بعد أسابيع قليلة تفتح الجامعات السعودية أبواب القبول لخريجي وخريجات الثانوية العامة، ومن تجربة شخصية أمر بها مع ابني خريج الثانوية العامة فإننا نعاني في اختيار التخصص الجامعي المناسب له في المرحلة الجامعية المقبلة، وأنا على قناعة أن الآلاف من الآباء والأمهات يعيشون الحالة نفسها. والواضح والأكيد أن غالبيتنا تحاول فرض التخصص الجامعي الذي تريده لابنها في المستقبل، بغض النظر إن كان هذا الطالب يريده أو يجد نفسه فيه، وكثير من الحالات وللأسف يصدمه الفشل في مسيرته الدراسية الجامعية التي لم يكن له قرار في اختيارها، وقد يختار تخصصاً آخر بعد فشله في التخصص الذي اختارته له عائلته، وهذا يترتب عليه ضياع الوقت والجهد، وقد يكون سبباً في تركه الدراسة الجامعية بأكملها، بل إن البعض يمر بأزمات نفسية عنيفة نتيجة قرار لم يكن هو صاحبه الأول. علينا أن نحترم ونقدر أي اهتمام قد يبدو غير مألوف لدينا عند مناقشة أبنائنا في ما يودون دراسته في الجامعة، فقد ولّت مرحلة أنني أريد ابني أن يكون طبيباً أو مهندساً أو طياراً، بل إن بعضنا وكما في المسلسلات التلفزيونية يطلق وينادي ابنه منذ دخوله المدرسة بالمهندس أو الدكتور، ويحاول غرس هذا التوجه لديه وقد يكون لا يحب المسار العلمي أو العكس، وتكون النتيجة كارثية على الابن والعائلة بأكملها. هذه الأيام يتكرر السؤال لخريجي الثانوية العامة عن ماذا سيدرسون في الجامعة، والكل من الأصدقاء والأقارب يدلي بدلوه بالنصائح لهم بهذا التخصص أو ذاك، والغالبية منهم يربط التخصص الذي يوصي به بالجانب المادي فقط، أما ما يريده هذا المسكين فهم لا يسألونه عنه، وأنا لا أقلل من أهمية هذه الجوانب، ولكنني أميل وبشدة إلى رغبة واهتمام الطالب في المقام الأول، ولكن وللأسف هناك خلل في التعليم العام لدينا، بحيث يتخرج الطالب من الثانوية العامة وهو لا يعرف أي العلوم هو يحب، وتجد الكثير منهم يلجؤون إلى النصح والفزعة من الآخرين في قرار مصيري في حياتهم المستقبلية. باعتقادي أنه يجب ترك مساحة للطالب لاختيار التخصص الذي يجد نفسه فيه بناء على رغباته وإمكاناته، مع البعد قدر الإمكان عن تدخل العائلة في هذا القرار. في مجتمعنا الآن نعيش حالة من التحول الكبير في مفهوم الوظيفة التي يحتاجها سوق العمل، فهذه الجزئية يجب أن تركز عليها المؤسسات العامة وخصوصاً الجامعات وبرامجها الأكاديمية، وأن تقوم الجامعات ببرامج توعوية للطلاب الجدد عن أهمية اختيار التخصص الذي يلبي رغبتهم ويكون سوق العمل في حاجة إليه، وليس تخريج المزيد في تخصصات غير مطلوبة والنتيجة زيادة في نسب البطالة لدينا. نسمع ونقرأ كل يوم عن تخصصات دراسية في الذكاء الاصطناعي أو عالم الروبوتات أو مصممي الألعاب، وقد نعتبرها غير مهمة أو أنه لا يوجد أقسام في جامعاتنا لمثل هذه التخصصات الجديدة، ولكن هذا لا يعني عدم أهميتها، وهناك تخصص قديم وقد لا تكون له جاذبية في سوق العمل كتخصص «الآثار» مثلاً، ولكن إذا أردنا مبدعين وشغوفين في العلم والعلوم الإنسانية فلنترك لأبنائنا وبناتنا حرية الاختيار، فهناك دائماً فجوة بين الأجيال وبخاصة في عالمنا المتغير بشكل سريع جداً.
مشاركة :