النجاح أو الفشل في تونس من منظار واشنطن

  • 5/18/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي وحدها تونس، بين الدول التي شهدت التحولات في المنطقة العربية، ترتسم فيها ملامح مرحلة انتقالية قد ينتج منها نظـــام مستـــقر صـــادق في تمــــثيل مواطنيه، على رغم الصعوبات المتداخلة التي تعترض الوصول إلى النتيجة المرجـــوة. ووحــدها تـــونس بـــين هــذه الدول، مازالت تحـــظى باهتمام علني في شأن مسار تطـــورها السياسي في الأوساط السياسية في العاصمة الأميركية واشنطن. إلا أن ديمومة هذا الاهتمام تبقى غير أكيدة. فتونس تشهد في المرحلة التالية توالي عدد من الاستحقاقات المهمة، بدءاً بتوضيح العــملية الانتخابية، مروراً بالحوار الوطني حول السياسة الاقتصادية، وصولاً إلى الانتخابات النيابية والرئاسية ثم البلدية، وذلك على خلفية الحاجة القطعية إلى احتواء خطر إرهاب تتجاوز امتداداته الإطار الوطني، وإلى تثبيت وضع اقتصادي فاقمت اهتزازه الأعوام القليلة الماضية. وعلى رغم صعوبة هذه الاستحقاقات وتعقيدها، فإنها تشكل خريطة طريق واقعية لتدرج انتقالي من شأنه أن يصل بتونس- إن لم تعترضه النوائب- إلى موقع متقدم في إنجاز الوعد الذي شكلته الثورة والتحولات منذ شرارة ما كان يرجى أن يكون ربيعاً عربياً. وإذا كان لتونس من المعطيات ما يحبذ فرص النجاح، مقارنة بغيرها من الحالات الموازية، لا سيما انتفاء التناقضات الداخلية ذات الأبعاد الطائفية، وانتشار وعي واسع بأهمية الإصلاح كسمة وطنية، وتوطُّد عناصر تضفي على المجتمع المدني التونسي حيوية وفعالية نسبية، فإنها كذلك تواجه أحوالاً على مستوى الجوار من شأنها تهديد التوازنات القائمة داخل تونس نفسها، وتغليب مصالح مختلفة على حاجة البلد إلى التقدم في بناء نظامه ومؤسساته. والخطر الأول على هذا المستوى هو حال الانفلات الأمني الذي تعاني منه الجارة الأقرب، ليبيا، وينعكس على الداخل التونسي ضغوطاً سكانية واقتصادية حيناً، وتسريباً أمنياً أحياناً. غير أن ثمة عاملاً آخر مهماً على مستوى الجوار، لا يصل من حيث الإلحاح إلى مستوى العامل الليبي، لكنه من حيث الوطأة على المدى البعيد قد يتجاوزه تأثيراً، وهو العامل الجزائري. فأحياناً يوضع الحديث في أكثر من وسط سياسي وإعلامي تونسي عن «الشقيقة الكبرى» وما لديها من القدرات الأمنية والاقتصادية التي يرجى تجييرها لمصلحة الاستقرار التونسي، وهناك وساطات ضمنية وعلنية ترعاها الجزائر بين الأطراف الرئيسة على الساحة التونسية. وهذا حين يوضع في سياق المصالح الجزائرية في الموضوع التونسي، تتضح وطأة العلاقة غير المتوازية التي تحمل أوجه شبه مع علاقة أخرى ملتبسة في المحيط العربي بين النظام السوري والدولة اللبنانية على مدى عقود التدخل والوصاية والاحتلال. فالمصالح تلك متباينة في سقفها عن المصلحة التونسية، وذلك من حيث حاجة الجزائر إلى الاستقرار في تونس، وإن لم يتّخذ هذا الاستقرار شكلاً سياسياً يصبو إليه المجتمع التونسي، في حين يبقى تأصيل الديموقراطية نظاماً ومُمارسةً المطلب الرئيسي بالنسبة الى هذا المجتمع. والواقـــع أن الجزائر تشكل، من وجهة نظر دوائر صياغة القرار في واشنطن، واحـــداً من طرفين يمكن موضوعياً الاعتماد عليهما للمساهمة في تثبيت الأوضاع في تونس، وإن كانت بوضوح الطرف المرجّح، مقارنة بفرنسا الطرف الراجح بامـــتياز تقليدياً، على رغم إدراك واشنطن الإشكالات التي تعترض الدور الفرنسي مــن حيث التاريخ والجغرافيا وطبيعة الاهتمام. فإذا كانت واشنطن لا تزال تولي الموضوع التونسي مقداراً من الأهمية، كـــما تبيّن من خــلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء التونسي إلى العاصمة الأميركية مــن حيث الحفاوة والاستقبال والإقدام علـــى منح المساعدات وتوقيع العقود، فإن هذه العـــناية تبقى إلى حد كبير ذات طابع رمزي وسياسي، إذ تأتي من وجهة نظر أميركيــة مكافأة لاستمرار تونس في تجسيد وعد الربيع العربي، والذي كانت حكومة الرئــيس أوباما قرنت نفسها بنجاحه بعد تردد أولي، أي أن تونس في هذا السياق هي تجسيد كذلك، وإن كان مجتزأً، لقراءة الحكومة الأميركية لتطور الأوضاع في المنطقة. وأهمية هذا الجانب الموضعي، أي غير المؤصل، تحتاج إلى التشديد. فالترتيب الفعلي للأولويات في المنطقة العربية (كما في غيرها) من وجهة نظر أميركية، يبتدئ بالأمن وبمكافحة الإرهاب تحديداً، ثم الدفاع الوطني الضامن لضبط المواجهات الحربية، ثم الأمن الداخلي في اعتراضه الإجرام والفوضى. والأولوية التالية بعد الأمن هي الاستقرار، في جوانبه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فيما تندرج الديموقراطية والإصلاح السياسي في مستوى الأولوية الثالثة. ويمكن النظر إلى هذا الترتيب من باب الانتظام المنطقي، حيث الأمن شرط الاستقرار، والاستقرار شرط الديموقراطية. فعلى رغم الرغبة الأميركية في مواكبة حالات نجاحٍ ضمن الربيع العربي باتجاه الديموقراطية، فإن الحاجة الموضوعية الأميركية هي في تحقق الأمن والاستقرار أولاً. وما التمايز الذي تحظى به تونس في العناية الأميركية إلا نتيجة لنجاحها في ضبط الأمن، على رغم الاستثناءات، وتحقيق الاستقرار إلى درجة مقبولة، والسعي بالتالي إلى التقدم على خط الديموقراطية. هنا تتبين الطبيعة المضاعِفة (بكسر العين) للدور الأميركي، كنتيجة للسمة الموضعية لاهتمام واشنطن بتونس. أي أن النجاح التونسي في الحفاظ على مقدار من التقدم في الأولويات الثلاث يزيد الاهتمام والدعم الأميركيَّيْن، ويرفع بالتالي فرص النجاح. أما التراجع في الوضع التونسي في التقدم والإنجاز على هذه المستويات فيدفع باتجاه انكفاء أميركي يؤدي إلى مزيد من التراجع. وإذا كانت هذه المعادلة بطبيعة الأحوال غير قطعية، فإنها تبقى قائمة، لا سيما نتيجة انشغال الحكومة الأميركية بملفات أكثر إلحاحاً، وتفتح المجال بالتالي أمام التوظيف للحوادث الأمنية أو البلبلة السياسية، باتجاه إبعاد واشنطن عن متابعة الاهتمام بتونس، أو تحبيذ توكيلها أو تفويضها لجهة ما الملف التونسي. وهنا، وإن عرضياً، تكمن أهمية نجاح الاستحقاقات التونسية المقبلة، لا سيما الحوار الوطني حول السياسة الاقتصادية والانتخابات النيابية. فهذه وتلك في حال نجاحها، من شأنها تعزيز العناية الأميركية بالملف التونسي، وإلا فإن واشنطن قد ترتئي التفويض دفعاً للحرج.

مشاركة :