ى مدار السنين، أخذ شهر رمضان طابعاً خاصاً جعله يتجاوز فكرة الصوم في ذاتها، ليمثّل حالةً إنسانية مبهجة تجتمع فيها معايير ومفاهيم كثيرة مثل: العائلة، المائدة، المشاركة، السهر، الانتظار... وقد سعى الفنان التشكيلي كميل حوا إلى تجسيد هذا الإحساس بمعنى الشهر الكريم وأبعاده من خلال ثلاثين لوحة جمعها في كتاب صغير بعنوان «لحظة رمضانية قضيناها معاً». واللافت أنّ لوحات حوّا صغيرة بحجمها لكنّها قادرة على أن تفتح أمام المشاهد عالماً واسعاً يستدعي ذكرياتٍ بعيدة وراسخة في مخيلّة من عاشها. عناصر كثيرة تجتمع معاً في صورة محدودة لتمنح الصفحات أفقاً أوسع من حجمها الطبيعي، بحيث يشتغل على لعبة الضوء والمساحة وغيرهما، وهنا تكمن براعة حوّا وقدرته على التكثيف تشكيلياً. قد تبدو الصور متشابهة في نمطها العام، لكونها تدور كلّها حول «شهر رمضان»، ولكنّ عند التدقيق بها نكتشف أنّ كل رسمة هي عبارة عن لحظة رمضانية خاصة. ومع أنَّ القمر- وهو الرمز الرمضاني الأشهر- يظلّ حاضراً في كلّ الرسوم، لكنه يتجلى في كلّ واحدة منها بصورة تختلف عن الأخرى. فمرّةً هو دليل انتظار، وفي مرّة أخرى يدعونا إلى التأمل، بينما يبدو في لوحات أخرى عنصراً جمالياً يموج بين البهجة والنوستالجيا. وأمام غياب واضح للإنسان في لوحات حوّا، تكتسب الأشياء أهمية أكبر لتغدو مرآة تكشف ما يخفيه الفنان خلف ألوانه وصوره: النافذة، إبريق الماء، الكؤوس، الطاولة، الكراسي، المزهرية... وعن كتابه الذي يتزامن صدوره مع شهر رمضان المبارك، يقول كميل حوّا في مقدمته: «أكثر من ثلاثة عقود في جدّة، يمرّ علينا فيها موسم رمضان كل عام، فنفكّر له بتصاميم ورسوم، منها تنويعات بفنّ الخط ومنها رسوم مائية على اختلافها. ووجدت مع الوقت أنني كوّنت نمطاً رمضانياً خاصاً، يستلهم رؤية واحدة، لا أدري مصدرها بالضبط، لتأتي كتنويعات على الثيما نفسها. وأظنّها بدأت برسمة حبر بالأبيض والأسود لمشهد الكرسي والطاولة والنافذة المفتوحة على ليل رمضاني. أنا لا أراها سوى لحظة وجد، ربما يأتي موعدها قبيل الإفطار بقليل. وكم استخدمنا هذه الرسمة لأعمال مختلفة، وكأنّها في كلّ مرّة مرسومة خصيصاً للعمل الجديد، وكنّا نجيز لنفسنا ذلك بسبب ما كنا نراه فيها من قوة في التعبير عن اللحظة الرمضانية هذه. لكن منذ حين توقفت هذه السلسلة من الرسوم وقد اكتفت بذاتها، فرأيت أن أجمعها فتكون لكم معي إطلالة من هذه النافذة. لحظة صفاء وتأمل مشتركة نمضيها ونحن نلج الشهر الكريم».
مشاركة :