الجزائر – تعثرت خطة الخصخصة التي أطلقتها الحكومة الجزائرية بقيادة أحمد أويحيى، بعد تدخل مؤسسة الرئاسة في مناسبتين، لمنع فتح المؤسسات الاقتصادية والعقارات الزراعية المملوكة للدولة أمام الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية. وتخلت الحكومة الأسبوع الماضي بشكل مفاجئ عن خطة تهدف لفتح امتيازات أراض زراعية أمام المستثمرين الأجانب للمرة الأولى، بعد أسبوع عن إعلانها عن ذلك، ما يعكس استمرار الحساسية بشأن السماح للأجانب بالدخول لاقتصاد البلاد المعتمد على النفط. وأعاد هذا الارتباك الجدل الاقتصادي القديم حول الحدود التي ترسمها السلطة السياسية للنهوض بالقطاعات الفاشلة، بدعوى الحفاظ على المكتسبات التاريخية. ووجه الأمين العام للاتحاد العام للفلاحين الجزائريين محمد عليوي انتقادات شديدة للإشارات التي أطلقها مشروع قانون المالية التكميلي، حول فتح العقارات الزراعي أمام المستثمرين الأجانب. واعتبر عليوي أن الخطوة تمهد إلى عودة الاستغلال الأجنبي للعقارات المملوك للدولة، وحتى تهديد السيادة الوطنية في أمنها الغذائي. وعبر رئيس الاتحاد المقرب من السلطة عن امتعاض مزارعي البلاد من خطط الخصخصة التي كانت الحكومة تريد تنفيذها بتعلة أنه يمكن استغلال العقارات الزراعية في وجهات أخرى، كبناء المساكن وإنشاء مناطق صناعية. وكان وزير الصناعة السابق عبدالسلام بوشوارب ينوي تخصيص نحو 1200 هكتار من الأراضي الزراعية بولاية بومرداس شرق العاصمة، لتوزيعها على بعض رجال الأعمال الجزائريين من أجل إقامة مشاريعهم. وألمح عليوي إلى أن التلاعب بالعقارات الزراعية، تقف وراءه لوبيات معروفة قريبة من دوائر صنع القرار. وقال إن “العملية تهدد الأمن الغذائي لمستقبل الأجيال القادمة، في ظل اعتماد الجزائر على الصادرات الأجنبية لتلبية الحاجيات الوطنية من المواد الغذائية الضرورية”. وجاء تدخل الرئيس بوتفليقة، في إطار ما عرف بـ”القراءة الثانية” لمشروع قانون المالية التكميلي المطروح من طرف الحكومة، ليحول دون خصخصة القطاعات المملوكة للدولة، وهو ما يعيد الجدل حول دور القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد المحلي وخيارات السلطة رغم تبنيها للنهج الليبيرالي. عيسى منصور: عرض الأراضي للمستثمرين الأجانب يهدد المزارعين المحليين عيسى منصور: عرض الأراضي للمستثمرين الأجانب يهدد المزارعين المحليين وكانت مؤسسة الرئاسة قد وقفت بقرار مماثل في وجه الاتفاق الثلاثي المبرم في نوفمبر الماضي بين الحكومة ومنظمة أرباب العمل والمركزية النقابية، حول فتح المؤسسات الاقتصادية الحكومية المتعثرة أمام الاستثمارات الخاصة في إطار ما عرف بـ”اتفاق الشراكة خاص عمومي”، قبل أن يرفع بوتفليقة “الفيتو” ويبطل الاتفاق. ويرى اقتصاديون جزائريون أن جدران الشك بين السلطة والقطاع الخاص، لا تزال تعيق خيار فتح المجال أمام الرأسمال الخاص، بسبب انطباعات سلبية تراكمت حول تجارب فاشلة خلال السنوات الماضية، ارتبطت بممارسات مشبوهة طالت بنوكا تجارية ومؤسسات بيعت بما يعرف بالدينار الرمزي. ويذكر الخبير الزراعـي عيسى منصور أن توجه الحكومـة كان سيضع العقارات الزراعية في قبضة المستثمرين الأجانب، ويرهن الاكتفاء الغـذائي الاستـراتيجي للبلاد، لأن الخبرة الفنـية ستبقى حصرية لـدى هؤلاء. وقال إن “المشروع كان سيقضي على الناشطين المحليين في القطاع الزراعي، لأن الفرص غير متكافئة بين الطرفين والمنافسة غير ممكنة”. وتفاقمت معاناة الجزائريين منذ منتصف 2014 إثر تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية قبل أن يعود للارتفاع في الفترة الأخيرة ليصل إلى 80 دولارا للبرميل، جعلت الدولة أمام تحديات صعبة لتوفير الغذاء والحليب، خاصة بعد أن قفز التعداد السكاني خلال العقدين الماضيين من 30 مليونا إلى أكثر من 40 مليون نسمة. وتعد الجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، من أكبر الدول المستوردة للقمح والحليب، وتحل ثانية في أفريقيا بعد مصر، وفق المؤشرات الدولية الرسمية. ولا تنتج البلاد حاليا إلا نحو الثلث من حاجياتها الغذائية الإجمالية السنوية، أي نحو 4 ملايين طن من القمح من مجموع 13 مليون طن، ونحو نصف مليون طن من الحليب. ورغم إدراج العقارات الزراعية الحكومية في التعديلات الدستورية التي جرت العام 2016، بغية الحفاظ على الوعاء الأساسي لغذاء الجزائريين، والحد من زحف المباني على الأراضي الزراعية خاصة في منطقة الشمال، إلا أن صراعا محموما بين اللوبيات الصناعية يحتدم حول الاستحواذ عليه بدعوى الاستثمارات الاقتصادية. ورغم تبني الخطاب الرسمي للسلطة للنهج الليبيرالي منذ تسعينات القرن الماضي، إلا أن خيارات الحكومات المتعاقبة مازالت متخوفة من الانفتاح على الرأسمال الخاص، بسبب فشل العديد من التجارب.
مشاركة :