نزل القرآن الكريم وبدأت معه محاولات التفسير، وكان النبى محمد صلى الله عليه وسلم حاكمًا للخلاف، فكانوا يرجعون إليه فى الأمور المشكلة، لكن بعد وفاة النبى، وظهور الفرق والمذاهب ظهرت تفسيرات معتمدة على الاجتهاد والرأى، لم تكن مؤلفات بل كانت أقولًا يتناقلها الناس، وكان ذلك باعثًا على ظهور التفاسير المعروفة بـ "التفسير بالمأثور" الذى يحاول الحد من تلك الظاهرة وحصر معانى نصوص القرآن فى نصوص أخرى قد تكون آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو مقولات الصحابة، ولقد اجتاح ذلك التفسير آراء موضوعة للصحابة وأحاديث مدسوسة على النبى وخيلات وأوهام القصص المعروفة بالإسرائيليات.وإذا كان تعريف التفسير بالمأثور هو: «التفسير الذى يعتمد على صحيح المنقول والآثار الواردة فى الآية فيذكرها، ولا يجتهد فى بيان معنى من غير دليل، ويتوقف عما لا طائل تحته، ولا فائدة فى معرفته ما لم يرد فيه نقل صحيح». وقد عده البعض من أفضل المناهج لاقتصاره على المعنى دون تفصيلات وترجيحات وظهور إشكاليات النص، ومن أبرز من ألفوا فى ذلك الاتجاه، الطبرى وكتابه «جامع البيان» والسمرقندى وكتابه «بحر العلوم» والثعلبى وكتابه «الكشف والبيان» والمواردى وكتابه «النكت والعيون» وقبل هذه المؤلفات ظهرت تفسيرات بالمأثورة مبكرة لم تكن تعرف وضع الأسماء للتفاسير فكان يسمى باسم المفسر مثل تفسير ابن وهب وتفسير مقاتل وهكذا..ولكن مع مرور الزمن وانتشار الإسلام فى بلاد غير العرب وانفتاح العرب على فلسفة وثقافات الشعوب المجاورة ظهرت المسائل الكبيرة التى لا يستطيع التفسير بالمأثور التعامل معها ليتربع بعد ذلك التفسير بالرأى فى قائمة المؤلفات المطلوبة، وهو التفسير بالاستنباط والاجتهاد، وخصوه بما يراه القلب بعد فِكْرٍ وتأمل وطلب لمعرفة وجه الصواب، ولابد أن يتسلح ساعتها المفسر بأدوات كثيرة حتى يتمكن من توجيه المعنى، فيكون ملمًا بأحاديث النبى وأقوال الصحابة والتابعين وعارفًا بلغة العرب ومدركًا لأسباب النزول ومدركًا لغايات النص ومقاصد الآيات الكريمة، ومن أبرز تلك التفسيرات مفاتيح الغيب للرازى، البحر المحيط للأندلسى، روح المعانى للألوسى، تفسير الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد سيد طنطاوى، ومحمود شلتوت، وزهرة التفاسير لأبى زهرة، والتحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.وقد أتاحت التفاسير التى تعتمد على الاجتهاد مساحة كبيرة وواسعة للمفسرين أن يعبروا عن علاقاتهم بالنص وعلاقة النص بالإنسان والكون، وبذلك قدموا رؤية دينية تشارك فى معرفة الإنسان المسلم بالقرآن الكريم يستطيع المتلقى أن يختلف ويتفق معها بعكس التفسير بالمأثور التى تدخل المتلقى فى دائرة لا خلاص منها فإن كل نص جديد يحتاج إلى نص شارح وهكذا
مشاركة :