منذ انتهاء أحداث الموسم الأول من المسلسل اللبناني “الهيبة” وإعلان الشركة المنتجة عن نيتها إنتاج جزء آخر منه، والتساؤلات لا تزال متواصلة بشأن ماهية وتفاصيل الحكايات التي يمكن أن يخرج بها الجزء الثاني من “الهيبة – العودة” الذي بدا أنه لا يقل إثارة وتشويقا عن سابقه. وساهمت في ذلك مجموعة من العوامل المختلفة، لعل أبرزها ذلك الكم من المفاجآت التي احتوى عليها سياق المسلسل منذ اللحظات الأولى من عرضه، ليكسر الصورة النمطية التي تتسم بها الكثير من الأعمال الدرامية اللبنانية في الموسم الرمضاني، والتي يسيطر عليها الإيقاع البطيء والتكرار. ومسلسل “الهيبة – العودة” من نوعية الأعمال المشتركة، فهو يجمع نجوما من سوريا ولبنان، إضافة إلى مخرج وكاتب العمل السوريين سامر برقاوي وهوزان عكو. وعادة ما تلجأ غالبية الأعمال المشتركة من هذا النوع إلى البحث عن تكييف درامي لهذا المزج بين الهويات واللهجات، إذ يبدو هذا المزج مقحما في أعمال، أو طبيعيا في أعمال أخرى ومنسجما مع السياق الدرامي، و”الهيبة” ينتمي إلى هذه النوعية الأخيرة، فالمسلسل يدور على الحدود اللبنانية السورية، ومن المنطقي وجود علاقات نسب ومصاهرة بين العائلات السورية واللبنانية في مثل تلك المناطق الحدودية. ويحمل الجزء الثاني من المسلسل العديد من المفاجآت، ولعل أبرز الأحداث المفاجئة طبيعة السياق الدرامي الذي جاء على نحو غير متوقع، فالمشاهد الذي كان يجهز نفسه لمتابعة الأحداث السابقة وتوابعها وجد نفسه أمام واقع آخر، يعتمد على فكرة الـ”فلاش باك” التي تعود بالأحداث إلى حقبة سابقة لأحداث الجزء الأول، وبدلا من رؤية توابع الأحداث والصراع في ذلك الجزء، كان علينا أن نتابع أسباب ما جرى. المسلسل يكسر الصورة النمطية التي تتسم بها الأعمال الدرامية اللبنانية، والتي يسيطر عليها الإيقاع البطيء والتكرار وذاك بدءا من حادث مقتل سلطان والد جبل إلى الحرب التي اندلعت بين عائلة سلطان وعائلة سعيد بسبب الأخذ بالثأر، ثم تحوّل الأحداث داخل عائلة جبل نفسها التي بدت على وشك التقسيم والتشرذم، وهو ما طالعتنا به الحلقات الأولى التي تم عرضها، وما ستبنى عليه الأحداث لاحقا بالطبع. تهيمن الاختيارات الصعبة في هذا الجزء على مجريات الأحداث بقوة؛ حيث تتحوّل الأحداث بسرعة دراماتيكية من صراع على النفوذ بين عائلة سلطان وعائلة سعيد إلى حرب ثأرية بينهما، ثم صلح محفوف بالكراهية أدى إلى مصاهرة بهدف وأد الفتنة، إذ يفاجأ جمهور المسلسل بهذا التحوّل الدرامي الكبير والمتمثل في توجه “جبل” (تيم حسن) وحيدا من دون حراسة إلى عائلة سعيد، في مشهد استعراضي وخطابي وسط جمع غفير من خصومه وألدّ أعدائه، طالبا منهم الزواج من “سمية” ابنة سعيد، التي تؤدي دورها الفنانة نيكول سابا. وتتّفق العائلتان بالفعل على هذا الحل، ليجد كل من جبل وسمية أنفسهما أمام اختيار صعب وقاس يتجردان فيه من مشاعرهما من أجل وقف حمام الدم بين عائلتهما. وإزاء هذا التطور كان على جبل أن يتخلى عن حبيبته مريم (فاليري أبوشقرا)، أما سمية فكتب عليها أن تعيش وسط العائلة التي تسببت في قتل أبيها. صراع مشابه يكابده شاهين ابن عم جبل وخطيب أخته منى الذي يتركها هو الآخر بسبب اتهامه لجبل بأنه كان وراء بقاء أبيه في السجن، أما التطوّر الأكبر فقد تمثل في القبض على جبل داخل الحدود السورية في كمين غامض أعد له ولرجاله، ليقضي جبل في السجون السورية عامين كاملين قبل أن يتم ترحيله إلى لبنان، لكنه يتمكن من الهرب أثناء ترحيله. وهكذا يجد المشاهد نفسه أمام مجموعة من الأحداث المتشابكة والصراعات التي تراوح في حدتها بين اللين والقسوة، في أجواء مثيرة وشيقة ساهمت في جذب الانتباه بحفاظها على وتيرة التصاعد والمفاجأة، والتي نرجو أن تستمر خلال الحلقات القادمة. ولا يخلو سياق العمل من بعض الهفوات الإخراجية، منها هيئة جبل بعد عامين من السجن، وهو يبدو في كامل أناقته ومحافظا في الوقت نفسه على قصة شعره كما هي، وكأنه كان في نزهة وليس في السجن، أما المعارك التي دارت بين عائلتي سلطان وسعيد فقد بدت ذات طابع هوليوودي اتسم ببعض المبالغات.
مشاركة :