يغيب عن بال الكثير من المسلمين أن شهر رمضان هو شهر الرحمة والغفران والضيافة عند الرحمن... ليعتقدوا أنه شهر الإسراف على الملذات متناسين فقراءهم وأيتامهم الغارقين في عوزهم وانكساراتهم... فترى البعض منهم كل همه التجول في الأسواق والجمعيات لاختيار ما لذ وطاب من مأكل وملبس وشغله الشاغل أن تكون سفرة الإفطار ممتدة من على طول قاعة الضيوف التي لا يُدعى اليها سوى ميسوري الحال من دون المساكين... وهنا يحضرني مشهد لعادل إمام في إحدى مسرحياته الكوميدية حين يقول فيه: «ناس عندهم لحمة بيعزموا ناس عندهم لحمة... عشان ياكلوا لحمة...!؟» هذه العبارة لم يكتبها الكاتب عبثا لأنها تتكرر كل يوم في مجتمعاتنا خصوصا في شهر رمضان.فلو حاول بعضنا أن يستغني عن كماليات سفرته ويتبرع بها لفقير يشتري أساسيات شهر الصوم التي تنقصه... لو حاولنا أن يكون طعامنا على قدر ما تستوعبه بطوننا لكان الحال أفضل... فأغلبنا لا يعلم أن الذين يموتون من التخمة أضعاف الذين يموتون من الجوع وأن ربع ما نأكله يكفينا لنعيش والباقي لكي يعيش الأطباء والصيادلة ومصنعو أدوية الضغط والسكري والسمنة!جميل أن يكون شهر الصوم مناسبة لتواصل الناس والأرحام وجميل أن نكون كرماء في ضيافتنا لكن علينا ألا ننسى كرم صاحب الضيافة فنحاول إرضاءه ولو بإطعام مسكين. أما عن الرحمة فيبدو أنها تتلاشى عندما يبدأ الصائم بالتذمر من كل ماهو حوله وكأنه يصوم قضاء عنهم وليس عن نفسه فكم من زوج يهين زوجته دون سبب وكم من زوجة تعتبر زوجها في هذا الشهر الخط الساخن الذي عليه بكبسة زر أن ينجز طلباتها اللامحدودة لتخوض تجارب الطبخ الجديدة وكم من أخ ضرب أخاه الأصغر لتذمره من الحر وكم من خادمة تمت تصفية الحسابات فوق جلدها فأين الصوم من كل هذا ولماذا نصوم اذا كان الصوم سببا لنتخلى عن الرحمة مع انها الهدف الأساسي منه؟!فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش! فطوبى للصائمين فعلا لمَنْ صام لسانهم عن إيذاء الناس وأكفهم عن مال الحرام وقلوبهم عن القسوة والحقد... طوبى لمَنْ تصدقوا فيه وتواصوا بالمحبة وتواصوا بالمرحمة!* كاتبة لبنانية
مشاركة :