شهدت المملكة العربية السعودية، في الآونة الأخيرة، جرائم أدمت قلوب المجتمع، وأشارت إلى خلل في الفطرة الإلهية، التي أودعت في قلوب الآباء والأبناء من محبة تبادلية، هي بذرة لحياة سوية. "عاجل" سلطت الضوء على هذا الملف، الذي هز المجتمع السعودي، في الآونة الأخيرة، محاولة كشف أسباب هذه الجرائم ومحاولة علاجها. الدكتورة موضي الشمري أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة الملك سعود قالت، إن الجريمة تعد أحد الظواهر السلبية التي تثير قلق المجتمع وإثارة الرأي العام، مؤكدة أن جريمة قتل الأب لأبنائه "تهز كيان أمن الأسرة واستقرارها". وأشارت أستاذ علم الاجتماع إلى وجود جانبين لكل جريمة، أحدهما ظاهر وهو الفعل الملموس كـ"حدوث الجريمة"، والآخر "الجانب الباطني" للجريمة وهو الدافع لارتكابها، والذي تختفي وراءه أسبابها ومبرراتها بالنسبة للمجرم. وأكدت أنه رغم غموض الجانب الباطني للجريمة، إلا أن المحللين أوجزوا بعضًا من جوانبها، فيما يلي: أولًا: الأسباب قد تكون بيولوجية نتيجة لاستعداد فطري تكويني لدى الفرد، إما لضعف قدراته العقلية أو الجسدية، وهذا ما أكده شيلدون. أحد المنظّرين البيولوجيين والذي اهتم بالعوامل الوراثية والجسدية للفرد في إحداث السلوك الإجرامي، نتيجة لعدم التوافق بين الفرد مع البيئة المحيطة به، والتمرد عليه بعنف، مؤكدًا أن الوراثة وحدها لا تؤدي إلى الجريمة مالم تقترن بعوامل مكتسبة تساهم في بروز هذه العوامل مثل الضغط الاجتماعي والمادي أو الأسري. وأشار شيلدون إلى أنه في هذه الحالة يمكن التعامل مع الجريمة بأبعاد الفرد عن المثيرات المحفزة لهذا الاستعداد الفطري مع المتابعة الصحية للمريض. ثانيًا: الأسباب النفسية، وهي تأتي نتيجة الشعور بالكبت الناتج عن صراع نفسي بين الفرد والبيئة المحيطة به بما فيها الأسرة، ويكون السلوك الإجرامي تعبيرًا عن طاقات غريزية كامنة في اللاشعور تظهر على شكل إجرامي عندما تكون البيئة مناسبة له، وهنا يحتاج المريض إلى علاج نفسي، تحت إشراف علماء النفس الجنائي للبحث عن أسباب الجريمة. ثالثًا: ضعف الوازع الديني الذي يعتبر الرادع لسلوك الفرد من ارتكاب الجريمة، والذي بدوره يؤثر في اختلال القيم والمعايير الأخلاقية لدى الفرد، ما يؤدي إلى اختلال المعايير لدى مرتكب الجريمة ويجعلها غائية متصارعة، مما يدفعه إلى ارتكاب الجريمة. وأكدت أنه في هذه الحالة يحتاج مرتكب الجريمة إلى تعديل السلوك القيمي لدى الفرد مع دمجه في المجتمع وتعزيز الوازع الديني والقيمي لديه، من خلال مؤسسات المجتمع الدينية ومن خلال الانضمام لبرامج الاستشارات الأسرية والتربوية. رابعًا: عوامل اجتماعية كالنزاع الأسري مهما تعددت أسبابه والمخدرات والفراغ ورفاق السوء، وجميعها عوامل تساعد على ارتفاع مستوى الجريمة بين أفراد الأسرة، وهؤلاء يحتاجون إلى طرق ووسائل لإبعادهم عن رفاق السوء، وقد يكون للجهات الرسمية والمسؤولة دور كبير في ذلك، والتي تبذل جهدًا كبيرًا في حل مثل هذه المشكلات. خامسًا: العامل المادي الذي من أهم أسبابه البطالة، التي انتشرت في مجتمعنا سواء كانت بطالة سافرة أو بطالة بسبب المرض أو العجز والتي هي أحد المشكلات التي تقود المجتمع نحو الجريمة، علاوة على ضعف دخل الأسرة، وجميعها أسباب تقود بعض الآباء للتخلص من أبنائهم خوفًا عليهم من الجوع أو الفقر. ولذا فإن حل مشكلة البطالة تكمن بوجود والوظائف المناسبة للأفراد بناء على تخصصاتهم العلمية والعملية، علاوة على أهمية التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، كما أن الاهتمام بوجود مراكز الحي الاجتماعي لدعم جماعات الجيرة اجتماعيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا وأمنيًّا، والتي تدعم التكافل الاجتماعي بين الأحياء ستساهم في الحد من الجريمة فيها. وحول الجانب القانوني لمثل هذه الجرائم، قال المحامي والمستشار القانوني فضل بن شامان، لـ"عاجل"، إن "هذه الجرائم مكفولة في أحكامها الشرعية بقواعد وبإجراءات قانونية تبدأ منذ وقوع الجريمة وحتى صدور الحكم القضائي فيها"، مؤكدًا أن "الجهات الأمنية تستنفر للتفاعل مع هذه الجرائم وضبط الوقائع الأولية وتحريز أدوات الجريمة فيها والقبض على المتهم وأخذ أقواله الأولية ومن ثم يحال كامل محاضر القبض والاستدلال إلى النيابة العامة لاستكمال إجراءات التحقيق والرفع بذلك إلى الجهات القضائية". وأكد أن "جريمة قتل الأب لأبنائه تكون على شقين: الشق العام الذي هو يخص الدولة في انتهاك حرمة هذه الدماء والأنظمة والتشريعات السماوية، وهنا قد يصل الحكم إلى القتل تعزيرا للأب لفعلته النكراء التي صدرت منه". وأشار إلى أن مرتكب الجريمة قد يكون "متعاطيًا للمخدرات أو تحت مفعول مادة مسكرة أو مريضًا نفسيًّا، وهذه المسائل تعرض أمام القضاء وهو الذي يقرر بشأنها الحكم الشرعي الذي يكفل الحكم الردع لها"، مؤكدًا أن مثل هذه القضايا تنظر من ثلاثة قضاة في المحكمة الجزائية الابتدائية، ثم من بعدها تنظر أمام 5 من قضاة الاستئناف إذا كان فيها حكم بالقطع أو بالقتل أو ما شابه ذلك. وأوضح أن هناك ضمانات تؤخذ أمام القضاء لإجراءات المحاكمة لتنتهي بحكم نهائي"، مؤكدًا أنه للأم أن تطالب بالحق الخاص في هذا الأمر وهو حق خاص لأولياء الدم، والتي من بينهم الأم.
مشاركة :