قال الكاتب الكبير عباس محمود العقاد فى كتابه «الإسلام دعوة عالمية» عن الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الكريم، حين يودع المسلمون لياليه الأخيرة بترتيل حزين يبكى بعض العيون، ولا سيما عيون الأطفال من ذوى الحس المرهف والخيال السريع. ويضيف العقاد: المصلون فى رمضان يهتفون بعد كل ترتيل قائلين لا أوحش الله منك يا شهر الحسنات، لا أوحش الله منك يا شهر الخيرات، لا أوحش الله منك يا شهر الرضوان؟ ولا أعلم فى العواصم الكبرى كيف يستمع الصغار إلى الترتيل الحزين ولكنى رأيت فى الريف كثيرا منهم. وتابع: فى مناسبة من هذه المناسبات سمعت دليلا آخر على سعد اللفظ ونحسه أو على اختلاف التعبير حسب اختلاف الضمير، فقد اصطحب قريب ابنه الصغير والطفل دامع العينين، فرأيناهما فى جمع من الأقارب والأصحاب فقل لهذا الطفل ما يبكيك؟ ورد أبوه قائلا: إنه يبكى حزنا على رمضان، فقال صاحبنا ملاطفا الطفل وكيف تبكى ورمضان فراقه عيد؟ فأجاب أحد السامعين بل قل ختامه عيد، ولا تقل فراقه عيد فذلك أكرم للضيف الراحل. والجمعة الأخيرة من رمضان ما بالهم يسمونها الجمعة اليتيمة ولا يسمونها الجمعة السعيدة أو المباركة أو جمعة الفأل والبشارة، فهى يتيمة بالنظر إلى ما قبلها، لأنها تلحق بالجمع ولا تلحق بها جمعة فى شهر رمضان، ولكن ما بالهم لا ينظرون إلى ما بعدها ولا يتطلعون إلى العيد من ورائها؟ فالنظر إلى ما قبلها يخرج بها جمعة يتيمة، والنظر إلى ما بعدها يخرج بها إلى جمعة سعيدة فليس بعدها غير العيد.ويختتم «العقاد» حديثه قائلا: الجمعة اليتيمة أو الجمعة السعيدة فقل إن شئت هذا أو ذاك، فالغرضان مختلفان يذهب بهما اللفظ والتعبير من طرف لآخر، ومن تقدير إلى تقدير، فمنذ سمعنا الموعظة الأولى من مواعظ رمضان قيل لنا عن حكمة الصيام أنه يعلم الأغنياء كيف يعطفون على الفقراء، وكيف يجربون الجوع والحرمان، ومن كان يحسب الصيام رياضة تدل على قدرته وترضيه عن عزيمته، فله أن يقول إنه ينتهى من تلك الرياضة إلى الغبطة بنفسه والطمأنينة إلى ضميره، وأنه قد بلغ ختامها فى عامها، فهو سعيد بذلك الختام وكذلك تكون الجمعة يتيمة أو سعيدة على حسب اللفظ، وعلى حسب الحكمة والمواعظ، حكمة الصيام وموعظة رمضان بين الرياضة والحرمان فلتكن سعيدة بما قبلها وما بعدها إن شاء الله.
مشاركة :