مطلع التسعينات شهدنا ثورة الدراما السورية. خلال سنتين، وبالتوازي مع ولادة أم.بي.سي، وبداية انتشار الفضائيات، تحوّلت الدراما السورية من إنتاج محدود للتلفزيون السوري، إلى صناعة تسجل حضورها. الصدمة السورية استفزّت الاحتكار الدرامي المصري. غضب المصريون من المنافسة. الدراما التلفزيونية كانت تعني الدراما المصرية. لم يتجاوبوا سريعا مع التحدي. كان توسّع سوق الدراما مع انتشار الفضائيات يتيح للدراما المصرية أن تبقى من دون تطوير. ثم انتبهوا إلى انتشار الإنتاج السوري وتنوعه ودخوله عوالم الفانتازيا والدراما التاريخية المتقنة والشأن الاجتماعي العميق. بدأت عملية الإصلاح واستمرت لفترة، ثم انحسرت مع انحسار حضور الدراما السورية بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا. اختفى المنافس، فلماذا الاستمرار في التطوير؟ في السبعينات، برزت لفترة الدراما اللبنانية. كانت ثمة أناقة ملموسة في العمل الدرامي اللبناني. أعمال قليلة، من شاكلة "عازف الليل" ونجميه هند أبي اللمع وعبدالمجيد مجذوب و"بنت البواب" لألسي فرنيني، لكن بحضور قوي. شيء يذكر بهدوء وتأثير فيروز وأغانيها. ثم جاءت الحرب الأهلية اللبنانية لتختفي الدراما اللبنانية عن شاشاتنا. لا شك أن عددا معتبرا من الممثلين السوريين غير راض عن النظام السوري وما جرّه من ويلات على البلاد قبل وبعد اندلاع الحرب الأهلية هناك. لكن ضع نفسك في دمشق وكن ممثلا أو ممثلة، وقرر الاختيار بين نظام الأسد أو نظام داعش. هذا انحياز للذات وللبقاء وليس للنظام. كان الثمن الذي دفعه الفنانون السوريون باهظا. تمت مقاطعة الدراما السورية من التلفزيونات الخليجية الكبرى، وهي من أهم الزبائن، وانحسر الإنتاج السوري. تصرّف الفنانون السوريون على مستوى شخصي. شاهدنا حضورهم الفردي المحسوس في الدراما المصرية والخليجية. لكن هذا لم يكن كافيا. المصريون ليسوا معروفين بفسح المجال لآخرين على شاشاتهم. مآتم النجومية الضائعة ومخاطر الغزو السوري كانا حاضرين في تصريحات رؤساء النقابات المعنية بالدراما. حدث اختراقان ملموسان. الأول، تسلّل منهجي لصناعة الدراما السورية نحو لبنان. والثاني، إشارة سياسية تلقتها الفضائيات الخليجية بالتساهل مع الإنتاج السوري اللبناني المشترك وقلب صفحة من أيّد النظام ومن وقف ضده. أكثر من عقد من الحضور السوري البشري في لبنان بسبب الحرب غيّر الكثير على الأرض. لم يعد الممثل السوري مجبرا على تغيير لهجته لينسجم مع الدراما اللبنانية. هذه أشياء لا تلتقطها الكثير من الآذان العربية، لكن السوري واللبناني يميّزانها بشدة. صار من الطبيعي إنتاج دراما لبنانية بحضور سوري قوي. الممثلون اللبنانيون أنفسهم وجدوا الفرصة مع حشد النجوم السوريين. اللمسات الإنتاجية والكتابة والإبداع السوري سجلت حضورها جنبا إلى جنب مع الأناقة اللبنانية. الحكاية على الشاشة أكثر من طبيعية. السوريون بيننا، في الحياة وفي الدراما. كانوا معنا من قبل، لكن عشر سنوات حرب رسخت تواجدهم في كل مكان ومفصل في لبنان. بقية النجاح تكفلت به الفضائيات الكبرى. عاد شراء المسلسلات. ومع الإبداع في الإنتاج، زادت الشهية على عرض المزيد من مسلسلات الإنتاج المشترك. لا حاجة لتسميتها إنتاجا مشتركا أصلا، فهي إنتاج لشركات لبنانية. لا مجال لأن تدس لجان العقوبات على سوريا أنفها. العامان الماضيان صار الجمهور العربي يستمتع بنتيجة هذه الثورة الدرامية السورية اللبنانية. زادت المتعة مع رمي منصة “شاهد” جانبا نموذج “مسلسلات رمضان”. زادت المتعة أكثر مع قبول المصريين التحدي. انظروا التطور الكبير في الدراما المصرية. ثورة بأبعاد كبيرة تغير مشهد الدراما العربية بشكل ملموس.
مشاركة :