أعادتني افتتاحية القبس “قبل أن تتلاشى” والتي تزامنت مع نشر نخبة من كتّابها مقالات تحت العنوان نفسه يوم الاربعاء الماضي، بمقال كتبته في 19 أبريل 2010 تناول نفس الموضوع، وطرح الفكرة ذاتها بالهواجس التي لم تتغير، ولعلّ المشكلة صارت تتفاقم مع تراجع دور الدولة والجدل عن ماهية “الوطنية”، ناهيك عن العناصر الأخرى التي باتت تهدد “الوحدة الوطنية”. وأجد من الضروري اليوم؛ مراجعة تلك الأفكار التي طرحتها في مقالنا “جدل بلا طائل”، عسى أن يكون لهذا الجدل نهاية مُبشّرة وذات نفع، بتكاتف وتلاحم أصحاب العقول النيّرة ونخبة المثقفين في البلد والسياسيين ، لكي نتّقي الأسوأ ونكرر تحذيرنا “قبل أن تتلاشى” .. ونرفع أصواتنا من جديد، عسى أن ينفع الذكر. فيما يلي مقالنا الذي مضى عليه أكثر من 8 سنوات .. لنراجعه ولنتبيّن منه، مواقع الخلل، وأين تقدمنا وتراجعنا، وفي أي الأماكن توقفنا: تمر البلاد هذه الايام بفترة دقيقة من تاريخها الطويل، تتمثل في تجاذبات ومماحكات عصبية وفئوية وطائفية لا تستند الى عقل او ضمير، ولن تؤدي في نهاية الامر، اذا ما استمرت (لا سمح الله)، إلا الى التشرذم واشتعال الفتن، ولن تجرنا الا الى المصائب والويلات التي تطول الجميع من دون استثناء. فالامم الحية والشعوب الواعية هي التي تستفيد من اخطائها ومن مصائب غيرها، وخير مثال على ذلك شعور قارة اوروبا واميركا التي تنعم بالاستقرار والازدهار والحرية، بعد ان مزقتها الفتن ودمرتها الحروب على اثر التعصب العنصري والعرقي وتفضيل المصالح الضيقة. اما الشعوب الجاهلة والمتخلفة فهي التي تترك اسباب التقدم والرقي وتنساق وراء قضايا التعصب والتشرذم التي لم ولن تحصد منها الا الكوارث والمحن والفقر، وخير مثال على ذلك ما يجري في بعض الدول القريبة منا. ونعود ونذكر. ونحن البلد الصغير الذي عاش اهله على مر الزمان متحابين متكاتفين في السراء والضراء رغم اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية، فكانوا مضرب الامثال في الترابط والتماسك كان اخرها ما حدث خلال المحنة الكبرى بالتفاف الشعب الكويتي بكل اطيافه في مواجهة الغزو الغاشم. فهل بعد ذلك يستقيم الامر؟ ان نستمع الى اي صوت، مهما كان مصدره يريد تمزيق الوطن وتدميره فننساق وراءه لكي نحطمه بأيدينا وامامنا المعارك الحقيقية التي يجب ان نخوضها، وهي البناء والتطوير ومحاربة الفساد بكل اشكاله، وذلك في سبيل رفعة شأن بلدنا وتسليمه للأبناء والاحفاد كما تسلمناه من الاباء والاجداد. كل ما تقدم ليس بالامر الجديد وانما ورد ذكره هنا للتذكير وكمقدمة للحقائق التالية. 1 – ازداد هذه الايام في وسائل الاعلام المختلفة وفي غير موقعها المناسب استخدام تعبيرات مثل القبلية والطائفية والعائلية والفئوية.. الى اخر هذه التقسيمات التي تحدد الانتماء الاجتماعي للفرد، والتي قلما كنا نسمعها في الماضي، وما دليل ذلك الا بداية تفكك المجتمع الذي يفترض ان توحده هوية دولة الكويت بابعادها الجغرافية والقانونية والانسانية والمصلحة المشتركة. 2 – بين الدستور في ما تضمنه من مقومات اساسية للمجتمع الكويتي ان العدل والحرية والمساواة هي دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، وان الاسرة اساس المجتمع قوامها الدين والاخلاق وحب الوطن لا الطائفية او القبلية او العائلة او المنطقة لان الاسرة المكونة من الاب والام هي المعنية مباشرة بتربية النشء، الذي ترعاه الدولة، التربية الصالحة. 3 – ان الدعوة الى الفئوية، ايا كان نوعها، لا تقودنا الا الى الكراهية بين افراد المجتمع ولا ينادي بها او يغذيها الا اصحاب المآرب الخاصة او الجهلة الذين لا يقدرون عواقبها، لان المواطن الصالح الواعي يدرك انها منزلق خطر يؤدي الى الاضرار بالجميع. 4 – السنة والشيعة بأطيافهما المختلفة في هذا الوطن هم اخوان في الدين والوطن وفي ماضي الكويت وحاضرها ومستقبلها، فماذا يريد كل منا من الاخر الا بناء هذا الوطن وازدهاره واستقراره؟ اما التفريق بين الحضر والقبائل فليس له اي اساس علمي او اجتماعي، لان كثيرا من الحضر هم اصلا من ابناء القبائل، والعكس صحيح ايضا، حيث ان القبائل على هذه الارض الطيبة قد اصبحوا حضرا وفق التقويم العلمي السليم. ولقد سبقتنا الامم الراقية بمنع الخوض في هذه الامور بعد ان تحملت المصائب والويلات ولم تصل الى نتيجة. فوضعت حدا لا يجوز تجاوزه من خلال التوعية والثقافة والتشريعات التي تعالج هذا الامر وتطبيقها تطبيقا صارماً. 5 – علينا الامتثال للرأي الذي يقول ان أحدا لا يملك الحقيقة المطلقة، فرأيك صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرك خطأ يحتمل الصواب. هكذا تعلمنا وهكذا يجب ان يكون التعامل بين الناس. 6 – ليحاول كل منا وضع نفسه مكان الاخر قبل ان يتكلم في هذا الشأن ويطلق الاحكام، ففي ذلك ردع للنفس وزجر لها واتاحة الفرصة لفهم وجهة نظر الاخر. 7 – على الجميع الالتزام بالنظام والقانون، وعلى كل فرد اداء عمله وواجباته باتقان، وعلى الحكومة قبل غيرها تنفيذ القوانين بالشكل المطلوب ومن دون تردد. وعلى المشرع ان يساهم في هذا الشأن ويتلمس النقص والقصور في التشريعات لإصدارها او تعديلها بحسب الاحوال. ومن الحقائق السابقة لابد أن نعي ان الجدل حول القبيلة او العائلة او الطائفة او غير ذلك من تقسيمات لا يمكن ان نصل معه الى نتيجة، لان ما هو مفروغ منه ان لكل انسان جذورا ولكل انسان اعتقادا، والخوص فيهما لا يؤدي الا الى طريق مسدود، فقيمة الفرد لا ترتفع بانتمائه الاجتماعي وانما ترتفع بحسن اخلاقه وبما يؤديه من عمل، واضافة الى مجتمعه. وقيمة المجتمع لا ترتفع بتصنيف مكوناته الاجتماعية وانما ترتفع بسيادة القانون وبالعدل والمساواة بين افراده وانجازاته. واختتم بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه الا اوتوا الجدل». والله اسأل أن يوفق الكويت ويحميها من الفتن والشرور. مشاري جاسم العنجري
مشاركة :