جمان النمري فنانة أردنية لزمن قادم تفتح كل الأبواب

  • 6/3/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا تكتفي جمان النمري بوصف تقلّب أحوالها الفنية وطريقة تفكيرها بالفن، بل تسعى أيضا إلى إبراز الجانب الشخصي من حياتها. ذلك الجانب الذي ظل مسكوتا عنه في الثقافة العربية. النمري تفصل بين الداخل الذي هو محترفها والخارج الذي هو العالم. وإذا كانت حدود عالمها تنحصر في محترفها فلأن ذلك المحترف يمثّل بالنسبة لها تجربة حياة كاملة، تعيشها بين أشيائها الأليفة. وهي أشياء تطرح الفنانة من خلالها مفهوما مختلفا عن الذاكرة. فالنمري تصنع ذاكرتها عن طريق أحلامها. تثق الفنانة بأحلامها. لذلك فإنها تحلّ تلك الأحلام محلّ الوقائع التي لم تعد متاحة جماليا. واقعية بلا ضفاف رسمت ونحتت الأشياء التي صارت جزءا من حياتها الحميمية. هناك شيء أشيه بالاعتراف يخترق أعمالها الفنية ليصل إلى المتلقي باعتباره حقيقة بصرية، تشبثت بها لكي لا تغرق في ليل أحلامها الهانئ. فنانة تغمض عينيها لترى الصبار والأصدقاء والمهرجين بطريقة تبهجها وتضفي على أوقاتها شيئا من السعادة. “هذا ما رأيته بالطريقة التي أصنع من خلالها سعادتي” هذا ما يمكن أن تقوله النمري وهي تقدّم كائناتها من غير أن تضفي عليها شيئا من الرمزية. لم يقف شيء من المزاج السريالي المفاجئ حائلا بين الفنانة الأردنية والواقع. غير أن واقعيتها من غير ضفاف، حسب تعبير المفكّر الفرنسي روجيه غارودي في كتابه الشهير “واقعية بلا ضفاف”. لا خلاف في أنّ النمري ترسم ما تراه غير أن ذلك الشيء الذي ترسمه يكون سواه حين يمرّ عبر شاشة أحلامها. الفرق بينها وبين الحالمين أنها تستحضر بطريقتهم أحلاما عاشتها في الواقع. تنظر النمري من خلال الفن إلى حياتها كما لو أنها حلم. ولدت في الأردن عام 1974. درست الفن في جامعة اليرموك بإربد وتخرّجت عام 1996. رسمت في البدء المناظر الطبيعية متأثرة بالمدرسة الوحشية وهو ما عزّز من صلتها بفن الحفر الطباعي “الغرافيك” الذي أتقنته أثناء دراستها الأكاديمية وصارت يدها تجد في خطوطه الخشنة نوعا من الراحة التي تتماهى مع رغبتها في التنقيب بحثا عن المعنى داخل اللغة التعبيرية. أتيح لها أن تسافر كثيرا، فكانت تتنقل بين المختبرات الفنية بشغف مَن ترغب في التعلم والاستفاضة في التعرّف على تجارب فنانين عالميين غالبا ما التقتهم في ورشات عمل فنية جماعية في ماليزيا وسويسرا وإسبانيا والصين والهند وتركيا ومصر وكوريا ونيبال وبنغلاديش والمغرب والبحرين وتونس إضافة إلى بلدها الأردن. أقامت خمسة معارض شخصية وشاركت في بينالي القاهرة الدولي 2003 ومهرجان نيبال الفني الدولي حول وضع المرأة 2009 وعرضت أعمالها في ملتقيات أقيمت في فاس والقنيطرة 2013 وفي أورفا التركية والبحرين 2014 وفي أنطاليا التركية والمنستير التونسية وينتشوان الصينية ودلهي الهندية 2015 وفي كوالالمبور الماليزية 2017. عام 2009 حازت على منحة الإبداع الدولية من مركز لاريكتوريا الإسباني. النمري حرصت في معظم عروضها على أن تقدّم نفسها في حالاتها المتعددة، خزافة وحفارة ونحاتة ورسامة وفنانة تجهيز معاصرة. “نحن مجرد دُمى يحركها القدر” هذا ما قالته النمري غاضبة في تقديمها لمعرضها الشخصي الرابع “راحة الروح” الذي أقامته عام 2010 في قاعة نبض بعمان. لذلك المعرض حكاية ظريفة يُمكن أن تُروى بسبب عمق دلالاتها على مستوى ما تنطوي عليه الأشياء من حميمية بالنسبة للفنانة. ففي زيارة لها لعاصمة الأنباط بترا اكتشفت أن هناك دُمى غريبة لنساء يقوم بصناعتها بدو الصحراء المحيطة بالمدينة الأثرية من أجل أن يبيعوها للزوار القادمين بلهفة التعرف على سحر المدينة. يومها اشترت عددا من تلك الدُمى غير أنها فوجئت في زياراتها التالية أن تلك الدُمى قد اختفت. حين سألت عن السبب قيل لها أن صانعي تلك الدُمى قد اقتنعوا بأن ما يقومون به يدخل ضمن لائحة المحرمات دينيا فتوقفوا عن صناعتها. وهنا بدا عملها الذي يعدّ مكملا لعمل فناني المدينة التقليديين، لكن بخيال مختلف. لقد صارت النمري تبتكر دُماها الشخصية التي تتماهى تقنيا مع الطريقة التقليدية التي تُذكر ببراءة وعي جمالي حاولت الفنانة أن تستثمره وهي تتحرر من أشكال الدُمى التي رأتها أول مرة. على يديها صارت لدُمى النساء أجنحة. لقد اختارت أن تحلق بنسائها. “نساء بأجنحة” تلك هي المسألة التي سعت الفنانة إلى تكريسها في معرضها “راحة الروح” الذي تمنيت لو أنها ألحقت به معرضا بعنوان “خفة الروح”. ذلك المعرض يعتبر تجربة فريدة من نوعها على مستوى المشهد التشكيلي الأردني من جهة انتسابه إلى عروض الفنون المعاصرة في العالم. ضم المعرض منحوتات هي تلك الدُمى التي سعت إلى رسمتها بتقنية الحفر الطباعي. لوحات أنجزتها الفنانة من أجل أن تحضر نبتة الصبار وهي مرآتها البصرية التي تعبّر عن فكرتها عن المقاومة. المرأة هي تلك النبتة وهو ما جعل الفنانة تنسج حكايات دُماها مرسومة في ظل حضور الصبار المقاوم. في منحوتاتها كانت المرأة وحدها تمثل لجمال بلغة الجسد في مختلف حالاته. غير أنه جمال ينطوي على الكثير من الألم. ما لا تخفيه جمان أنها ناشطة نسوية. حاملة رسالة وجودية تذهب إلى الأقاصي في خطابها المندّد بالتمييز على أساس الجنس. وربما كان انتقالها إلى عالم “المهرجين” كان جزءا من ذلك الخطاب الثوري. مهرجوها هم سكان مرسمها غير المرئيين. تلك الكائنات التي تنظر بحسد إلى السحر التعبيري الذي تنطوي عليه أجساد نساء، استطاعت الفنانة أن تعبر بهن نهر الحياة. تقول الفنانة “يهمّني في النحت التعبير عن الحالات التي تمر فيها المرأة مثل الحزن، الوحدة، الأمل وفي الوقت نفسه اللامبالاة والاسترخاء فكان هناك الكثير من التناقضات في نحت جسد المرأة. كل منحوتة تعبّر عن امرأة مختلفة عن الأخرى. وكنت أتعمّد إظهار المرأة خالية ومتجردة من أي شيء حتى الملابس فكانت كل منحوتاتي عارية لأن الملابس تساعد المتلقي على تلمس الطريق إلى فكرته”. رسمت النمري مهرجيها بالقوة نفسها التي نحتت من خلالها نساءها. في الحالين كان الألم حاضرا ممتزجا بشيء من السخرية. ما تقدّمه الفنانة ليس نهائيا. ليس هو الشيء الذي تودّ أن تقوله للآخرين. جسد العمل الفني ليس فكرته. شيء من فكرتها عن الفن يظل غامضا. فهي تفكر في ما يتجاوز جماليات العمل الفني. إنها فنانة أفكار. وهو ما جعلها مستعدة للخروج من حدود الأجناس الفنية المقفلة على وصفاتها الجاهزة. النمري هي ابنة الحياة المعاصرة التي أنتجت فنونا ليس لها تاريخ غير أنها تتشبث بمستقبلها. بهذا المعنى تكون النمري فنانة مستقبلية لا بالمعنى المدرسي بل بمعنى انتمائها إلى زمن قادم. فبالرغم من تمكّنها التقني في مختلف الأنواع الفنية التي تعمل عليها فإنها تظل مخلصة إلى فكرة لا تقيم داخل العمل الفني بقدر ما يوحي ذلك العمل بها. إنها فنانة أفكار. وهو ما لا يتناقض مع حسية مترفة تظهر بين حين وآخر، كما لو أنها محاولة للتذكير بجمال فان. ما تعد به جمان النمري يجعل الأبواب مفتوحة على فن يمكنه أن يزاوج بين فن مأخوذ بالتقنية وآخر تحلق به الفكرة في فضاءات ما بعد الحداثة.

مشاركة :