هو قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن الأمير أبوحفص الباهلي، وُلِدَ سنة 49هـ بأرض العراق في بيت إمارة وقيادة، تعلَّم العلم والفقه والقرآن، في نفس الوقت الذي يتعلم فيه فنون الفروسية. نشأ قتيبة على ظهور الخيل، ولفتت مهاراته القائد المهلب بن أبي صفرة، وكان خبيراً في معرفة الأبطال ومعادن الرجال، فأوصى به لوالي العراق الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي، فانتدبه لبعض المهام ليختبره بها، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذَّة، ثم ولَّاه عبدالملك بن مروان مدينة الرَّيِّ، وولَّاه -أيضًا- خراسان، فلمَّا وصلها سنة (86هـ، 705م) علا بهمَّته إلى حرب بلاد ما وراء النهر، وأقام بخراسان ثلاث عشرة سنة، وانطلق منها الى فتوحاته الكبيرة. لم تكن خراسان قد دانت كلها بالسيطرة للمسلمين، وهو إقليم شاسع مترامي الأطراف، لم يكن المسلمون قد واصلوا الفتح بعده، وبالتالي كانت في حاجة إلى الكثير من الجهد إما لاستكمال الفتوحات أو تأمين المناطق التي تم فتحها بالفعل، ومنها بدأ قتيبة بن مسلم فتوحاته حتى بلاد الصين، التي بادر ملكها إلى التودد إلى قتيبة، فأخذ يرسل بالهدايا إليه حتى يدفعه إلى التراجع عن قسمه الذي أقسمه بأن يدخل المسلمون الصين، وأرسل له حفنة من تراب الصين ليطأها حتى يكون قد أبر بقسمه. وكان قتيبة بن مسلم لما ولي القيادة أقسم أنه ليطأنَّ أرض الصين، وتوغل في بلاد ما وراء النهر إِلَى أن وصل إِلَى تركستان التي هي الآن خاضعة للصين، فأرسل ملك الصين إليه وزراءه ووفده، وقالوا له: لا تدخل إلى أرضنا ونحن نرضيك بما تشاء وندفع لك من الجزية ما تشاء، فَقَالَ لهم: أقسمت أن أطأ أرض الصين، قالوا: نَحْنُ نعطيك تحله اليمين، فذهب وفد ملك الصين وأخذوا تراباً من تراب الصين وحملوه وجاءوا به إِلَى قتيبة، فوطأه بقدمه ووقف عليه، وأخذ منهم الجزية. وراح يخطط لكي يؤمن حدود الدولة الإسلامية، ويثبت فتح البلاد التي وطأتها جيوش الاسلام، إلا أن التغيرات السياسية التي وقعت في هذه الفترة عقب وفاة الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك وتولي من بعده الخلافة أخوه سليمان، أطاحت بالقائد قتيبة من منصبه واليًا على خراسان ومن قيادة الجيش، ليتوقف عند التخوم الغربية للإمبراطورية الصينية. قتلته الجيوش الموالية لسليمان بن عبدالملك في عام 96 هجرية الموافقة سنة 715 ميلادية، وهي الميتة التي أغضبت حتى أعداء "قتيبة"، فقال قائل منهم: "يا معشر العرب قتلتم قتيبة، لو كان منا فمات فينا، جعلناه في تابوت، فكنا نستفتح به إذا غزونا"، وبوفاة "قتيبة بن مسلم" توقفت فتوحات المسلمين على هذه الجبهة عند الحد الذي تركها هو عليه فسمي عن حق بفاتح المشرق.
مشاركة :