حدود الفشل والنجاح في استثمار الوقت أو هدره

  • 6/3/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لو نعرف مستقبلا كيف نوازن بين الأمور ونخطط على المدى القصير والمتوسط وعلى المدى الاستراتيجي البعيد ستتغير أحوالنا بالتأكيد.يعيش العالم اليوم، وأخص بالذكر العالمين العربي والإسلامي، أزمات ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية كانت لها ارتدادات وخيمة على الأفراد وكل المكونات العائلية والمجتمعية. وفي هذا الخضم من عدم اليقين يبدو موضوع النجاح أو الفشل في الحياة في علاقة وطيدة برؤية الناس -وبالأخص شريحة الشباب- للوقت وكيفية التصرف فيه وتقييم مردودية ونوعية الأعمال التي تنجز خلاله. هذا الموضوع أسال الكثير من الحبر وأقيمت حوله موائد مستديرة حوارية كثيرة، ووقع تناوله من أبعاده المختلفة؛ النفسية والاجتماعية والثقافية والحضارية في إطار كوني أشمل. المغزى من طرح هذا الموضوع راهنا هو تزامنه مع ارتفاع منسوب استعمال مصطلح الفشل على مستوى الأفراد والأسر والمجتمعات وحتى الدول. هناك فشل اقتصادي ساهم في سوء الأوضاع العائلية والاجتماعية حتى وصلت الحالة إلى درجة التردي المطلق، وفشل أخلاقي قيمي كانت نتيجته تفشي ظواهر غريبة من الإدمان والجريمة وانحدار المنظومة الأخلاقية إلى الحضيض، وفشل ثقافي في إرساء دعائم الثقافات الوطنية التي تنهض بالحياة الذهنية والفكرية للأمم، وفشل في التواصل الإيجابي والمثمر بين الأفراد والجماعات والدول أيضا. وقس على ذلك في جميع المجالات الحياتية. وقد نختزل ما ذهب إليه المختصون في مجالات “التصرف في الوقت” في أربعة أقسام أو مستويات بحسب أهمية الأعمال المنجزة؛ أولا: ما أسموه بالعمل “الهام والعاجل” وهو الذي لا يكمن تأخيره أو التغافل عنه، من قبيل اجتياز مناظرة أو إنجاز تقرير عمل أو إصلاح الامتحانات أو الإفطار في المغرب.. ويدخل إنجاز مثل هذه الأعمال في باب “الطوارئ” وهو مصطلح يستعمل للدلالة على معنى الإلزام والوجوب، الأم مثلا ترتب أوليات عملها المنزلي بدءا بالضروري الذي لا ينتظر كالأكل. ثانيا: العمل “الهام وغير العاجل” وهو مصطلح للدلالة على الأعمال المهمة في الحياة ولكنها غير عاجلة كبناء منزل مثلا، وهذا الصنف من الأعمال يتطلب دراسة وتخطيطا مسبقين وينضوي تحت باب “القيادة”. ثالثا: العمل “العاجل وغير الهام”، وهو ما يطلق على الأعمال التي تكون ملزما بإنجازها دون أن تعنيك شخصيا من قبيل استقبال ضيف بصفة مفاجئة ودون تخطيط مسبق وتضطر إلى مجاملته على حساب أعمالك الخاصة كترتيب البيت أو صيانة السيارة.. أو الإجابة على اتصال هاتفي غير مهم. وهذا الصنف من الأعمال يندرج ضمن خانة “إدارة الأزمة” يعني أن تتصرف لتجاوز الإحراج الذي وقعت فيه. رابعا: العمل “غير العاجل وغير الهام”، وهو الصنف من الأعمال التي لا قيمة لها يقوم بها الإنسان من أجل ملء الفراغ أو مجرد التسلية من قبيل الجلوس في المقهى لساعات طويلة أو مشاهدة التلفزيون أو الإبحار على شبكات التواصل الاجتماعي بطريقة الإدمان. وينضوي هذا النوع من الأفعال تحت مسمى “اللامبالاة” ويعني إهدار الوقت. هذه الرؤى تحدّد كيفية التصرف في الوقت لإنجاز الأعمال مهما كان نوعها، ومن خلال ذلك يكتسب الإنسان القدرة على النجاح بنسب محترمة. على المرأة في بيتها أن تحسن ترتيب سلم أولوياتها وفق قاعدة الأهمية والحاجة الملحّة للإنجاز، في علاقة طبعا بأفراد أسرتها، وبذلك تساهم في خلق التوازن المثالي في أسرتها على المستويين النفسي والمادي، وهو ما يعني حسن التصرف في الوقت والمال لخلق نواة اجتماعية عملية وذات مردودية، وهو أيضا ما سينعكس على الأبناء ويجعلهم مواطنين بدرجة المواطنة الفاعلة والمثمرة. وعلى الموظف أو العامل في مؤسسته أن يجتهد في وضع مخطط واضح يرتب فيه الأعمال بحسب أهميتها ومدى ضروريتها وفق مؤشر زمني دقيق، وبذلك يتجنب أولا الإخلال بما كلّف بإنجازه، وثانيا يرفع من مرودية المؤسسة التي ينتمي إليها، وثالثا ينمّي عمله بالحرص والاجتهاد. هذه صفات العامل المثالي في زمن تفاقمت فيه ويلات البيروقراطية واللامبالاة. قاعدة أرستها التجربة الإنسانية مفادها أن “أكثر الأمم تقدما وتطورا هي أكثرها عملا وإنتاجية وتنظيما للوقت”، ولعل الشعب الياباني خير مثال على ذلك. ولا يمكن الحديث عن أمم وشعوب دون الخوض في خاصيات الأفراد في علاقة بالزمن والعمل معا، وهو أمر لا بدّ لكل عربي في المشرق أو المغرب أن يُقيّس هذه العلاقة التي تبدو أنها تشكو من خلل فادح، لأن أوقات الفراغ طويلة جدا بالنسبة إلينا ونتفنن في إضاعتها في ما لا يعني، نحن كأفراد أو أسر أو مجتمعات نعيش على هوامش الأمور، نترك الجوهر ونتمسك بالأطراف، نؤجل الهام ونعجّل غير الهام، لا نخطط ونترك الأشياء إلى الصدف، تئن أسرنا ومجتمعاتنا تحت نير الضائقة المالية نتيجة عدم جديتنا في أعمالنا وسوء تنظيمنا وترتيبنا للأشياء وإهدار أوقاتنا في الترّاهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لو نعرف مستقبلا كيف نوازن بين الأمور ونخطط على المدى القصير والمتوسط وعلى المدى الاستراتيجي البعيد ستتغير أحوالنا بالتأكيد.

مشاركة :