عبد اللطيف الزبيدي الكون ساحر البيان، فما هي لغته؟ ما هي أبجديتها ومفرداتها وجملها وفقراتها وفصولها وأبوابها وكتبها ومكتباتها؟ هل العالم الإسلاميّ حريص حقاً على تعلّمها والإلمام بها؟ المؤسف هو أننا لسنا في عصر النياندرتال، أو في العصر الحجريّ، حتى تكون صيحاتنا وكتلة جماجمنا بعيدة نجوميّاً من قاموس اللبنات التي قام بها وعليها صرح الخلق: الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء والأحياء. لكننا، بالجملة لا بالمفرّق النادر، لا نزال في الملليمتر الأوّل من الخطوة الأولى على طريق المليون ميل. ما لا يخطر على بال هو أن الإيمان كأيّ شيء غيره، له آليات في حاجة إلى تطوير وتحديث. تلك الدعائم هي مدى اتساع دائرة العلم، الذي يعطي الإيمان مذاقاً روحيّاً أسمى: «إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ» (فاطر 28). خشية تعظيم معرفيّ، لا ارتعاد فرائص أمام قوّة.هنا القصور في إدراك تجديد وسائل الإيمان. ما يصعب على الكثير من المسلمين استيعابه، هو أن الخالق بنى الكون والحياة بعلوم لا علاقة لها بالأديان واللغات والحضارات والثقافات، ولا بالمخلوقات والأجناس. إذا كانت في المجرّات الأخرى مخلوقات عاقلة مختلفة عنّا كليّا، وحظيت بمقوّمات الإحاطة بالعلوم الأساسيّة البنيويّة، فإنها ستكتشف مسيرة السلّم ممّا دون الذرّة إلى المجرّة من خلال الرياضيات والفيزياء،وقد تتباين تركيباتها الكيميائية والبيولوجية عمّا لدينا، كعدم اعتماد بناء أجسامها على الكربون والماء. معنى ذلك أن الأديان منارات تهدي إلى الإيمان الذي يرتقي بمدى الإلمام بمعادلات لغة الخلق.لغات البشر لا يختلف نظامها عن نظام الكون في تكوينها. الحرف، الكلمة، الجملة إلخ، تماماً مثل: الذرّة، الجزيء، البروتين، الخليّة، النسيج، العضلة، العضو، الجسم. كذلك: الذرّة، الجزيء، المادة، الكوكب، المنظومة، المجرّة، الكون. النحو فيه صور كثيرة من التفاعلات الكيميائية. الشعر والنثر فيهما مشاهد بيولوجية مذهلة، ففي الكلمات الجامدة تنبعث الحياة بروح الإبداع. لكن معرفة روائع الخلق الكونيّ لا تتجلّى إلاّ باللغة العليا المتمثلة في معادلات رباعيّ الإبداع الأعلى. يجب أن ندرك أن العلوم البحتة والتطبيقية ليست سوى خطوات أولى لفهم أسرار البلاغة في بيان الكون. الخالق يخاطب العقول بفيزياء الكوانتوم التي ستكون بعدها آفاق فيزيائية أخرى ولا شك، وبعظمة كون يعود انفجاره العظيم إلى 13.7 مليار سنة، ومدى توسعه المنظور خمسون مليار سنة ضوئية (الواحدة: عشرة تريليونات كم). كل الثناء على قدمائنا، بذلوا قصارى جهدهم في محاولة فهم الكون، لكن إدراكنا اليوم يحتاج إلى لغة الكون نفسها لفهمه.لزوم ما يلزم: النتيجة التراثية: ألم يقل الماضون «خاطبوا الناس بما يفهمون»؟ فخاطبوا الكون بلغته إذاً. abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :