هنومة بعد عمر مديد

  • 6/3/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

غيّب الموت الممثلة مديحة يُسري، عن 97 عاما، بعد مشوار طويل، حافل بالعمل السينمائي. يروق للجميع، استذكار قصة افتتان عباس محمود العقاد بها في شبابها اليافع، لكن أحداً لم يسجل مقاربة سوسيولوجية، لتلك التجربة التي طغى فيها الذكر النجم، على ابنة السابعة عشرة، كما وصفها عامر، ابن شقيق عباس العقاد، الذي زاد قائلا، دون أن يذكر اسمها، إنها كانت فتاة سمراء ابنة موظف بسيط في مصلحة السكك الحديدية، جاؤوا بها، لكي تدير منزل العازب الذي كان في سن الخمسين! المصريون بطبيعتهم، لا يميلون إلى نقد نجوم الأدب والفن عندما يموتون، ويمتنعون عن تظهير الثغرات في حياتهم، وربما تكون هذه ميزة تلامس الوفاء لمن أسهموا في مراكمة التراث الأدبي والنقدي والفن الجميل. لكن العقاد، الذي ظل اسمه يلازم الفنانة مديحة يُسري، كان رجلا إشكاليا في السياسة والأدب، وقف مع الإنكليز ضد الألمان في الحرب العالمية الثانية، حتى استهدفه العراقي الشقي، يونس البحري، مذيع موجة راديو برلين، الذي استفز الإنكليز وجعلهم يؤسسون مبكرا القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية. كان العقاد، رجلا شديد الاعتداد بنفسه، وذا سيرة زاخرة بالكثير والعجيب من المفارقات والمعارك والتنوعات في الكتابة، وظل أحد فرسان سوق الكتاب، إن شحت الموضوعات التي يريد إصدارها سريعا في كتاب، يؤلف كُتيّبا عن “جُحا الضاحك المضحك” علما بأن الرجل ممن لا يضحكون في حياتهم اليومية. أجاد العقاد المضاربة في سوق الكتاب، فعندما سجل محمد حسين هيكل في العام 1935 نجاحا منقطع النظير بكتابه “حياة محمد” اتجه سريعا إلى الكتابة عن عبقريات الأنبياء والخلفاء الراشدين والأسماء الكبرى في التاريخ الإسلامي. ولا مجال هنا للاسترسال في الحديث عن سيرة عباس المكتظة بالحكايات. المهم، وقع الخمسيني، في غرام ابنة ما قبل العشرين. وبحكم وجودها معه في منزله، اختلطت بزواره في أيام الجُمع، ومن بين من تعرفت عليهم، محمد عمر، الممثل الكوميدي الملقب بــ”الدكتور شديد” الذي اقترح عليها العمل في السينما إعجابا بقامتها وقسمات وجهها. ولما فاتحت العقاد في المقترح، طردها طردة مشفوعة بعبارات تمجيد النفس: “العقاد.. والسينما.. مجدان؟!”. لجأت إلى المنتجين وقد تخلى عنها “شديد” خوفا من شدة قلم عباس. عادت الفاتنة إلى المُفتتن بها، تتوسل استيعابا جديدا، فلم يغفر لها انجذابها للسينما ورفض. بعدئذ جعلها أيقونته التي يكتب لها شعرا وسماها “هنومة” بعد أن أفلتت بقامتها واقترب عمرها من القرن!

مشاركة :