أوضح الدكتور سعد البازعي أن الترجمة غيرت ثقافات اجتماعية في الشعوب، مشيرا إلى أن حضور الأعمال المترجمة من العربية «ليس بالجيد مقارنة مع الترجمات من اللغات الأخرى، المنشورة ضمن قائمة الأعمال الأكثر انتشاراً ومبيعاً في صحيفة النيويورك تايمز، ولا سيما أن هذه الصحيفة تمثل مقياساً لما ينتشر بين القراء في مختلف أصقاع الدنيا، كما يقال إنها تؤثر في اختيارات قائمة الأعمال المدرجة لنيل جائزة نوبل». وقال البازعي إن نسبة المنقول من لغات العالم إلى الإنكليزية يفوق 40 في المئة في حين أن المنقول من اللغة العربية إلى اللغة الإنكليزية لا يتجاوز 1 في المئة، «وهذا مؤشر يستحق التساؤل عن مدى اهتمام العالم بما يقدمه العرب وما يهتمون به». جاء ذلك ضمن فعاليات مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، في مناسبة شهر رمضان، وشارك في الفعالية وعنوانها «ما النص بعيدا عن لغته»؟ إلى جانب البازعي الشاعر والمترجم عبدالوهاب أبوزيد والمترجم حمد الشمري وقدمها أشرف فقيه، الذي طرح عدداً من التساؤلات، مثل: ما المدخل الأفضل المعبّر عن قدرتنا على الترجمة، أترانا نقصد بها ترجمة ما يجول بدواخلنا أو ربما ترجمة ما يقوله الآخر الذي يتحدث بلغة غير مفهومة؟ أو ربما محاولة ترجمة نص الحياة الذي نقرأه كل يوم؟ أليست الترجمة هي وسيلتنا لكشف اللعبة اللغوية التي يمارسها الأدباء؟ ومن أين يكتسب المترجم ثقة القارئ الذي لا يستطيع الاطلاع على النص الأصلي؟ وهل الترجمة خيانة ضرورية؟ وأثرت تساؤلات الجمهور الحوار والنقاش حول موضوع الترجمة، إذ ركز الكاتب والمترجم السعودي بندر الحربي على إمكان التصرف بالنص، متسائلاً: «هل يخالف ذلك أو يؤازر أيديولوجيات معينة، هل توجد أمثلة تؤكد أن الترجمة ليست خالية من تأثير الأيديولوجيا وصراع المصالح والسعي لإحداث تغييرات تخدم أجندات سياسية»؟ كما تساءل عن مستقبل الترجمة ومستقبل الإبداع في ما يتعلق بتدني مستوى الإصدارات وانخفاض معدل المنقول والمترجم عن العربية إلى لغات أخرى؟ وسلطت مداخلة عبدالوهاب أبوزيد الضوء على الترجمة الإبداعية، التي يراها موازية للنص الأصلي الذي لا تنقله بالحرف، في حين يكثر اهتمام الناس بجدليات عما إذا كانت الترجمة الحَرفية التزاماً أم تساهلاً، ولماذا يرفض البعض اعتبار الترجمة الحرفية ابداعاً بينما يجدها البعض الآخر وفاء للنص الأصل، واعترافاً بحق الكاتب في الاحتفاظ بأسلوبه وبنائه كما جاء به. ورأي أبوزيد أن النص الموازي قد يبتعد عن النص الأصلي لكنه يقترب من روحه ومرماه، متطرقا إلى محور مهم يدور حول أيهما أسهل على المترجم المحترف: المواد العلمية أم ذات الصبغة الأدبية؟ وعبّر أبوزيد عن اعجابه الشديد بأجمل ترجمات الروائي دوستوفيسكي، مشيرا إلى أنها كانت منقولة عن الفرنسية وليس عن الروسية، في إشارة إلى أن الترجمة عن لغة وسيطة ليست دائماً سيئة، فالأهم هو توفير لغة آمنة. من جانبه، أفاد حمد الشمري برر ضآلة المترجَم من العربية، إلى عدم وجود الرغبة لدى الآخر في اكتشاف العالم العربي وما يشغل هذا العالم. واستعرض الشمري تجربته العصيبة في ترجمة نص إذاعي لا يزيد طوله على خمس صفحات، كان قد استمع إليه في الإذاعة بعنوان «على بساط الشعر» للكاتبة الأسترالية إليسا بايبر. وقال كلما زادت الدهشة التي يحدثها فيك النص كلما صعبت ترجمته، الأمر الذي تطلب منه قضاء خمسة أعوام في محاولة لترجمة هذا النص البديع إلى العربية. ومن الفعاليات التي نظمها المركز فعالية بعنوان «كيف تحلمُ القصيدة»؟ شارك فيها كل من الشعراء صالح زمانان، وحيدر العبدالله، ومطلق الجبعاء، وأدارها الشاعر والناقد محمد الحرز، وركزت على مفهوم التساؤل عبر ندوات تفاعلية ومواضيع ثقافية مختلفة، ومجموعة من التساؤلات عن الشعر والحياة وطريقة تعامل الشاعر مع قصيدته، كما تطرقت الندوة للأصدقاء في الشعر، والفقد، والحب. إلى ذلك، أوضح مدير برامج إثراء المهندس عبدالله آل عياف أن إثراء جاء لإظهار الثقافة الوطنية بطريقة مبتكرة، مشيراً إلى السعي إلى صناعة المنتج الثقافي وتطويره عبر مساحة من التساؤلات التي تفتح آفاق معرفية جديدة. وبين رئيس قسم المحتوى والنشر المهندس عبداللطيف المبارك أن مركز إثراء أصدر كتيبٍاً ثقافياً بعنوان «القصيدة: قلبٌ أم قالب» تزامناً مع هذه الفعالية، ويأتي هذا الكتيب ضمن سلسلة يصدرها مركز «إثراء»، التي بلغت حتى الآن 14 كتيباً تنوعت في مواضيعها بين العلوم والفنون والأدب والإعلام، وذلك ضمن سعي المركز لإثراء المحتوى العربي في شقيه المطبوع والرقمي.
مشاركة :