جمعت الأسئلة التى وجهها نافع بن الأزرق برفقة نجدة بن عويمر إلى عبدالله بن عباس فى كتاب واحد لكثرتها وأهميتها «مسائل نافع بن الأزرق» وإن شكك البعض فى تلك الرواية فإن أسئلة الصحابة والتابعين لم تتوقف من الجانب اللغوى حول ظواهر القرآن اللغوية حتى تشكلت العلوم التى اعتنت بذلك وقدمت الأجوبة اللازمة.ومن هذه الأسئلة قول نافع: أخبِرْنى عن قوله: «وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ» ما النحاس؟ قال: الدخان الذى لا لهب فيه، قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك؟ قال: نعم، أمَا سمعتَ قول نابغة بنى ذبيان يقول: يضيء كضوء سراج السلى / ـطِ لم يجعل الله فيه نحاسَا. فأخبرنى عن قول الله عزَّ وجلَّ: «ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ» ما يحور؟ قال: يرجع، قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: نعم، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة: وما المرء إلَّا كالشهاب وضوؤُه / يحور رمادًا بعد إِذْ هو ساطعُ. أخبِرْنى عن قول الله عزَّ وجلَّ: «فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ» ما الصريم؟ قال: كالليل المظلم، قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: نعم، أما سمعت قول نابغةِ بنى ذبيان:لا تزجروا مكفهرًّا لا كِفاء له / كالليل يَخْلُط أصرامًا بأصرام».وابن عباس هذا الذى يتعرض لأسئلة نافع بن الأزرق رأس الأزارقة وزعيمهم، ويجيبه عن كل كلمة ببيت شعر من كلام العرب ومن مقالة الشعراء على اختلاف بطون قبائلهم، فلقد استشهد بالنابغة الذبيانى، وأمية بن أبى الصلت الثقفى، وعنترة بن شداد، ولبيد بن ربيعة، وأبو ذؤيب الهذلى، وامرؤ القيس، والحطيئة، وزهير بن أبى سلمى، طرفة بن العبد. وكلهم يمثلون خريطة مهمة على ساحة الجزيرة العربية، وكانوا من الشعراء الرحالة الذين يتنقلون فى البلاد فيطالعون لغات شتى.فابن عباس نفسه لم يكن يعرف كلمة «فاطر» فقد روى عنه أنه قال: كنت لا أدرى ما فاطر السماوات والأرض، حتى أتانى أعرابيان يختصمان فى بئر، فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، أنا بدأتها. ذلك لأن القرآن نزل بلغة العرب وتضمن مفردات تستخدمها قبائل ولا تستخدمها أخرى وقواعد فى النحو لا تعرفها قبيلة ثالثة مما يؤكد أن القرآن لم ينزل بلغة قريش وحدها بل بلغة العرب جميعها.
مشاركة :