مفاجآت الانتخابات العراقية تؤخر تشكيل الحكومة

  • 5/31/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

د. أحمد سيد أحمد * شكلت الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة نقلة نوعية في المسار السياسي العراقي الذي ساد منذ عام 2003، حيث أحدثت نتيجة الانتخابات مفاجآت كبيرة شكلت عاملاً مهماً في تغيير الخريطة السياسية العراقية ونمط التفاعلات السياسية السابقة وتمثلت في عدة أمور:* أولاً: أحدثت نتيجة الانتخابات وفوز تحالف «سائرون» الذي يقوده رجل الدين مقتدى الصدر بالمرتبة الأولى، حيث حصل على 54 مقعدًا، بزيادة بمعدل 63% عن انتخابات 2014 التي حصل فيها على 33 مقعداً، انقلاباً واضحاً على العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية، حيث كان فوز تحالف الصدر الذي رفع شعار الإصلاح ومحاربة الفساد والهوية العراقية انعكاساً لرفض الشارع العراقي على مختلف طوائفه للنخبة السياسية العراقية الحاكمة ولتغلغل الفساد في البلاد الذي جعله يحتل المرتبة 160 في قائمة الفساد العالمية، حيث جذب الصدر المستقلين واليساريين وكل التيارات التي ترفض الاصطفاف الطائفي. فقد تراجعت التحالفات الطائفية التقليدية مثل قائمة النصر بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي للمركز الثالث حيث حصلت على 42 مقعدا، بينما جاء تحالف الفتح بقيادة هادي العامري الذي يشمل الحشد الشعبي الذي لعب دورا بارزا في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية( داعش)، في المركز الثاني وحصل على 47 مقعدا، وحل ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي بالمرتبة الرابعة (25 مقعدا) وهو الذي كان شعاره الانتخابي إلغاء المحاصصة والذهاب نحو حكومة الأغلبية، وبالتالي فقد خسر نحو ثلثي المقاعد التي حصل عليها في العام 2014 وكانت 92 مقعدا، وحصل تيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم على 19 مقعدا. بينما حافظ ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي على مقاعده ال21، وحصل تحالف القرار بزعامة أسامة النجيفي على 13 مقعدا، بينما فاز الحزبان الكرديان الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بأغلبية مقاعد إقليم كردستان.* ثانياً: التراجع الكبير في نسبة المشاركة حيث شارك في الانتخابات 44.52% من عدد الناخبين البالغ 24 مليونا و300 ألف عراقي أي حوالي 11 مليون ناخب من مجموع عدد سكان العراق البالغ 38 مليون نسمة. وهو ما يمثل تراجعا كبيرا مقارنة بنسبة المشاركة في انتخابات 2014 التي وصلت إلى 60% وانتخابات 2010 التي وصلت إلى 62%. وتراجع المشاركة يعكس التصويت السلبي والاحتجاجي للمواطن العراقي الرافض للعملية السياسية والنخبة السياسية رغم جهود الحشد الكبيرة التي بذلتها الكتل والتحالفات السياسية لحفز المواطنين على المشاركة.* ثالثاً: أوضحت نتائج الانتخابات أنه لا يمكن لكتلة سياسية أو تحالف معين أن يقوم بتشكيل الحكومة الجديدة بمفرده، لكي يتولى تشكيل الائتلاف الحاكم، الذي يحتاج إلى الرقم الذهبي النصف زائد واحد، أي 166 مقعدا من مجمل أعضاء البرلمان العراقي البالغ 329 مقعدا، وهو ما يجعل شكل الحكومة العراقية المقبلة مرهونًا بقدرة التحالفات المختلفة على التحالف فيما بينها، وهنا يبرز دور تحالف «سائرون» كمفتاح رئيسي لتشكيل الحكومة، فبالرغم من أن مقتدى الصدر لا يمكن له تشكيل الحكومة حيث إنه لم يترشح، إلا أن كتلته تمثل الرقم الأساسي في المعادلة العراقية المقبلة، فتحالف سائرون الذي يقوده الصدر الذي اجتمع مع رؤساء الكتل الأخرى خاصة الفتح والنصر والكتل الكردية والسنية يقود التفاعلات السياسية لتشكيل حكومة تتجاوز المفهوم الطائفي والعرقي والديني والجهوي، وتتجه نحو تشكيل حكومة تكنوقراط لا تستند لقاعدة طائفية وإنما تستند لبرنامج سياسي واضح يتعامل مع قضايا العراق الحقيقية ومشكلاته العديدة، إضافة إلى أن تكون حكومة عراقية معبرة عن العراق وليس عن أجندات خارجية أو تشابكات إقليمية، وتتسم بمواصفات خاصة للتغلب على تلك التحديات وأبرزها مشكلة الفساد المزمن والمتغلغل في مفاصل الدولة وتوظيف النخبة السياسية للمعادلة السياسية لتعظيم مصالحها الفئوية والطائفية على حساب مصلحة العراق ككل، إضافة إلى تحدي إعادة إعمار العراق وتوظيف ثرواته في إعادة تعمير المناطق والمدن والقرى التي دمرتها الحرب على تنظيم داعش خلال الأعوام الثلاثة الماضية، خاصة في محافظات نينوى وعلى رأسها مدينة الموصل التي دمرت تماما، كذلك محافظات صلاح الدين والأنبار، وتحتاج إلى أكثر من مئة مليار دولار، وقد فشلت كل مؤتمرات الإعمار السابقة في حشد الدعم المالي الدولي في تحقيق هذه المهمة. وبالتالي على رأس الأولويات للحكومة المقبلة هو الاعتماد على الموارد العراقية لإعادة تعمير تلك المناطق وإعادة السكان المهجرين واللاجئين في إطار نظام يتسم بالشفافية والنزاهة وضمان أن تتم عملية الإعمار وفق جدول زمني محدد، كذلك وضع تشريعات قانونية وآليات واضحة لمحاربة مشكلة الفساد، إضافة إلى تحديات كثيرة مثل إعادة اللحمة إلى النسيج العراقي الذي تمزق بفعل نظام المحاصصة الطائفية وبفعل الحرب على «داعش»، كذلك إعادة ترميم العلاقة بين العرب والأكراد بعد الشروخ الكبيرة التي أحدثها استفتاء الأكراد على الاستقلال في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.تشكيل الحكومة العراقية الجديدة خارج الاصطفاف الطائفي يواجه بعقبات وتحديات كبيرة، أبرزها مقاومة النخب السياسية التقليدية التي تستند لقاعدة طائفية، لأي تغييرات جذرية في المعادلة السياسية العراقية وهيمنة كتل سياسية بعينها، وهو ما برز في التحركات الكبيرة التي تقوم بها بعض الكتل السياسية ضد كتلة سائرون، وتدعمها بعض الأطراف الإقليمية التي تريد استمرار سيطرة النخب السياسية القريبة منها في ظل اتخاذ كتلة الصدر لمواقف رافضة للوجود الخارجي واستعادة الهوية العراقية واستقلال القرار العراقي. ومن ناحية أخرى تسعى بعض الأطراف الدولية المؤثرة في المعادلة العراقية مثل الولايات المتحدة إلى إجراء تفاهمات مع الكتل السياسية المختلفة خاصة كتلة سائرون لضمان الحفاظ على مصالحها ومسألة استمرار الوجود الأمريكي والذي يتمثل في 7 آلاف جندي أمريكي يقومون بمهمة تدريب ودعم القوات العراقية، كما أن التحدي الآخر هو تشكيل ائتلاف يضم 166 مقعدا في البرلمان لتشكيل الحكومة الجديدة وفقا لأجندتها وتوجهاتها الجديدة، وهناك احتمالات وسيناريوهات عديدة منها، تشكيل تحالف من قائمة سائرون (54 مقعدا) مع تيار الحكمة (19) مقعدا وقائمة النصر (42) مقعدا، والوطنية (21 مقعدا) والقرار العراقي (12 مقعدا)، لكن إن حصل ذلك التحالف فإنه سيكون نجاحا منقوصا، فهو لن يؤهل هذه القوى مجتمعة لتحقيق الرقم (166 مقعدا)، المطلوب لتشكيل الحكومة. وهنا قد يلجأ «سائرون» إلى التحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني (25) مقعدا. وهناك سيناريو آخر يتمثل في تشكيل تحالف يضم قائمة الفتح بزعامة العامري (48) مقعداً مع دولة القانون بزعامة المالكي (26) مقعدا، مع الاتحاد الوطني الكردستاني (18) مقعداً. وهذه القوى مجتمعة لن تشكل سوى 91 مقعدا فقط. لكن في كل الأحوال فإن نتائج الانتخابات ستفرض على الحكومة العراقية الجديدة أن تسير وفق منهج مختلف مغاير لنمط المحاصصىة الطائفية القديم رغم التحديات والعقبات. * خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

مشاركة :