إعداد سليمة لبال| إغلاق 150 وسيلة إعلامية منذ الانقلاب الفاشل 120 صحافياً معتقلاً بينهم متهمون بالتواطؤ مع انقلابيين رسامو الكاريكاتير يحاولون كشف ما يعيشه المجتمع الآن صحافة تتحول من الاهتمام بالسياسي إلى الشأن الاجتماعي فقط ارتفاع منسوب الرقابة الذاتية حتى لا يتعرض الصحافي لوجع رأس من يغامر ويكتب مانشيتاً مثيراً يستدرك قبل الطبع ويغيره لا تزال بعض الصحف الساخرة في تركيا تقاوم الضغوط السياسية والاقتصادية، وتعبر عن رأي شريحة مهمة من المجتمع التركي، على الرغم من تراجع حرية التعبير في هذا البلد، وفق تقارير محلية ودولية. لقد أصبحت الصحافة الساخرة في تركيا آخر معقل لحرية التعبير منذ «الانقلاب الفاشل» الذي شهدته تركيا في 15 يوليو 2016، ذلك أن 150 وسيلة إعلامية أغلقت، فيما لا يزال أكثر من 120 صحافيا معتقلا، بينهم الشقيقان أحمد ومحمد ألتان اللذان أدينا بالسجن المؤبد بعد ادانتهما بالتواطؤ مع الانقلابيين. وفي ظل هذه العاصفة، يواصل بعض الصحافيين ورسامي الكاريكاتير كشف ما يعيشه المجتمع التركي من تحولات لكن من خلال الكتابة الساخرة التي تحمل في طياتها رسالة جدية. لم تتخل صحيفة «لومان» عن مقرها في شارع الاستقلال الشهير على الضفة الأوروبية لاسطنبول منذ تأسيسها. وتعد هذه الأسبوعية إحدى أبرز الصحف الساخرة في تركيا، لكنها الوحيدة التي تتبنى خطا سياسيا.ويقول مؤسس الأسبوعية تانكاي أكغون لمجلة لونوفيل أوبسارفاتور الفرنسية «نحن نعيش أسوأ مرحلة منذ 30 سنة من وجودنا في الساحة الإعلامية… والضغوط قوية جدا». ولا تغفل «لومان» التي تلقب أيضا بشارلي إيبدو التركية شيئا، ففي غلاف عددها الذي صدر الأسبوع الماضي، انتقدت مرة أخرى الرئيس التركي من خلال كاريكاتير يظهر فيه وهو يحمل ميكروفونا الى جانب طفل يذرف دموعا ويرتدي بزة عسكرية. … مغامرة خطرة كان هذا الكاريكاتير مغامرة خطرة جازفت من خلالها إدارة التحرير بمستقبل أسبوعية، غير ان تانكاي أكغون يقول إن «علينا أن نحافظ على شعورنا بالحرية وإلا لن نستطيع أن نصنع السخرية ولا الفكاهة». ورغم ذلك يهتم أكغون بكل كلمة وبكل شخطة قلم رصاص «نحن لا نعيش فقط تحت رحمة حالة الطوارئ، ولكن يجب ألا ننسى أننا في خضم صراع مسلح. والرسم والسخرية يمنحاننا حرية أكثر ولكن علينا أن نثبت دوما براعتنا». وكانت الشرطة قد منعت غداة الانقلاب عددا خصصته «لومان» للموضوع، ورغم ذلك كان كاريكاتير الغلاف من أكثر المواد التي تمت إعادة تغريدها على تويتر، وظهرت عليه مجموعتان، واحدة مؤيدة للانقلاب وأخرى رافضة، وكلاهما تدفعهما يدان خفيتان للمواجهة. رافقت أسبوعية «لومان» منذ تأسيسها عدة تغييرات اجتماعية عاشتها تركيا وتناولت العديد من الموضوعات التي تعتبر من المحرمات كحقوق المرأة. ويقول تانكاي أكغون إن الأسبوعية سعت دوما لكسر حاجز الرقابة. جو مشحون كان الجمهور التركي يدعم هذه الجرأة، وينتظر كل أسبوع صدور العدد الجديد، لكن الجو العام أفقد القراء لذة الاطلاع على هذا النوع من الصحف، بينما لم تعد الأكشاك تجرؤ اليوم على وضعها في مقدمة الصحف. وبسبب الأزمة الاقتصادية والمضايقات القضائية، توقفت صحيفتان عن الصدور قبل بضعة أشهر، ويتعلق الأمر بصحيفة «جيرجر» التي تأسست في 1972، وكانت تسحب نصف مليون نسخة في عز أيامها. لقد انهكت الصحيفة بسبب المتابعات القضائية التي طالتها منذ ان نشرت كاريكاتيرا عن النبي موسى، اعتبره رجال الدين مسيئاً وانتهت الصحيفة بالرضوخ للضغوط معلنة خسارتها. وأما صحيفة «بانغن» فقد أعلنت توقفها عن الصدور لأسباب مالية في أبريل الماضي. ويقول سيلكوك إيردم الذي كان يعمل رسام كاريكاتير فيها: «ان عدد القراء انخفض من 50 ألف قارئ إلى 15 ألفا في ظرف 5 سنوات». ويضيف: «لم يكن الوضع مستقراً، ومن دون شك لو استمررنا في العمل لواجهنا الرقابة مثل كل الصحافة». تراجع المبيعات ووفق لونوفيل أوبسافاتور فقد تخلى هذا الرسام عن الكاريكاتير السياسي. ويؤكد يوميت أونجين الذي يملك مكتبة متخصصة في بيع المجلات والمجلات المصورة بالقرب من شارع الاستقلال، تراجع مبيعات هذا النوع من الصحف والمجلات بشكل كبير. ويُرجع أسباب ذلك إلى «هيمنة الإنترنت ما أثر كثيراً في العناوين الأسبوعية، وأيضاً إلى كره الجمهور للسياسة». ويضيف «يرى الشباب ان المواضيع السياسية مؤذية، لذلك فان الجيل الجديد من رسامي الكاريكاتير لم يعد يهتم بالشأن السياسي وانما بالقضايا الاجتماعية». وقد تبنى هذا الموقف مؤسسو أسبوعية «يوكوزوك» وتعني المصاب بالأرق، وهي آخر أسبوعية جرى تأسيسها في تركيا، وليس هناك أي لافتة تشير إلى هذه الأسبوعية في البناية التي تحتضن مقرهافالمؤسّسون الستة يرغبون في العمل بعيداً عن الأضواء ويهتمون فقط بالقضايا الاجتماعية بعيداً عن الحياة السياسية، في محاولة منهم للحفاظ على استقلالية العنوان وإنقاذ حرية التعبير. ويقول الرسام إيرسين كارابولوت: «نحن نعكس عمق المجتمع ومشاكله، من خلال عوالمنا وشخصياتنا». ويضيف زميله ييجيت أوزغور: «لقد تكرّست الرقابة الذاتية في مهنتنا منذ عشرة أعوام، وقائمة المواضيع التي لا نستطيع التطرّق إليها تتمدّد يوماً بعد يوم». ويتابع كارابولوت «لا يتعلق الأمر فقط بمواضيع سياسية، فالحساسيات تتفاقم، وكل مؤسسة أو مجموعة اشخاص تشعر بأنها متضررة تتقدّم بشكوى».. وأما كلمة المرور الجديدة في الصحافة التركية فهي واضحة: أن تكون صحافياً حذراً أفضل بكثير من صحافي مكمّم وراء القضبان. ويقول ييجيت أوزغور «في السابق كان لدينا معياران لاختيار موضوع الغلاف: كان يجب أن يكون الموضوع غريباً جدّاً ويحمل رسالة صادمة، ولكننا اليوم نرسل نسخة للمطبعة، ثم نشعر بالذعر ونغيّر في آخر لحظة الغلاف، خوفاً من الملاحقات القضائية». ورغم ذلك، يقول أوغور غورسوي إن الصحافة التركية لا تزال تنتقد وتمارس حقها في ذلك من وجهة نظرها. ويوضح: «لسنا الرسامين الذين نشكو المصاعب التي نواجهها في العمل اليوم لصحافي أجنبي؛ لأننا ورغم كل ما يحصل ما زلنا نجد طريقنا للتعبير بكل حرية». تعد راميز إيرير واحدة من بين هذه الأصوات الحرة، فهذه الرسالة المخضرمة، نجمة يومية «راديكال» والمعروفة ببطلتها «كوتو كيز»، أي الفتاة السيئة. أسست في عام 2011 مجلة شهرية تصدر تحت عنوان «بيان ياني»، وتقوم النساء فقط بتنفيذها من الألف إلى الياء. وتدافع هذه المجلة عن حقوق النساء، حيث تحاول راميز وطاقهما كل مرة تسليط الضوء على مشاكل الجنس اللطيف وقضاياه، كالعنف الزوجي والزواج المبكر والقسري. وتقول راميز إيرير إن قضية العنف الذي يستهدف النساء أصبح قضية حساسة جداً في تركيا وتداعيات التطرق إليها تفوق تداعيات توجيه انتقاد مباشر لأي سياسي. وتضيف «مجلتي تهتم دوماً باستعراض التهديدات التي تطول النساء، والأهم بالنسبة إلينا هو أن تصل رسائلنا إلى المجتمع. عدد قرائنا رسمياً يمكن أن يكون قليلاً، ولكنّ جمهورنا تضاعف بسبب شبكات التواصل الاجتماعي». ولا تخلو شبكات التواصل الاجتماعي في تركيا من رسومات «لومان» و«يوكوزوك» و«بيان ياني» لتصل إلى جمهور ما كان الرسامون يتصورون أبداً أن بمقدورهم تبادل الحديث معه. هي إشارة بالنسبة إليهم تؤكد أهمية عملهم، إذ يقول أوغور غورسوي رسام «يوكوزوك» إن رسامي الكاريكاتير في تركيا لن يخسروا شيئاً ما دامت هذه الروابط بينهم وبين الجمهور موجودة. (س. ل) الإعلام .. تغيّر جوهرياً خلال 15 عاماً تغير وجه الإعلام التركي بشكل كبير خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، ففي 21 مارس الماضي، أعلن تكتل ديميرورين، القريب من الحكومة، شراء مجموعة دوغان المالكة لصحيفة حرييت (أول صحيفة في البلاد)، علاوة على أهم القنوات الإخبارية. كما يبدو، وفق «لونوفيل اوبسارفاتور»، أن انسحاب إيدين دوغان، الذي يرعى الإعلام منذ أربعين عاماً، دليل على سيطرة مقربين من أردوغان على السلطة الرابعة، فقد التحقت «حرييت» بعناوين أخرى مثل «الصباح» و«تاكفيم» او «يني أسير»، التي تملكها مجموعة توركوفاز ميديا لصاحبها عمر فاروق كاليونصو. بقيت صحيفة معارضة واحدة هي صحيفة «كامحورييت» التي تدفع ثمناً باهضاً نظير استقلاليتها، حيث يلاحق صحافيوها بشكل آلي، فيما يقبع البعض الآخر وراء القضبان.
مشاركة :