موسى حوامدة: الكتابة طريقة للعلاج والتوازن النفسي

  • 6/5/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يعد موسى حوامدة بين أهم الأصوات الشعرية في فلسطين والعالم العربي، يتخذ من التمرد أسلوباً لحياته، ويرى أن كل شعر لا يكتمل جماله بالتمرد لا يعول عليه. حاز جوائز عدة، منها جائزة مؤسسة أورياني الفرنسية، عام 2006 وجائزة مهرجان تيرانوفا الفرنسي، وجائزة المهاجر الأسترالية للشعر عام 2011. وتُرجم كثير من قصائده إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والتركية والسويدية. من دواوينه «شغب»، «شجري أعلى»، «موتى يجرون السماء»، «سأمضي إلى العدم». هنا حوار معه: > في «سأمضي إلى العدم» يظهر امتداد استخدامك للفلسفة اليونانية وكذلك تأثرك بالقرآن الكريم، فهل ذلك يعني أن قصائدك تحتاج إلى قارئ واعٍ؟ - أحاول في ما أكتب أن أقول المعنى الشعري الذي يمور داخلي، فلم أعدْ أميلُ للهُتاف المباشر والنشيد السهل، ربما لأن الحياة صارت أكثر تعقيداً، وأنا أيضاً صرت أكثر تعقيداً، فلم أعد ذاك الولد الحيوي المشاكس، لقد نضج الحلم، وكثرت الجروح، وزاد العناء، ولا شيء يوقف هدير الروح إلا السماء المطلقة، وهذا لا يتحقق في المعنى السهل. لا أطالب بالانفصال عن قضايا الناس، لكن البحث عن الشرط الجمالي في القصيدة. أنا لا أبحث عن قارئ واع فقط بل أبحث عن القيمة الأخلاقية والجمالية في القصيدة التي أكتبها، وأميل إلى إحداث النفور والصدمة، حتى لو سبّب ذلك لي خسائر معنوية. > في «سأمضي إلى العدم»، أيضاً يتجلى إحساسك بالتمرد والدعوة إليه، واعتبرت أن القصيدة من دونه تموت قبل ولادتها، فهل هذه طريقتك لمواجهة القمع؟ - نعم، القمع يولد التمرد، ولو أنني وجدت حياةً ورديةً، وكانت بلادي حرة، وأمتي مزدهرة، لربما شعرت بأثر النعمة، وصرتُ مترفاً أو زاهداً، ولكففت نفسي عن تعب الشعر ومغامرة القصيدة. إن القمع الذي يمارس من المجتمع أو من الأغلبية المتمسكة بوهم التاريخ وسراب الأمجاد والمرويات، أو من الاستبداد لا يدعو للاعتراض فقط، بل للخروج عن المألوف والجنون، وحتى التمرد على التمرد المدروس والحذر، الذي نمارسه مقدمين مبررات لمزيد من القمع وبراهين وذرائع لمزيد من الاضطهاد. فكل شعر لا يكتمل جماله بالتمرد لا يعول عليه. وكل أمة تنام على ظلم سوف تصحو على خراب. > في الكثير من قصائدك كسرت تابوهات وعرّضك ذلك للمساءلة القانونية بعد إصدارك ديوان «شجري أعلى» عام 1999، فهل يمكن القول إن خرق الثوابت يمثل لك حالة من التمرد وثورة خاصة بك؟ - بالتأكيد لا ثوابت عندي تستحق الاحترام ما دام الناس عبيداً لها، ولا تابوهات أهم من حرية العقل، وكرامة البشر، وصدقاً لم أسع لأي محاكمة أو ضجة، ولا أبالغ لو قلت إني حتى هذه اللحظة استغرب لم الاعتراض على ما ينبت في الخاطر، ولم الخوف من قصيدة أو بيت شعر أو كتاب، هل هو خوف على القيم أم الأخلاق أم على ماذا؟ وما الذي يضير هذه الملايين المقتنعة بمعتقداتها أن يخرج إنسان متمرد لا يحب الطاعة ولا طوابير الإيمان أو صفوف الرحمة. أهذه جريمة أم خوف على القادر على كل شيء والخالق لكل شيء، الشيء ونقيضه، أم هو الخوف من المختلف والحر، أم هو الإفلاس والوهم الذي يتلبس البعض أنهم أوصياء على عقول البشر وأرواحهم؟ ما هي التابوهات التي تستحق التقديس، وما هي المحرمات على العقل والفكر والخيال، لا أظن أن بالإمكان محاكمة النور لأنه يشع، أو القلب لأنه يحب، ولا أعتقد أن ملاحقة الفكرة ضرورية لبقاء مجتمع رزين متماسك، ولا ضرورية لتكريس حكم ما، ولا وسيلة لتقوية إيمان أحد، وكسب المزيد من الحسنات، فالمؤمن ينبغي أن يكون مؤمناً لقناعة وليس لغاية، ويفترض أنه مؤمن حر لا يضيره اعتقاد العالم ونكرانه لما يعتقد هو، أم أن الإنسان في حاجة إلى تعزيز معتقد غير مقتنع به؟ أم بسبب شكه الداخلي الذي لا يعرف كيف يتعامل معه؟ لا أدري، وما أعتقده أن اليقين المطلق هو الضمور المطلق، والسكون الكامل شهادة وفاة كاملة. > كيف ترى مستقبل حرية الأدب وسط قوانين تقمع حرية الكتابة والفكر؟ وهل يمكن إزاحة هذه القوانين يوماً؟ - ليس مهماً الأدب نفسه، وما ينتج أو ما لا ينتج منه، الأهم هو حرية التفكير والتعبير، حرية العقل، شعور المفكر والمثقف والكاتب أن بإمكانه الانطلاق والتفكير الخلاق، بلا خوف ولا فزع، بلا رهبة ولا حسابات اجتماعية أو حياتية تطبق حول عنقه، قبل أن نصل إلى سطوة وقوانين القمع والمنع، وضمن هذه العقلية العربية التي تؤمن بالوصاية وترتعد من الحرية لا يمكن أن نتحول إلى ثقافة حقيقية تفتح نوافذها للهواء، ولا تخاف العواصف إن كانت جدرانها متينة، أما خوفها فلا يقوي الجدران ولا يحمي البيت، ولا يوفر مناخاً مناسباً لا للمختلف ولا للمؤتلف، ودون إسقاط القوانين المعيقة والمعاقة فلا شمس تسطع في قلوبنا، ولا أقمار تتباهى بأنوارها التي تغمرنا، ولا ربيع حقيقياً في قلوبنا وميادايننا. > تبدو شخصية متفائلة، في حين أنك تكتب عن اليأس. تحب الحياة وتكتب عن الموت... كيف حدث هذا التناقض؟ - نعم سؤال جميل، لا أدري كيف أجيب عنه، لكنني أمارس حياتي في شكل طبيعي، وعندي تفاؤل، ليس دائماً، لكن لديّ أمل وحلم وأسعى لأحيا في شكل أفضل، وعندي صداقات كثيرة، وعلاقات طيبة، إرادتي قوية، ولكنني لحظة الكتابة استحضر الألم والموت وأحدث الموتى، والموت سؤال الوجود الأزلي، كل شيء ينتهي بالموت لا رجاء فيه، وكل طريق ينتهي بالفناء منبتُ ومقطوع، ولكن لا أسلم بحكمة العجز والبلادة، سأقاوم حتى عقيدة العدم التي تحيا داخلي كل نهار وتنمو كل يوم في شكل أكثر تجذراً. > كيف استقبلت قرار دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس؟ - شعرت بالغثيان، والانهيار، وقت سماع الخطاب، شعرت بالهزيمة تلاحقني، وكنت أحاول التهرب منها، مرة بالكتابة ومرة بالانشغال في الحياة، ولكنها ليست المرة الأولى فقد كتبت عن الهزيمة، والتي لم تقع يوم إعلان ترامب، بل قبل ذلك بعشرات السنين، حين تخلينا عن المقاومة، وصدقنا خديعة الغرب وذراعه لدينا بأن بإمكاننا التعايش ومصافحة العدو، ولم نصدق أمل دنقل حين قالها صارخة مدوية «لا تصالح»، ولم نصدق جان جينيه حين نصحنا بألا نفتح حواراً مع الإسرائيليين منذ عام 1982، ولم نصدق ضميرنا وتاريخنا وحتمية الصراع الأبدي. > سبق أن قلت: «أكتب لأني أريد أن أضرب الجندي الإسرائيلي بحجر، وأكتب كلمة نرددها ضد هذا العدو»، فهل يمكن اعتبار الأدب سلاحاً؟ - ليس بديلاً عن السلاح الحقيقي، لكنه في زمن السلام والاستسلام أقوى من السلاح نفسه، وفي زمن الحرب مساعد قوي، وفي زمن الانتصار بيرقُ نصرٍ وعلامة فرح. الأدب هو السلاح الأخطر في الصراع الوجودي، وهو سنديان الثقافة والمقاومة والرفض ومن دون أدب واع لا معنى لأي سلاح فنحن نشهد اليوم، حجم السلاح الذي يحمله مجانين وقتلة لا يفهمون كيف وإلى أين يصوبون سلاحهم، ولا من هو عدوهم، جاء ذلك بسبب هزيمة الاقتصاد والتعليم وحتى الأدب العربي نفسه إذ لو كنا منتصرين فلا نحتاج لا للسلاح المعنوي ولا للمادي، لكننا ندفع الثمن من أرواحنا ومن قيمنا ومن أخلاقنا ومن أدبنا الذي يختفي دائماً خلف أنظمة أو مقولات أو حتى ألاعيب نظام ما، أو تنظيم معين أو سلطة غبية، ولا يبتعد عن كل هيمنة ويمضي متخففاً من كل مسؤولية وواجب أخلاقي واجتماعي، وهذا ما كان ينبغي أن أقوله في معرض الإجابة عن سؤالك الأول، فالأدب التابع والمقاد لا يحقق نصراً حتى أدبياً، ولو ضخت فيه الحكومات الملايين. > هل يمكن أن تحدثنا عن جزء من طفولتك في فلسطين؟ - ولدتُ حين كانت الضفة الغربية تحت حكم الأردن، وكانت بلدتنا على الحدود الجنوبية للضفة، بينما ضاعت نصف أراضيها مع سقوط بئر السبع وصحراء النقب عام 1950. شهدتُ اجتياح بلدتي مرتين من قبل الجيش الإسرائيلي، كانت الثانية معركة السموع التي دمرت فيها بيوت البلدة، ثم جاءت هزيمة 1967. كانت طفولة قاسية. كانت لدينا مدرسة إعدادية وحيدة، ودرست المرحلة الثانوية في مدينة الخليل، وسجنت في الصف الأول الثانوي بسبب مشاركتي في التظاهر ضد الاحتلال. عرفت العمل السياسي مبكراً. ومن ثم، تم اعتقالي أكثر من مرة، وزاد ذلك من إدراكي لشراسة الاحتلال، ومعنى ألا يكون لك وطن حر مستقل، وهكذا صارت الكتابة ليست مجرد هواية بل ربما طريقة للعلاج والتوازن النفسي. كتبت فصولاً من سيرتي، ونشرت بعضاً منها، وما زلت أفكر إن كان ذلك ضرورياً لاستكمالها ونشرها في كتاب. وما زلت غير راض عما كتبت، فقد عشت عدة حيوات متناثرة ومختلفة، فيكف أجمعها في سردية واحدة، ولست من عتاة السرد، ولا من صناعه. > على رغم أن القصيدة الفلسطينية حققت نجاحاً في الالتفات لقضية فلسطين، لكنها ربما لم تخلق مناخاً أكثر رحابة وعدلاً في التعامل مع القضية بمختلف مستوياتها، فهل ترى ذلك صحيحاً؟ - صحيح تماماً، فالقصيدة الفلسطينية حملت ملامح القضية الفلسطينية وخلقت ما يسمى بشعراء المقاومة، لكن الصحيح أيضاً أنها لم تتوسع ولم تتطور لتكون مدرسة شعرية عالمية، ولقد اختصرت منظمة التحرير الشعر الفلسطيني في بعض الأسماء وتجاهلت العديد من التجارب المؤثرة، كما أن العرب أنفسهم أرادوا إظهار الشعر الفلسطيني في إطار سياسي معين، وهذا أضعف القصيدة الفلسطينية ووضعها في قالب محدد ونمطي. وشتان بين القصيدة التي تتناول فلسطين سواء كانت عربية أو عالمية، وبين تحول القصيدة الفلسطينية إلى العالمية، للأسف بقينا ندور في الفضاء العربي بكل أمراضه، أضيفي إلى ذلك الانكماش الفلسطيني على الذات رداً على ادعاء الفلسطنة. مقابل القطرية والإقليمية التي صارت سياسة رسمية للعديد من الأقطار العربية. نعم كانت وما زالت القضية الفلسطينية أكبر من إبداعنا وقصائدنا. > تثار دائماً قضية التطبيع عند سفر أحد مبدعي العالم العربي إلى فلسطين للمشاركة في حدث ثقافي، فكيف ترى تلك المسألة؟ - أعتقد أن هناك ضبابية حول التطبيع، فبينما أرى أن من حق الفلسطيني العودة إلى فلسطين بكل السبل، أرى أن زيارة العربي لفلسطين بموافقة إسرائيلية تعد نوعاً من التطبيع، ولكنها ليست جريمة إن جاءت بواسطة السلطة الفلسطينية وهي تخريجة مناسبة، لكني أفهم التطبيع في شكل مختلف وهو الإيمان بحق الصهاينة في فلسطين، وتقديم ما يخدم ذلك ثقافياً وسياسياً ودعائياً، فالاشتراك في أي نشاط أو عمل يبرر قيام الكيان الصهيوني ويساند وجوده ويخدم تحوله إلى كيان طبيعي، فهذا هو التطبيع حتى لو لم يقم الشخص المعني بزيارة فلسطين المحتلة. شارك المقال

مشاركة :