«داعش» و«عافش» ... وجهان لعملة واحدة

  • 5/30/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مثل كرة الثلج ما زالت الحملة على عمليات سرقة المنازل «المنظمة» في الأحياء التي استعاد الجيش السوري السيطرة عليها جنوب العاصمة دمشق، تنمو متدحرجة وتتسع إلى الاتجاهات كافة، بعد أن باتت الحالة واضحة أمام مرأى معظم السكان، وملأت صورها الدنيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وحدها تقريباً، غابت وسائل الإعلام الرسمية عن المشهد حفاظاً على «سمعة المؤسسة العسكرية التي تخوض حرباً كونية منذ سنوات».معركة من نوع آخر بدأت جولاتها على صفحات «فيسبوك» بين من وجدها «فرصة لفضح ظاهرة نخرت المجتمع والجيش السوري على مدار السنوات السابقة»، وبين من اعتبرها «حملة منظمة لتشويه صورة الجيش الأسطوري الذي هزم الإرهاب». وآخر فصولها كان انتشار مقاطع فيديو وصور تظهر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية وهي تلقي القبض على أشخاص يرتدون اللباس العسكري كانوا يخرجون مسروقاتهم من بلدة ببيلا، ما زاد توقد الحرب «الفيسبوكية» بين مؤيد ومعارض لهذا التدخل حتى حذر البعض من تحول «حملات الشتائم المتبادلة» لاحقاً إلى «حرب حقيقية ستكلف القوات الروسية الدم».صفحات موالية اعتبرت أن الأمر زاد عن حده كثيراً وهددت بـ«تأديب» من يأتي على «سيرة أبطال الجيش».وورد في إحداها: «خلال يوم واحد مئة منشور يتحدث عن (التعفيش)، وأصحابها حزينون على بيوت المسلحين وعلى براد وغسالة ومسكة باب، لكنهم غير مبالين بعشرات الشباب الذين ضيّعوا عمرهم من أجل البلد وكأن الأخلاق نبتت فجأة لهذا الشعب».ظاهرة «التعفيش»، أي سرقة أثاث المنزل (العفش)، ليست جديدة على الأزمة السورية، فهي بدأت منذ الأيام الأولى للحرب التي جاءت على معظم البلاد، وتبادل بطولة أدوارها كل من فصائل المعارضة ووحدات الجيش السوري والقوات الموالية له، وإنْ بنسب متفاوتة حسب المكان وظروف الحياة في مكان سيطرة كل طرف. فغالباً ما كانت الأدوات الكهربائية الغالية الثمن لا تستهوي فصائل المعارضة التي لا تتوافر الكهرباء في مناطقها، فتتجه إلى الخشبيات والألبسة وسواها، أما «اللجان الشعبية» فكانت تتسابق على الأدوات الكهربائية بل وحتى على الأسلاك النحاسية والنوافذ الحديدية أو المصنوعة من الألمنيوم لسهولة تسويقها.ولطالما برر الطرفان المتحاربان عمليات السرقة المنظمة بالاستناد إلى الموروث الاجتماعي لإحياء مصطلحات مثل «الغزوات والغنائم» وإلباسها لبوس الدين لتأمين الغطاء، لكن الغاية الأساسية كانت في السعي إلى الاتجار بممتلكات الناس البسطاء الذين طُحنوا بين سندان المعارضة ومطرقة النظام.والظاهرة التي جاءت على كل المناطق التي شهدت المعارك على مستوى البلاد، تمت في معظمها بعيداً عن الأضواء باستثناء الحالات التي جرت داخل المدن الكبيرة، حيث شهدت البلاد حملة مضادة واسعة بعيد استعادة الجيش السوري السيطرة على أحياء حلب من المعارضة، ولم يتم الحد منها إلا بعد تدخل الشرطة العسكرية الروسية حينها، وكذلك الأمر أخيراً بعد استعادة الجيش السوري السيطرة على مدينة الحجر الأسود ومخيم اليرموك والأحياء والبلدات المحيطة بهما جنوب دمشق، وقبل ذلك حين سيطرة فصائل «درع الفرات» المعارضة والمدعومة من تركيا على مدينة عفرين الكردية شمال البلاد.ولعلّ ما ساعد على فضح ما يجري في محيط العاصمة تدخل صفحات لنشطاء فلسطينيين لدرجة أن الأمر وصل إلى حد مناشدة الأمم المتحدة التدخل لوقف نهب مخيم اليرموك.لم تنجُ معظم المناطق من ظاهرة «التعفيش»، وهي على العموم كانت تحصل في غالبية الأحيان بأحياء الفقراء بضواحي المدن الكبيرة أو في قرى وبلدات ومدن الريف السوري، الأمر الذي حذر منه كثير من النشطاء باعتبارها «عملية ممنهجة لتفقير الشعب» حيث إنها تدمر كل ما في المنازل ليس فقط من أثاث وإنما الإكساء من التمديدات الكهربائية والصحية والبلاط وسيراميك الحمامات ورخام النوافذ، لدرجة أن البيت يصبح بحاجة إلى عملية إكساء جديدة، وقد وصل الأمر أحياناً إلى تكسير الأسقف لاستخراج الحديد منها، كما يتم تدمير كل المرافق الخدمية العامة بهدف المتاجرة بأغراض مستعملة وشبه معطوبة وبأسعار ربما لا توازي أكثر من 10 في المئة من قيمتها السوقية.أمين عام «هيئة العمل الوطني الديموقراطي»، والناشط الحقوقي محمود مرعي كتب على صفحته على «فيسبوك» إن «داعش وعافش وجهان لعملة واحدة»، وآخرون «حذروا من تحويل شرائح واسعة من المجتمع إلى لصوص، والأخطر أن هؤلاء محسوبون على وحدات الجيش ما يسيء لسمعته»، مشيرين إلى أن «السيولة التي تجري بيد هؤلاء اليوم وحياة البذخ التي يعيشونها من بيع مسروقاتهم، كيف ستنعكس غدا على المجتمع السوري عندما تتوقف المعارك وتنتهي عمليات استعادة السيطرة على مناطق جديدة في ظل انتشار السلاح بشكل كبير».تلك المخاطر دفعت بالكثير من الموالين إلى التحذير من استمرار ظاهرة «التعفيش» وطالبوا بمعالجة أسباب المشكلة، فدعا البعض، بمن فيهم أعضاء في مجلس الشعب، إلى مضاعفة رواتب أفراد وضباط الجيش السوري وتأمين التعويضات المناسبة مع فرض عقوبات رادعة ضد ضعاف النفوس.حتى غلاة المدافعين عن سمعة الجيش السوري، باتوا يكتبون: «كما أنني لم أكن أسمح لنفسي بأي نقد سلبي فأنا أيضاً لم أكن أستطيع الدفاع عن الذين يسيئون إلى سمعته تحت أي شعار كان».

مشاركة :