يتمتع لاعبو كرة القدم بامتيازات لا يتطلع إليها سوى عدد قليل من البشر، لكن بالنسبة للاعب الإنجليزي جون بوستوك فإن المتعة البسيطة للحياة كافية جدا. فخلال العام الماضي عندما كان بوستوك في طريق عودته إلى منزله في إنجلترا بعد مباراة لفريقه لنس الفرنسي، تعرض لاعب كريستال بالاس السابق لحادث مروع بينما كان يقود سيارته على الطريق السريع في الثالثة صباحاً، حيث اصطدمت به سيارة كان يقودها شخص تحت تأثير الكحول ويسير في الطريق العكسي بسرعة 70 ميلاً في الساعة، مما أدى إلى مصرع سائق هذه السيارة وتحطم سيارة بوستوك تماما، لكنه نجا بأعجوبة.يقول بوستوك وهو يجلس في ناديه الجديد بورصا سبور التركي: «من الناحية العلمية، ربما كان من المستحيل النجاة من مثل هذا الحادث، بعد أن اصطدمت سيارتان ببعضهما البعض على سرعة 70 ميلا في الساعة. لقد جعلني هذا الأمر أقدّر الحياة التي نعيشها كل يوم وأقدر العائلة».وأضاف: «لقد كان هذا الحادث بمثابة نداء كبير للاستيقاظ. كل ما يتعين عليك القيام به هو التركيز على المستقبل وأن تعيش كل يوم كما هو وتقدر الحياة كما هي. أنا سعيد لأنني تعرضت لهذا الحادث، لأنك ترى الحياة بطريقة مختلفة عندما تكون قريباً من الموت».وتابع: «لقد نجوت من هذا الحادث بفضل الله فقط. إنه شيء لا تريد أن تتعرض له، لكنه كان بمثابة دعوة للاستيقاظ ورؤية الحياة بشكل مختلف. كلاعبين، نحن نركز على كرة القدم وعلى سيرتنا المهنية وعلى حياتنا الخاصة، لكن عندما تتعرض لشيء من هذا القبيل، فإنه يجعلك تنظر للحياة بمنظور أوسع. كانت عائلتي ستنهار حقا عندما تعرف أن أحد أبنائها فقد حياته في حادث. لقد نجوت دون أية إصابة، لكن من الناحية النفسية استغرق الأمر بعض الوقت للتغلب على ما حدث، لكنني عدت للعب بعد عشرة أيام».وقال بوستوك: «عندما تتعرض لشيء كهذا، فأنت دائما ما تسأل نفسك: ماذا لو؟ وأحيانا أخرى يتبادر إلى ذهنك ما حدث أثناء الحادث. لم أستطع النوم لليلة، وكان لذلك تأثير كبير على عائلتي، لكنه جعلني أدرك أيضاً أن هناك شيئاً يتعين علي القيام به وأنني في هذه الحياة لسبب ما».وكان يُنظر إلى بوستوك وهو في سن المراهقة على أنه سيكون أحد العناصر الأساسية للمنتخب الإنجليزي في المستقبل، لكنه الآن في السادسة والعشرين من عمره ولم يصل للمكانة التي كان يتوقعها له كثيرون. وخلال الموسم الماضي، حصل بوستوك على جائزة أفضل لاعب في دوري الدرجة الثانية بفرنسا، وانتقل في اليوم قبل الأخير لفترة الانتقالات الشتوية الماضية لنادي بورصا سبور الذي يلعب في الدوري التركي الممتاز.وقال بوستوك: «لقد تم كل شيء في اللحظة الأخيرة وتحدثت مع المدير الفني للفريق، وكنت مستعدا لاتخاذ خطوة جديدة. كنت أريد حقا أن ألعب في الدوري الممتاز في دولة قوية في أوروبا، وكان لدي عدة عروض لكني تحدثت مع المدير الفني هنا، بول لوجوين، الذي يعد أسطورة في فرنسا. صديقي ويل إيكونغ يلعب هنا أيضا وقد أخبرني بكل شيء عن بورصا سبور وأنصاره وعن حجم وشعبية النادي. لقد تحدثنا، وتناقشت في هذا الأمر مع زوجتي وعائلتي، واتخذت القرار سريعا وأعتقد أنه كان من مصلحتي أن أوقع لهذا النادي، وحتى الآن أنا سعيد باختياري».ومن الهدوء النسبي بدوري الدرجة الثانية في فرنسا، إلى أجواء صعبة للغاية لبوستكوك في المباراة الأولى له مع بورصا سبور أمام العملاق التركي بشيكتاش على ملعب الفريق، الذي صمم على شكل تمساح تماشيا مع اللقب الذي يطلق على النادي.يقول بوستوك: «أحد الأشياء التي يمكنك أن تدركها بسرعة هو أن اللعب هنا يعد بمثابة اختبار حقيقي يكشف عن معدن لاعبي كرة القدم، فإذا كنت تستطيع أن تلعب هنا أمام هذا الجمهور وفي ظل هذه الضغوط، فيمكنك اللعب في أي مكان آخر. ويمكنك أن تشاهد مقاطع فيديو لتعرف مدى شغف الجمهور بكرة القدم هنا. في أول مباراة لي ضد بيشكتاش لم يكن بإمكاني سماع أي شيء على أرض الملعب، ولم يكن بإمكاني سماع زملائي في الفريق، ولا حتى بإمكاني أن أسمع نفسي وأنا أفكر، وهذه هي طريقة الجمهور الذي يعطيك كل شيء لكنه في المقابل يريد منك أن تقدم له شيئا».وقد أجريت هذه المقابلة في يوم رفض فيه لاعبو النادي خوض التدريبات بسبب عدم حصولهم على رواتبهم لمدة خمسة أشهر، وهذا يعني أن بوستوك لم يحصل على أي مقابل مادي منذ انضمامه للنادي في يناير (كانون الثاني) الماضي. وعلى الرغم من المشكلات المالية، ما زال لاعب خط الوسط الإنجليزي مصرا على أنه اتخذ القرار الصحيح لمسيرته المهنية.يقول بوستوك: «لقد لعبت في الدوري الأميركي للمحترفين، ولعبت في بلجيكا وفرنسا، لكن الوضع مختلف تماما في تركيا. كنت أعتقد أنني رأيت كل شيء في كرة القدم، لكن عندما جئت إلى هنا رأيت أشياء جديدة، لكن بصراحة إنه مكان رائع للعب. المستوى هنا رائع، وأنا ألعب ضد لاعبين عالميين كل أسبوع تقريبا، فهناك لاعبون دوليون في كل ناد تقريبا».وبعد مساعدة نادي أود هيفرلي لوفين على الصعود للدوري الممتاز في بلجيكا والحصول على لقب أفضل لاعب في دوري الدرجة الثانية بفرنسا، تلقى بوستوك عروضا من أجل الانضمام إلى أندية أخرى بإنجلترا، التي ينظر إليه بها على أنه كان لاعبا صغيرا في كريستال بالاس ولم يتمكن من حجز مكان له في التشكيلة الأساسية لتوتنهام هوتسبر بعد ذلك. لكنه الآن أكبر سنا وأكثر نضجا، ولا يخشى العودة إلى إنجلترا مرة أخرى لكي يظهر المستوى الذي وصل إليه.يقول بوستوك: «قد يشعر الناس بأنني إذا عدت إلى إنجلترا فإنه يتعين علي أن أثبت شيئا ما، لكنني لست قلقاً من ذلك. ربما قبل بضع سنوات، كنت سأشعر بالقلق والحاجة إلى إثبات نفسي وبأنني ما زلت الفتى الذي كان يتنبأ له الجميع بمستقبل باهر، لكنني لست بحاجة إلى إثبات أي شيء آخر. إذا عدت، فإنني أريد فقط أن أقدم أفضل ما يمكنني القيام به للنادي الذي ألعب له وأستمتع باللعب في إنجلترا أمام أصدقائي وعائلتي في الدوري الأكثر مشاهدة في العالم».وبعد مساعدة بورصا سبور على تقديم أداء جيد في الدوري التركي الممتاز لموسم آخر، يتطلع بوستوك دائما إلى التطور نحو الأفضل ولا يركن مطلقا إلى التفكير في الماضي، سواء في مسيرته في عالم كرة القدم أو فيما يتعلق بالحادث المروع الذي تعرض له.يقول اللاعب الشاب: «أريد أن يتذكرني الجميع بأنني الشخص الذي حقق الهدف الذي خلق من أجله. في بعض الأحيان، إذا بدأت في مقارنة نفسك بالآخرين، فإنك تبدأ في النظر إلى مصائر وأهداف الآخرين. أعتقد أنني خلقت من أجل هدف ما، ولن أتغير لأصبح شخصا آخر وسأواصل رحلتي الخاصة التي أوصلتني إلى ما أنا عليه الآن فيما يتعلق بشخصيتي والطريقة التي ألعب بها. لم يكن الأمر سهلا، لذلك أريد أن يتذكرني الجميع بأنني الشخص الذي لم يستسلم أبدا والذي واصل عمله بكل قوة من أجل تحقيق أهدافه».وعندما رحل بوستوك عن توتنهام هوتسبر دون الذهاب إلى أي ناد آخر، كان يشعر بالقلق من انتهاء مسيرته الكروية، لكنه كان قريبا من خسارة شيء أكبر وهو حياته في هذا الحادث المروع، لكنه يواصل عمله بكل قوة، وبدأ يرى الحياة بمنظور أوسع من مجرد إثبات أنه على صواب والآخرون على خطأ.
مشاركة :