«لكم دينكم ولي دين»

  • 6/3/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في خمس كلمات اختزلت هذه الآية العظيمة كل معاني التسامح والعيش السلمي الذي ينشده بنو البشر سواءً كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا أو مشركين وبمعنى آخر شملت كافة أصحاب الديانات الأخرى، وعليه يجب أن تكون هذه الآية عنوانًا لهيئة الأمم المتحدة التي تأسست بتاريخ 24 أكتوبر 1945م للأهداف المعلنة لها وهي التعاون في مجالات القانون الدولي والأمن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي مجال حقوق الإنسان والسلم العالمي، وهي أهداف لم ولن تتحقق طالما بقيت أسباب تداعياتها ألا وهي آفة التعصب الديني باسم هذا المذهب أو ذاك الدين قائمة وتتسبب في انبعاث كثير من الاختلافات والفتن والاقتتال والتدمير باسم الدين، فكم من حضارة طُمست وكم أُمة تشردت أو لازال يتشرد أبناؤها إلى حال هذا اليوم في عالمنا الحالي المتحضر الذي بات يعاني بشكل أشد من شراسة شتى أشكال التعصب الديني والمذهبي المتوحش مع أن كل الأديان تدعو إلى التسامح والتراحم وعمل الخير. فالعيب ليس في شتى الأديان إنما العيب في الإنسان ذاته وفي بعض أئمته الذين شددوا على جانب واحد من الممارسات الدينية وأغمضوا أعينهم عن جوانب التسامح مما أوجد كل تلك الاختلافات والمشاكل والمجازر بين بني البشر. ولو عاد الجميع إلى دعوة الحق وتمسكوا بالدعوة الصحيحة والمعنى العظيم للآيات التي جاءت بها كل الكتب السماوية من خالق البشر الذي هو أدرى بأسباب مشاكلهم لوئِدتَ جميع الاختلافات والاقتتال الذي يُرتكب باسم الدين. فالمولى عز وجل أمر جميع أنبيائه أن يجادلوا بالتي هي أحسن ولا يجبروا أحدًا على اعتناق الدين إنما يدعون إلى سبيل ربهم (بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالعصبية والاقتتال) ولا يعتدوا على أحد وإن رفض الإيمان بالله لأن الله لا يحب المعتدين إنما أمر أن يخيرونهم بقـوله سبحانه وتعالى «قل يأيها الكافرون (أي الذين لا يؤمنون بالرسالة المحمدية) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ» وهنا تتجلى في هذه الآية قمة التسامح الديني والإنساني كونها دعوة صريحة للتعايش السلمي بين جميع الناس مهما كان اللون أو الدين أو العرق وطريقة العبادة. ولنا أن نتساءل هنا ماذا يضر أو يُضير أي شخص إن كان هذا العابد يهوديًا أو مسيحيًا أو صابئيًا أو مجوسيًا أو مشركًا طالما عمل عملاً صالحًا ينفع به نفسه ومجتمعه ولا يضر بعبادته بشرًا أو شجرًا فنحن لسنا ولا حتى رسل الله بوكلاء على الناس «وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ», إنما الله سبحانه وتعالى هو الوكيل على عباده وهو من سيحاسب الناس على أعمالهم وليس على إيمانهم فقط حيث بين في محكم كتابه «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (سورة الحج آية 17). فالمولى ولحكمة ما يهدي من يشاء ويضل من يشاء وقد شدد على بيان ذلك في كل جانب بأن ما على الرسل إلا البلاغ فقط وأنهم ليسوا بوكلاء على الناس وعليه ومن منطلق هذا التشريع الإلهي لا يجوز لأي من الأدعياء فرض وصايتهم على عامة الناس أو أن يشرعوا بأجنداتهم الخاصة ما يفرق بين المرء وأخيه فإن في ذلك مخالفة صريحة للأمر الإلهي وفعل يرتقي إلى عمل الشيطان.

مشاركة :