أزمة قطر.. حصاد عام

  • 6/4/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

شهدت الأزمة القطرية خلال عامها الأول، تطورات متلاحقة على مختلف الأصعدة، في أعقاب إعلان مملكة البحرين والسعودية والإمارات ومصر، يوم 5 يونيو 2017، قطع علاقاتها مع قطر بشكل كامل.وأكدت مملكة البحرين في بيان رسمي، أن قرار قطع العلاقات مع قطر، سببه إصرار الدوحة على المضي في زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد. كما صدرت بيانات في ذات الاتجاه عن وزارات خارجية الدول الثلاث الأخرى، تؤكد دعم الدوحة للجماعات الإرهابية، تمويلا وملاذا. كما قررت دول مثل: (اليمن، ليبيا، موريتانيا، جزر المالديف، وجزر القمر) قطع علاقاتها مع قطر، فيما قام كلا من الأردن وجيبوتي بتخفيض التمثيل الدبلوماسي.ولم يكن جوهر الأزمة، التصريحات التي نشرتها وكالة الأنباء القطرية الرسمية، لأمير قطر يوم 24 مايو 2017، وهاجم فيها العديد من الدول العربية، معتبرا إيران قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة، وإنما ممارسات النظام القطري العدائية المستمرة ضد دول المنطقة، وإخلاله بكافة التعهدات والمبادئ التي أقر الالتزام بها في اتفاق الرياض عام 2013 والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية في عام 2014، إلى جانب وجود أدلة موثقة وبراهين مؤكدة، بشأن ضلوع قطر في دعم الجماعات الإرهابية داخل هذه الدول، بما يعد تدخلاً في شؤونها الداخلية.وجاء التحرك الجماعي ضد نظام قطر جراء ممارساته الداعمة لجماعات الإرهاب الموالية لإيران، والتحريض الإعلامي، (حالة مملكة البحرين) ويزيد الأمر إلى تهديد التوازن الداخلي عبر مشروع أمير قطر السابق بقيادة تحالف قبائل بني تميم في المنطقة، والتحرك المشبوه في المنطقة الشرقية، فضلا عن دعم جناح قريب من ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف لاحداث الفتنة (حالة السعودية) وهناك أيضا الدعم القطري الصريح لجماعة الإخوان المسلمين، والتنافس في ملفات إقليمية مثل اليمن وسوريا وليبيا وتونس وغيرها (كما في الحالتين الإماراتية والمصرية).أولاً: استراتيجية المقاطعة في مواجهة الممارسات القطرية. خلال عام على قرار مقاطعة قطر، برزت أهم تحركات كل طرف في الأزمة، بهدف تحقيق أهدافه ودعم مواقفه على النحو التالي: • تحركات ومواقف الدول الداعية لمكافحة الإرهابأولا: أكدت الدول الأربع على ضرورة تنفيذ قطر المطالب الـ (13) ومن بينها: تخفيض العلاقات مع إيران، ومغادرة عناصر الحرس الثوري الأراضي القطرية، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، وقطع العلاقات مع التنظيمات الإرهابية والطائفية والأيديولوجية، وإيقاف كافة أشكال الدعم للتنظيمات الإرهابية المعلنة في الدول الأربع، وإغلاق قناة «الجزيرة» والقنوات التابعة لها، ومنع تجنيس أي مواطن يحمل جنسيات هذه الدول، وتعويضها عن الضحايا والخسائر الناتجة عن التدخلات القطرية. مشددة على أنه لا يجب ألا يسبق تنفيذ المطالب أي شروط. وقد أعلنت الدول الأربع في بيان يوم 3 يوليو 2017 الاستجابة لطلب أمير الكويت، بتمديد المهلة الممنوحة لقطر لمدة 48 ساعة للرد على المطالب، لكن رد الدوحة جاء بطريقة سلبية واستفزازية.ثانيًا: حدد بيان الدول الأربع بالقاهرة يوم 5 يوليو 2017 ستة مبادئ كإطار لحل الأزمة مع قطر وهي: التزام قطر مكافحة التطرف والإرهاب، وإيقاف أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف، والالتزام الكامل باتفاقي الرياض، والالتزام بمخرجات القمة العربية - الإسلامية – الأمريكية، التي عقدت في الرياض في مايو 2017، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم الكيانات الخارجة عن القانون، ومسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب.ثالثًا: التمسك الصارم بموقف المقاطعة كإجراء دائم حتى تستجيب قطر لكافة المطالب بشفافية كاملة، وتأكيد هذا الموقف خلال التعاطي مع الوساطتين الكويتية والأمريكية.رابعًا: أصدرت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، عدة قوائم للإرهاب تظهر مدى دعم قطر للجماعات الإرهابية، كان أولها يوم 8 يونيو 2017 وشملت 59 فرداً ينتمون لعدة دول، بالإضافة إلى 12 كياناً مرتبطين بقطر. وقائمة ثانية يوم 25 يوليو2017 وتضمنت 9 كيانات و9 أفراد. وثالثة يوم 22 نوفمبر 2017 وتم إضافة كيانين جديدين و11 شخصا. وردت قطر بإصدار قائمة للإرهاب يوم 22 مارس 2018 ضمت أسماء أفراد وكيانات مدرج غالبيتها ضمن قوائم الإرهاب، وذلك رغم النفي والتعنت القطري في السابق.خامسًا: تأكيد أن الخيار العسكري ضد قطر لم ولن يكون مطروحاً، حيث أعربت الدول الأربع عن أسفها لما قاله أمير الكويت عن نجاح الوساطة بوقف التدخل العسكري، مشددة على أن الأزمة مع قطر ليست خلافاً خليجياً فحسب، لكنها مع العديد من الدول العربية. وكتب وزير خارجية البحرين، عبر «تويتر»: أن «أساس الخلاف مع قطر هو سياسي وأمني ولم يكن عسكريا قط»، مضيفا: إن «إحضار الجيوش الأجنبية وآلياتها المدرعة هو التصعيد العسكري الذي تتحمله قطر». ومن جانبه، نفى الرئيس الأمريكي ترامب أن يكون قد وجه تحذيرا للسعودية بشأن قيامها بأي عمل عسكري ضد قطر.سادسًا: بيان أن إجراءات المقاطعة التي اتخذتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، جاءت لحماية مصالحها بشكل قانوني وسيادي، وأن تلك التدابير تأتي في نطاق القانون الدولي.سابعًا: رفض حضور قطر لأي اجتماعات ولقاءات خليجية، فقد شهدت أعمال القمة الخليجية (38) بالكويت، غياب زعماء البحرين والسعودية والإمارات.وأكد جلالة عاهل البحرين، يوم30 أكتوبر 2017 تعذر حضور المملكة «أي قمة أو اجتماع خليجي تحضره قطر، ما لم تصحح من نهجها وتعود إلى رشدها وتستجيب لمطالب الدول».ثامناً: تهميش الأزمة مع قطر لقطع الطريق على محاولة تدويلها، حيث صرح ولي العهد السعودي بأن «قطر قضية صغيرة جدا جدا جدا». وأكد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أن الدول الداعية لمكافحة الإرهاب تمضي بثقة متجاوزة ملف قطر الذي لم يعد من الأولويات.تاسعًا: التعامل مع العناصر القطرية من آل ثاني التي ترفض نهج الحكم القائم، حيث استقبل جلالة عاهل البحرين، وخادم الحرمين، وولي عهد أبوظبي، سلطان بن سحيم آل ثاني. وجرى التفريق بين النظام والشعب في قطر، وتأكيد أن شعب قطر له كل الاحترام. وقال جلالة الملك في هذا الصدد، خلال استقبال جلالته وفد مؤسسة «الأهرام» المصرية في مارس 2018: «أعرف شعب قطر، هم أهلنا وأصدقاؤنا وهم شعبنا قبل حكم آل ثاني، ولا نرضى أن يكون الشعب القطري في مثل هذا الوضع غير المناسب».عاشرًا: بيان أن حل الأزمة يتوقف على الجانب القطري وملخصه أن الحل في الرياض حيث أوضح جلالة عاهل البحرين، خلال استقبال جلالته المبعوثين الأمريكيين في مارس 2018 أن حل الأزمة يكمن في الرياض. وأيد ذلك وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية بأن حل الأزمة بوابته الرياض. • تحركات وممارسات قطر سارعت قطر منذ بداية إعلان المقاطعة، إلى تشكيل (خلية أزمة) برئاسة أمير قطر لتقدير الموقف على عدة مستويات، أولها: تأمين المواد الغذائية ومتطلبات السوق من تركيا وإيران. وبالفعل وصلت عدة طائرات محملة بالمنتجات الغذائية من هاتين الدولتين. ومن ثم ترتيب عمليات الاستيراد عبر البحر. وثانيها: رفعت قطر حالة الطوارئ لتأمين حدودها ومنشآتها الحيوية خشية اجتياح عسكري أو حدوث اضطرابات داخلية، وتم التنسيق مع الرئيس التركي لإرسال 5 آلاف جندي للدوحة لهذا الغرض، وثالثها: كثافة التحرك الدبلوماسي والإعلامي لنفي تهمة دعم الإرهاب.وتمحورت تحركات قطر كما يلي:أولاً: رفض المطالب الـ (13) وقوائم الإرهاب، بدعوى حق قطر في عدم فرض أمور عليها تتعلق بالسيادة، مع الترحيب بالوساطة الكويتية كآلية لحل الأزمة دون شروط مسبقة، وألا يوضع الحل في صيغة إملاءات من طرف على آخر، بل تعهدات والتزامات متبادلة.ثانيًا: التركيز على لغة المصالح الاقتصادية والإعلام والدبلوماسية، كأدوات للترويج لموقفها، وتحييد وتقريب العديد من المواقف الدولية، حيث أبرمت السلطات القطرية صفقة مع وزارة الدفاع الأمريكية يوم 15 يونيو2017 لشراء طائرات مقاتلة من طراز «إف 15» بقيمة 12 مليار دولار. ووقعت قطر في 2 أغسطس 2017 صفقة لشراء 7 قطع بحرية عسكرية من إيطاليا بقيمة 5 مليارات يورو. كما وقعت خلال زيارة الرئيس الفرنسي للدوحة يوم 7 ديسمبر 2017 عقوداً لصفقة عسكرية بقيمة تتجاوز 10 مليارات يورو لشراء طائرات «رافال» القتالية، و50 طائرة أيرباص «إي 321». وفي 10 ديسمبر من نفس العام، وقعت مع بريطانيا عقداً لشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز «تايفون» بقيمة 8 مليارات دولار. هذا فضلا عن صفقات عسكرية مع تركيا لشراء مركبات مدرعة وزوراق حربية سريعة.ثالثًا: التحرك على الساحتين الأمريكية والأوروبية عبر صفقات «شراء المواقف»، والدعاية بنشر مقالات صحافية وبث مقابلات تلفزيونية، وأشارت مصادر إلى أن قطر استأجرت 7 شركات ضغط أمريكية، وأنفقت نحو 5 ملايين دولار على حملات إعلامية في الولايات المتحدة. ونجحت قطر عبر علاقاتها بوزير الخارجية السابق، والبنتاجون، واللوبيات، والصفقات الضخمة بتعديل موقف الرئيس الأمريكي الذي أكد في بداية الأزمة «أن قطر ممولة للإرهاب على أعلى المستويات، وعلينا وقف تمويل الإرهاب، وحان الوقت لقطر أن تنهي تمويلها للإرهاب»، إلى وصف أمير قطر خلال زيارته الأخيرة لواشنطن بأنه «صديق لبلاده» بالإضافة إلى مطالبة واشنطن بإنهاء المقاطعة بعد فشل زيارات وزير الخارجية السابق والمبعوثين للمنطقة. وفي الوقت ذاته، سعت الدوحة للتقرب من المحور (الروسي – الشيعي) بإغراء روسيا بصفقات غاز وأسلحة، وفتح مجالات جديدة للتعاون مع إيران، فضلا عن توثيق التحالف مع تركيا.رابعًا: الإدعاء بأن قطر تكافح الإرهاب وتمويله، من خلال توقيع مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة، تضع آليات محددة لمراجعة الإجراءات القطرية في هذا الجانب كل 3 شهور، بالإضافة إلى تعديل بنود قانون مكافحة الإرهاب.خامسًا: التوجه إلى المحافل الدولية والجهات القانونية والحقوقية، للضغط على الدول الأربع لإنهاء المقاطعة ومحاولة فرض عقوبات عليها، حيث خاطبت الدوحة منظمة التجارة العالمية، ومنظمة الطيران المدني الدولي، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وغيرها.سادسًا: التشكيك في مبررات المقاطعة، والإيهام بأن الأزمة تنطلق من محاربة الدول المقاطعة للحريات لاسيما حرية التعبير، ومعارضتها لمواقف الدوحة من تطلعات الشعوب العربية.سابعًا: التركيز على الجانب الإنساني للمقاطعة، وتعمد التضخيم لنقل الأزمة بين شعوب الخليج من خلال ادعاء المظلومية، والتعرض لمؤامرة.ثامنًا: محاولة تدويل الأزمة، والإدعاء أن المقاطعة تؤثر على استقرار المنطقة، وتعوق التنسيق الأمني. وقد أبدى وزير الخارجية القطري، خلال لقائه نظيره البلجيكي في سبتمبر2017 «أسفه لعدم تحرك المجتمع الدولي لحل الأزمة».تاسعًا: الإدعاء بأن المقاطعة لم تؤثر في قطر، وأنها استطاعت التغلب على تداعياتها، رغم أن التقارير والمؤشرات تظهر معاناة حقيقية جراء التكلفة السياسية والاقتصادية للمقاطعة، خاصة فيما يتعلق بتراجع الدور القطري وانحسار أدواتها الناعمة، وتأثر الوضع الاقتصادي.عاشرًا: تصاعدت الممارسات القطرية المعادية للدول الداعية لمكافحة الإرهاب خلال الأزمة، وكان من مؤشراتها: • بعد أن طلب أمير قطر الحوار، خلال اتصال هاتفي مع ولي العهد السعودي في سبتمبر 2017 قامت الدوحة بعد دقائق بتحريف مضمون الاتصال، من خلال خبر نشرته وكالة الأنباء القطرية. • اطلاق مزاعم بسوء معاملة السعودية للحجاج القطريين، ومنع دخولهم لأداء الفريضة. ورغم أن العاهل السعودي، أمر بدخول الحجاج القطريين إلى السعودية، وذلك بناء على وساطة الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، إلا أن قطر حرضت بواسطة هيئة مشبوهة لتدويل وتسييس الحج، مما دفع وزير الخارجية السعودي، للقول: إن طلب قطر تدويل المشاعر المقدسة عمل عدواني، ويعتبر إعلان حرب ضد المملكة. • تكرار التصرفات اللامسؤولة من الطيران الحربي القطري تجاه طائرات مدنية إماراتية أثناء تحليقها في المسارات الجوية المتفق عليها دوليا، وضمن المنطقة الخاضعة لسيطرة البحرين. • حولت قطر وجهتها تجاه دعم وتمويل المليشيات الإيرانية في المنطقة مثل: الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والمليشيات في العراق. • دافع مندوب قطر خلال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، في سبتمبر 2017 عن إيران ووصفها بـ «الشريفة» وأعادت الدوحة سفيرها لدى طهران. كما عقد وزراء اقتصاد قطر وتركيا وإيران، اجتماعاً في طهران، لإنشاء خط بحري مشترك. • بعد ساعات من تسليم أمير الكويت، قطر قائمة المطالب، تم تسريبها لوسائل الإعلام، زاعمة أنها تنتهك السيادة، وغير قابلة للتطبيق. • القيام بحملة في وسائل الإعلام القطرية والمحسوبة عليها ضد الدول الأربع، تتضمن مغالطات وأكاذيب، ومحاولات تحريض ونشر الكراهية، وتأليب الشعوب.ثانياً: تأثيرات المقاطعة على قطر • دعم وتمويل الإرهاب: يلاحظ أن قرار مقاطعة قطر قد أسفر عن تغير في السياسة القطرية، وخاصة فيما يتعلق بدعم وتمويل الإرهاب، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي يوم 21 نوفمبر 2017 بالقول: «إن قطر نفذت بعض الشروط ومنها توقيعها مذكرة تفاهم مع أمريكا بشأن تمويل الإرهاب بعدما كانت ترفض توقيعها منذ سنوات، كما سمحت بوجود مسؤولين أمريكيين في البنوك القطرية، وغيرت قوانينها، كما قلصت الدعم لمنظمات متطرفة في سوريا وليبيا»، وفي هذا السياق: • أجبرت قطر على تعديل بعض أحكام القانون رقم 3 لسنة 2004 بشأن مكافحة الإرهاب، تضمن تعريف الإرهابيين والجرائم والأعمال والكيانات الإرهابية، وتجميد الأموال وتمويل الإرهاب، واستحداث نظام القائمتين الوطنيتين للأفراد والكيانات الإرهابية. • إعلان اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية القطرية في 22 مارس 2018 إدراج 19 شخصاً بينهم 11 مواطناً قطرياً، وسعوديين، إلى جانب 4 مصريين وأردنيين، و8 كيانات أبرزها تنظيم داعش ولاية سيناء «مصر» على قوائم الإرهاب، إلى جانب 6 كيانات قطرية، وتعد القائمة هي الأولى من نوعها التي تصدرها قطر بشكل منفرد. • توقيع اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في قطر، اتفاقية شراكة مع شركة «Financial Integrity Network» الأمريكية، وتهدف إلى «العمل على تعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في قطر، وضمان أن تستوفي أبرز المعايير العالمية». • الاقتصاد القطري: يعاني الاقتصاد القطري ضغوطا كبيرة مع استمرار الأزمة، بالتزامن مع نزوح الاستثمارات عن الدوحة، وتخفيض تصنيفات البنوك والشركات، وتهاوي مؤشرات البورصة، واضطرار الدوحة لبيع حصصها في أصول تملكها لتوفير السيولة. وبحسب صندوق النقد الدولي، شكل تراجع ودائع العملاء غير المقيمين بنسبة 24% منذ بدء المقاطعة، أبرز الآثار السلبية على الاقتصاد القطري، وفقدت البنوك القطرية نحو 40 مليار دولار من التمويلات الأجنبية، كما تراجعت الاحتياطات الأجنبية لمصرف قطر المركزي، حيث هبطت 17% منذ بداية الأزمة، لتصل إلى أقل من 37 مليار دولار بعد أن كانت أكثر من 45 مليارا في عام 2016. وبحسب خبراء، فإن البنوك القطرية لم تكن لتستمر لولا قيام الحكومة بزيادة الودائع الحكومية، بعد قيام الصندوق السيادي لقطر ببيع استثمارات في الخارج. كما اعترف مدير شركة الخطوط الجوية القطرية وفق ما ذكرته صحيفة «التلجراف» بأنه قد يضطر إلى البحث عن خطة إنقاذ حكومية إذا استمرت المقاطعة على المدى الطويل. وصادق أمير قطر على ميزانية عام 2018 بنسبة عجز بلغت 7.7 مليار دولار، مع توقعات بأن يصل الإنفاق في الموازنة الجديدة إلى 55.4 مليار دولار، مقابل إيرادات بـ47.7 مليار دولار. • الصراعات الإقليمية: لاشك أن الضغوط التي مارستها الدول الأربع على قطر بشأن حتمية التوقف عن دعم الإرهاب كان لها أثر بالغ في تراجع أو توقف الدعم القطري للجماعات الإرهابية في العديد من مناطق الصراع، الأمر الذي كان له انعكاس واضح على تهدئة تلك الصراعات، على النحو التالي:اليمن: لا شك أن خروج قطر من التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن كان له أثر إيجابي على عمل التحالف، حيث إن الدور القطري بالتحالف كان محدودا ويعزز الأهداف الإيرانية، فضلاً عن وجود العديد من الدلائل التي تؤكد دعم قطر لتنظيم القاعدة والحوثيين في اليمن. وفي مايو 2018 تم القبض على ضابط مخابرات قطري في منفذ شحن على الحدود بين اليمن وسلطنة عمان.سوريا: ظلت قطر لسنوات طرفا أصيلا في الصراع السوري من خلال دعمها، تسليحا وماليا وإعلاميا، جماعات مصنفة بقوائم الإرهاب مثل: جبهة النصرة والإخوان المسلمين وذلك بالتنسيق مع تركيا، قبل أن تتراجع جراء التطورات الجارية على ساحة الحرب على الإرهاب، وإتهامها صراحة من وسائل إعلام غربية بدعم جماعات الإرهاب. وبعد قرار المقاطعة بدأت في تغيير بوصلتها ومحاولة إعادة العلاقات مع حزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد.العراق: يلاحظ أنه في أعقاب قرار المقاطعة، استطاعت الحكومة العراقية تحرير المدن التي يحتلها تنظيم «داعش». وكشفت صحيفة «واشنطن بوست» في إبريل 2018 أن قطر دفعت 275 مليون دولار لجماعات مسلحة وإرهابية، من أجل الإفراج عن 9 أفراد من الأسرة المالكة و16 شخصا آخرين، تعرضوا للاختطاف أثناء رحلة صيد في العراق.ليبيا: فقدت الجماعات الإرهابية المسلحة في ليبيا والموالية لجماعة الإخوان المسلمين والمتشددين، معظم الدعم القطري في أعقاب قرار المقاطعة. وأعلنت وكالة الأنباء الليبية في 5 فبراير 2018 أن القوات المسلحة الليبية في بنغازي عثرت على أجهزة اتصال تحمل أرقاماً قطرية وذخائر، كانت تستخدمها الجماعات الإرهابية. من ناحية ثانية، انخفض عدد المهاجرين إلى أوروبا خلال عام 2017 مقارنة مع عام 2016، حيث وصل 171635 مهاجراً بالقوارب عام 2017، مقارنة مع 363504 شخصا عام 2016 بسبب تراجع حدة الصراعات في شمال إفريقيا، وهي المنطقة التي ظلت تعبث بها الأيدي القطرية.تونس: طالب نواب في البرلمان التونسي بالإفادة عن نتائج تحقيق بشأن الكشف عن تحويلات مالية مشبوهة قام بها ضابط متقاعد في القوات المسلحة القطرية من خلال فروع بنكية تونسية، لأهداف لها صلة بتمويل الإرهاب وبث الفوضى وزعزعة الاستقرار، كما قام البرلمان التونسي بتشكيل لجنة للتحقيق في سفر الشباب لبؤر التوتر. وقد توصلت اللجنة وفقاً لما ذكرته النائب ليلى الشتاوي خلال مشاركتها في منتدى «قطر عراب الفوضى والأزمات في الشرق الأوسط» الذي نظمه مركز «دراسات» في يناير 2018، إلى أنه تم تسفير حوالي 5000 شاب إلى خارج تونس بعد عام 2011 وحوالي 60% من هؤلاء سافروا إلى كل من ليبيا وسوريا. وقد تم ذلك بطريقة منظمة من خلال التمويل القطري لجمعيات المجتمع المدني التونسية.مصر: أكد السفير محمد العرابي عضو لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب ووزير الخارجية المصري الأسبق خلال مشاركته في منتدى «دراسات» أن تقارير وزارة الخزانة الأمريكية تتضمن معلومات عمن يقوم بدفع فواتير شراء سيارات ذات الدفع الرباعي، والتي تستخدم في تنفيذ العمليات الإرهابية في بلاده، وهو يقدم دليلاً قاطعاً على الدعم القطري للجماعات الإرهابية في سيناء. وفي أعقاب قرار المقاطعة، تمكنت مصر من مواجهة تلك الجماعات، من خلال «العملية الشاملة سيناء 2018».حركة حماس: يلاحظ أن قطر شكلت خلال السنوات الماضية، عائقا أمام محاولات تحقيق المصالحة الفلسطينية–الفلسطينية، عبر دعم وتحريض حركة «حماس». ومؤخرا أصدرت حركة «فتح» بياناً هاجمت فيه السفير القطري في غزة، واتهمته بتجاوز مهامه. • النظام السياسي القطري: جاء قرار المقاطعة، لينهي محاولات قطر، تقديم ذاتها كدولة بإمكانها أن تلعب دوراً كبيراً تجاه القضايا الإقليمية من خلال توظيف المال السياسي والمنابر الإعلامية. ويتضح ذلك من خلال: • فقدان قطر لدور «الوساطة» في النزاعات الإقليمية، كما كان عليه الحال في الماضي في كل من « اليمن، السودان، لبنان، جيبوتي». • انتهاء فكرة الدولة الصغيرة «النموذج» الذي يحتذى بها في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية. • تبلور معارضة منظمة للنظام القطري، وفي هذا الإطار انعقد المؤتمر الأول للمعارضة القطرية في لندن في 14 سبتمبر 2017 وشارك فيه عدد من المواطنين القطريين، فضلاً عن تجدد طرح فكرة «الأمير البديل» كمخرج من الأزمة الراهنة.ثالثًا: مبادئ الدول الأربع والتناقضات القطرية على الرغم من أن جهود الدول الداعية لمكافحة الإرهاب قد أتت بعض ثمارها، فإن تحليل النهج الذي اتبعته الدول الأربع مقارنة مع النهج القطري في التعامل مع الأزمة، يعكس حقيقة مؤداها أنه في الوقت الذي التزمت فيه هذه الدول بمبادئ واضحة ومطالب مشروعة محددة، مؤكدة على أن حل الأزمة يظل خليجيا بعيدا عن التدخلات الخارجية، سعت قطر إلى التدويل وشنت حملة طالت مجلس التعاون وشخص الأمين العام، حيث دعا وزير الخارجية القطري إلى تعديل ميثاق مجلس التعاون، قائلا: إن بلاده ترى أن»ميثاق مجلس التعاون يعاني قصوراً واضحاً، ويجب تعديله وتطويره»، ومن ناحية ثانية اقترح أمير قطر أمام منتدى ميونخ للأمن «إبرام اتفاق أمني على غرار الاتحاد الأوروبي، من أجل إبعاد المنطقة عن حافة الهاوية» إلا أن وزير الخارجية السعودي أعلن رفض بلاده لذلك المقترح، موضحا أن «لدينا بالفعل هيكل قائم».وبالتزامن مع ذلك، عملت الدوحة على الاستقواء بقوى إقليمية وهي إيران وتركيا، واستدعت قوات من الدولتين لحمايتها. كما استمرت في افتعال الأزمات وتبني أساليب مستفزة وغير مقبولة. ومن خلال العرض السابق يمكن إبداء عدة ملاحظات: الأولى: مع أهمية تنفيذ قطر لبعض المطالب، إلا أن إنهاء أزمات من هذا النوع، يتطلب توقيع اتفاق يلزم قطر ولايتيح أمامها أي فرص للنكوص مجدداً عن تعهداتها. الثانية: مدى قدرة قطرعلى الاستمرار في تحمل تكلفة تلك الأزمة، وهذا لا يرتبط بقدراتها المالية فحسب بل بالإطار الإقليمي والدولي المتغير الذي بقدر ما به من فرص فإنه يحمل تحديات.الثالثة: لا تزال هناك حاجة لجهود إضافية من جانب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب من أجل كشف الممارسات القطرية، إقليميا ودوليا.خاتمة تحتاج الدول الداعية لمكافحة الإرهاب بعد مرور عام على الأزمة، إلى تحركات أكثر فعالية على مستوى الإدارات والبرلمانات ووسائل الإعلام وجماعات الضغط في الدول الغربية، يدعمها خطاب قانوني وأدلة موثقة، بهدف كشف وتفنيد الممارسات والمزاعم القطرية، وأن يتم التركيز على فرض مراقبة دولية على الموارد المالية لقطر، باعتبارها أداة رئيسية في تمويل الإرهاب. ومن المتوقع أن يشكل تشديد العقوبات الأمريكية على إيران، وما سوف تسفر عنه نتائج الانتخابات الرئاسية في تركيا، فضلا عن تكلفة تأثير المقاطعة من الناحية الاقتصادية، عوامل مؤثرة وحاسمة، في تحديد الموقف القطري المتعنت من مطالب الدول الأربع خلال الفترة المقبلة.

مشاركة :