يفرح جُلّ المسلمين بأن بلغهم الله سبحانه وتعالى الصيام، وتأخذ تعبير الفرحة صوراً مختلفة، إلاّ أن مجتمعنا في دول الخليج العربي متوحد في الاحتفال به عبر ليلة "القرقيعان"، ذلك الموروث الذي ظل صورة لنشر الفرح والبهجة في نفوس الجميع خاصةً الأطفال، ولا تزال الأحياء الشعبية في بعض مناطقنا تحيي مثل هذه الصورة بكل تفاصيلها، حيث يجوب الأطفال الأحياء متزينين بالألبسة حاملين أكياساً فيها من الحلويات والمكسرات سعيدين، وهم يرددون قرقع قرقع قرقيعـــــان أم قصير ورمضان عطونا الله يعطيكــــم بيت مكـة يوديكـــــم يوديكــــــــم لأهاليكـــــم ويلحفكم بالجاعد عن المطـــــر والراعـــــد سلو سليل الذهب والعيش عيش القارة طارت به السحارة وذكر يوسف الخميس مؤلف كتاب تراث وذكريات أن "قرقيعان مخزون ثقافي جميل؛ حيث يظهر الغني كرمه على الصغار ويدخل الفرحة في نفوسهم، وسيظل أهزوجة جميلة ترددها الأجيال مهما أحدثت المدنية من متغيرات اجتماعية، ومهما تغيرت مسميات هذه الليلة لدى بعض الدول العربية، مبيناً أنه من الصعب إلزام الجيل الجديد بعادات وتقاليد ما لم يكن جزءاً منه مرتبطاً بها أو مارسها لتتوارث، ممتدحاً ما يتم في القرى والأرياف من ممارسة هذه الظاهرة في بيئة اجتماعية جميلة وحميمية بعيداً عن صخب المدينة. وعزا أحمد البقشي - باحث وموثق للتراث الشفوي - السرّ في بقاء "القرقيعان" إلى كونه يزرع الفرح والبهجة في حياة الناس، الذين بطبيعتهم يبحثون عن السعادة في حياتهم اليومية، لذا تجدهم كما يقول يحتفون بالمناسبة، مبيناً أن من أبرز الجوانب الاجتماعية التي يحققها "القرقيعان" هي في مظاهر المساواة بين الفقير والغني، حيث يسير أبناء الحي أو القرية على مختلف طبقاتهم جنباً إلى جنب يدخلون البيوت، أو يقفون على أبوابها، ليحصلوا على الهدايا والحلويات دون انزعاج أو خجل من أحدٍ منهم، وأوضح حسين الحاجي - من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالأحساء - أن ظاهرة "القرقيعان" لاتزال تمارس بشكل قوي بكل جماليتها وروحها وصخبها في قرى الأحساء والمنطقة الشرقية، ومظاهر الفرحة بها زادت عبر ارتداء الأزياء الخاصة بهذا اليوم، وغدت المصابيح الخاصة تزين شوارع القرية، بل إن القرى أصبحت في الأعوام الأخيرة تطلق مسابقة لأفضل زي في "قرقيعان"، وأخرى تعمل أفضل تغليفة للحلويات، وجهة ثالثة تختار أفضل صورة لطفل، ورأى أن الاندماج بين كل الطبقات في "القرقيعان" شيء غاية في الروعة، فالجميع دون استثناء يمارس عادة وتقاليد بالتوازي مع أقرانه بذات القدر من الفرحة والبهجة، فالطفل الفقير يقف على باب الغني والعكس صحيح، وهنا تتشكل حالة الانصهار بين المجتمع. وتأسّف محمد العويفير على اختفاء بعض مظاهر "القرقيعان" ومظاهر البهجة في الشوارع في بعض الأحياء التي غلبت عليها حياة المدنية، مضيفاً أن في هذه الأحياء بات الاحتفال بـ"القرقيعان" يقام داخل البيوت المغلقة بين الأسر أو في الاستراحات الزراعية، وغدت مكلفة مادياً، بدلاً من أن تكون فعالية بسيطة تضفي البهجة على الكبار والصغار. للقرقيعان زي شعبي معروف في الخليج
مشاركة :