استخدم تلك الاستقالة في إهدار حقوقهم العمالية، وخفض أجورهم، واستخدام آلية الحسم من الراتب، في حال الموافقة على الإجازات السنوية والمرضية، وتحميلهم قيمة التأمين الصحّي ورسوم الإقامة. وأفادت المعلمة مها.ح، إحدى المعلمات التي تسلّمت خطاباً بإنهاء خدماتها، قبل أيام، من مدرستها من دون أسباب، بأن المعلم يتحمل الآن أي إشكالية مالية تواجه مدرسته، إذ إن مدرستها تعاني ديوناً مالية، وليس باستطاعتها دفع رواتب الإجازة ومبلغ التأمين الصحي، الأمر الذي دفعها إلى إنهاء خدمات عدد كبير من المعلمين والمعلمات وبعض الإداريين والفنيين في المدرسة. وأكدت أن المعلمة أصبحت مسؤولة عن تعليم الطلبة، وأداء واجباتها الإدارية والفنية، وتخريج أجيال المستقبل، وبدلاً أن تحصل على مكافأتها في نهاية العام، تجد قرار إنهاء خدماتها في انتظارها، لتواجه مشاق وأزمة طاحنة، لتدبير احتياجات أسرتها خلال إجازة الصيف من جهة، والبحث عن عمل جديد من جهة أخرى، وتستمرّ المعاناة، مطالبة بوضع ضوابط جديدة تحكم قبضتها على دهاء الممارسات التي تستخدمها إدارات المدارس لإهدار حقوق العاملين بها. مركز للتجارة باتت المدارس الخاصة مركزاً للتجارة، يستفيد منها المستثمر منفرداً، وتحكم منظومة العمل فيها قوانينه ولوائحه، وتركز على جمع الأموال من دون النظر إلى أي معايير مهنية، ولا تراعي الحقوق، سواء كانت للطلبة أو للمعلمين. بهذه الكلمات بدأ معنا حديثة الحسين محمود معلم رياضيات في مدرسة خاصة، وتابع قائلاً: المعلمون الأجانب لم يعانوا مطلقاً ما يعانيه العرب في المدارس الخاصة، على الرغم من أن رواتبهم الشهرية تفوق المعلمين العرب بكثير، ويصل أجر المعلم منهم شهرياً إلى 15 ألف درهم، على الرغم من أنه أقل كفاءة مهنية وتعليمية من زملائه في البلاد العربية، فما زالت عقدة الخواجة مستقرة في أذهان الكثير من المستثمرين. ضغوط حياتية كبيرة ويرى معلم اللغة العربية السيد جابر، أن المعلم يواجه ضغوطاً حياتية كبيرة، متمثلة في تدني الراتب وضعف التدريب، الأمر الذي يعوق عملية تطويره، والواقع الذي نعيشه بحاجة إلى وقفة جادة وإعادة نظر، خاصة في المردود المادي الذي لا يرقى بالناحيتين المعنوية والمعيشية، ولا سيّما أن المدارس الخاصة تبدع وتبتكر في جني الأرباح، سواء الدراسية أو الخدمية، وتستطيع حصد الأموال بمهارة فائقة. وتساءل: كيف للمعلم أن يعيش شهور الإجازة الصيفية بلا راتب يستند إليه مع عائلته، فالكثير من المعلمين يبحثون عن مصادر رزق أخرى لسدّ احتياجاتهم الأسرية، بسبب بطش بعض إدارات المدارس الخاصة وطمعها سنوياً. ملاك المدارس وما أثار عجب الكثير في الميدان التربوي، الرواتب المتدنية غير المجزية للمعلمين في المدارس الخاصة، على الرغم من دهاء تلك المدارس في تحقيق الأرباح، ففي مواجهة مع مديري بعض المدارس الخاصة، نفى عدد منهم (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) وجود ظاهرة إنهاء خدمات لمعلميهم، فضلاً عن حرصهم على سداد رواتب كوادرهم كافة بانتظام، على مدار شهور السنة، فيما أكد البعض أن قرارات إنهاء الخدمات تعود إلى توجيهات ملاك بعض المدارس، وفي الغالب لأسباب قد تكون غير معلومة لإدارة المدرسة. وقال حميدان ماضي نائب مدير إحدى المدارس الخاصة، إن الملاك في مجال التعليم الخاص يحكمون دائماً الأمور المتعلقة بالجوانب المالية، من خلال ما تمّ رصده من رأس المال، لتوفير الخدمات التعليمية وغيرها من احتياجات الطلبة وأولياء الأمور، ونوعية المعلمين والكوادر الأخرى التي يتمّ استقطابها، حيث يختلف التعاطي مع تلك الأمور من مدرسة إلى أخرى، حسب إدارة المستثمر لرأس المال المخصّص للمشروع التعليمي. المعلم ليس سلعة إن المعلم ليس سلعة، تخضع لقانون السوق والعرض والطلب، ولا تقليداً يراد به محاكاة الموضة في عالم الأعمال، بل هو رسالة سامية وقيمة مضافة يجب إدراكها. هذا ما آلت إليه ولية الأمر أم مريم. ومضت قائلة: ينبغي أن لا ننسى أن المعلم عنصر أساسي في تقويم الأجيال وبنائها، سواء كان يعمل في مدارس حكومية أو خاصة، وحماية حقوقة واستقراره مسؤولية مجتمعية يتحملها الجميع، فلا يجوز أن تتنصّل الجهات المسؤولة عن التعليم في الدولة من واجباتها تجاه المعلم. وأضافت أن واقع الحال يؤكد أن المدارس الخاصة تجارة يتحمّل أعباءها المواطن وحده، فينبغي أن تكون هناك عقوبات رادعة على المدارس التي تهدد استقرار المعلم وأسرته، ونواجه عن كثب دهاء بعض المدارس التي تتلاعب في أجورهم، من أجل تحقيق المزيد من الأرباح، ويكفي ما يحصدون على مدار العام من أولياء الأمور، فالمعلم إنسان لديه مسؤولياته الأسرية وأبناؤه ومن حقه أن يعيش حياة كريمة مثلنا جميعاً. أزمة طاحنة إن إدارات المدارس لديها سبل عدة، لجني الأرباح من أولياء الأمور سنوياً، فإذا نجحت الجهات المعنية بالتعليم في الدولة، في ضبط إطار الرسوم المدرسية، نجد بعض المدارس تبتكر الوسائل لتحقيق المزيد من الأرباح. هذا ما اكده وليّ الأمر ثروت السعيد، وأضاف: ينبغي حماية المعلم من بطش بعض المدارس الخاصة، التي لا تزيد على مشروع استثماري الغرض منه الربح، وهذه حقيقة يعلمها الجميع. وأضاف: ليس هناك ضرورة لإنهاء خدمات المعلمين، من أجل جني أرباح شهور الإجازة الصيفية، فالمعلم على مدار العام يجتهد في إثبات ذاته وتعليم الأبناء، فليس من العدل أن نكافئه في نهاية العام بإنهاء خدماته، معتبراً سلوك بعض المدارس مع المعلمين سنوياً، يحدث أزمة طاحنة في بداية العام الجديد لما تواجهه تلك المدارس من نقص في المعلمين، الأمر الذي يدفعها إلى الاستناد إلى معلمين لا يتمتعون بالكفاءة والخبرة، فضلاً عن فرار الكثير من المعلمين لعدم رغبتهم في العمل بتلك المدارس. قانون الخاصة الجديد في نظرة عابرة على ما تمّ إعلانه عن ماهية قانون التعليم الخاص الجديد، الذي لم يجد طريقه إلى النور منذ ست سنوات، ولم تتضح ملامحهة ونصوصه حتى الآن، لأسباب غير معلومة، نجده أيضاً لم يحمل في ثناياه أي بنود أو نصوص تحكم تجاوزات المدارس الخاصة في تلك الاشكالية، أو يحفظ حقوق واستقراره وحياته. وسائل تواجه التجاوزات مادامت وزارة التربية والتعليم والجهات المعنية بالتعليم الخاص، ألقوا بالمسؤولية على عاتق وزارة العمل بوصفها جهةً مسؤولةً، لنظر تلك الإشكاليات، فالجميع يشهد أنها تبذل جهوداً كبيرة لحماية أجور العاملين على المستويات كافة في الدولة. ولكن مع تلك الأساليب التي تمارسها بعض إدارات المدارس الخاصة لتحقيق أرباح من وراء معلميها، وتستبيح حقوقهم المالية سنوياً، ينبغي أن يكون هناك وسائل بحجم دهاء الممارسات، لمواجهة تلك التجاوزات التي تبعثر الجهود، وتبدد الاستقرار، ويتضرر منها بعض الأسر في المجتمع.
مشاركة :