رغم أن مشاركة مصر فى مونديال روسيا هى الثالثة فى تاريخ المسابقة الرياضية الأكثر أهمية فى العالم، فضلاً عن أنها ربما تكون الأكثر إثارة بسبب وجود فرصة لمنتخبنا فى عبور دور المجموعات، يظل للمشاركة فى مونديال 1934 معنى وطنى عميق لم يسجله التاريخ. فقد دعمت المشاركة فى الدورة الثانية فى تاريخ المونديال شعور المصريين بأنهم يحققون تقدماً فى نضالهم الوطنى ضد الاحتلال البريطانى، وأظهرت لهم أهمية الاستقلال الجزئى الذى حصلوا عليه عقب ثورة 1919، بموجب ما أُطلق عليه تصريح 28 فبراير 1922، الذى أنهى حماية بريطانية فُرضت على مصر فى ديسمبر 1914، ولكنه لم ينه الاحتلال. كانت مصر ممثلة وحيدة للقارتين الإفريقية والآسيوية اللتين كانت معظم بلدانهما خاضعة للاستعمار. كان المونديال فى بدايته، حيث بدأ عام 1930. ولذا كانت مشاركة مصر فى دورة 1934 فى إيطاليا حدثاً وطنياً، وليس رياضياً فقط، بالنسبة إلى شعبها، إذ كان منتخبها على قدم المساواة مع منتخبات دول أوروبية كبرى منها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا (لم تكن بريطانيا قد انضمت إلى الاتحاد الدولى لكرة القدم فى ذلك الوقت)، فضلاً عن الولايات المتحدة. وعززت مشاركة المنتخب المصرى، بقيادة الراحل الكبير محمود مختار التتش، فى تلك الفترة المبكرة جداً فى تاريخ المونديال وبجوار هذه الدول الكبيرة، روح النضال الوطنى الذى كان قد تصاعد مجدداً منذ عام 1930. وعندما شارك منتخبنا فى دورة مونديال 1934، كان ذلك النضال يقترب من ذروة جديدة بلغها بعد نحو عام على انتهاء تلك الدورة، فى انتفاضة 1935 التى أفاض مؤرخون، ومهتمون بالتاريخ، فى تفاصيلها. وكانت تلك الانتفاضة أحد العوامل التى فرضت على بريطانيا تقديم تنازلات جديدة فى المفاوضات التى قادت إلى معاهدة 1936، والتخلى عن مواقف تشبثت بها فى جولات تفاوضية متعددة سبقتها منذ عام 1926. ورغم أن تلك المعاهدة لم تؤد بدورها إلى إنهاء الاحتلال، فقد قلصت مساحة وجوده العسكرى، وخلقت حافزاً جديداً لمواصلة النضال الوطنى بعدها. والحال أن كرة القدم كانت فى تلك المرحلة أداة من أدوات النضال الوطنى، وليست رمزاً من رموزه فقط، فى عدد من البلدان التى ناضلت ضد الاستعمار، وليس فى مصر وحدها.
مشاركة :