قد يكون من الخطأ تصور التاريخ على أنه مؤامرة، ولكن ليس من الخطأ ـ فيما أتصور ـ القول إن للمؤامرة دور في تحريك أحداث التاريخ، وصناعة الوقائع الكبرى، والسطو على التاريخ والجغرافيا معا..وكانت المؤامرة أوضح ـ وربما أوقح ـ في مجريات الأحداث بإتجاه فتح أبواب فلسطين أمام هجرة اليهود، وفي تلك الأيام كانت شعوب الأمة العربية تتلقى صدمة الحدث الأكبر، وهو قيام «الكيان الإسرائيلي» وسط العالم العربي وفي قلبه .. ثم كانت المؤامرة أشد وضوحا ومكرا ـ وربما أكثر صراحة ـ في مجريات الأحداث باتجاه كسر ظهر تيار القومية العربية أمام صعود نجم «المشروع الصهيوني» في وسط الأمة وفي قلبها، وفي تلك الأيام كانت شعوب الأمة العربية تتلقى صدمة نكسة 1967 !! وصحيح ـ تماما ـ أن قصة 5 يونيو/ حزيران 1967 .. ليست قصة أيام ستة اندلع فيها القتال ثم ساد وقف إطلاق النار بعده ، وإنما القصة قبل ذلك بكثير وبعده بكثير..والواقع أن بداية النصف الثاني من شهر مايو/ آيار 1967 وقبل أسبوعين من الحرب، كانت حافلة بعوامل تدفع الرئيس الأمريكي ، ليندون جونسون، دفعا إلى خيارالحرب بالوكالة ضد مصر، وتقديم ما لايخطر على بال الكيان الإسرائيلي نفسه، من دعم عسكري استخباراتي لوجستي لا محدود، لتكون له اليد العليا في الشرق الأوسط! في هذا الوقت كان الحديث المكتوم في العاصمة الأمريكية يدور حول تعلق الرئيس «جونسون» الشديد بواحدة من ألمع نجوم المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت، وهي الفاتنة اليهودية «ماتليدا كريم»، زوجة رجل أعمال.. والعلاقة بين جونسون وماتيلدا، تناولها الباحث والمدقق الأمريكي الشهير دونالد نيف في دراسته عن حرب يونيو 1967 قائلا :إنه من سوء الحظ أن الرئيس جونسون أسلم نفسه لمشاعر امرأة متحيزة في ساعات عصيبة ومعقدة بعوامل وأجواء أزمة دولية خطيرة!! كان أصدقاء جونسون وصفوة من معاونيه يعرفون تأثيرֿ«ماتيلدا» على «الرئيس»، فقد كانت هي وزوجها معه على الغداء أو العشاء أكثر من مرة في الأسبوع في البيت الأبيض، كما أن أجازاته بما فيها أيامه التي يقضيها في مزرعته في «تكساس» كانت جميعها في صحبة «ماتيلدا»، وكان الرئيس الأمريكي «جونسون» مغرما بركوب الخيل معها والذهاب إلى نهر «بدرناليس»، القريب من مزرعته، وهناك كان يقوم بنفسه بإعداد الـ «باربكيو»، (شواء اللحم)، ويترك نفسه على طبيعته ويمرح كشاب في العشرين من عمره!! الشاهد.. أن «الرئيس» العاشق، أسلم نفسه تماما للفاتنة اليهودية، حتى أن مكتب الاتصالات في البيت الأبيض وكل العاملين فيه يعرفون أن تليفونات «ماتيلدا» للرئيس لا يمكن ردها أو تأجيلها مهما كانت مشاغل الرئيس .. وتسجل دفاتر المحادثات التليفونية في البيت الأبيض، أن تليفونات «ماتيلدا» كان لا بد من تحويلها إلى الرئيس مباشرة حيث هو، حتى لو كان في اجتماعات مجلس الأمن القومي، وكانت الجميلة الساحرة «ماتيلدا»، هي الشخص الوحيد ـ إلى جانب مستشاره للأمن القومي ـ الذي يملك إيقاظ الرئيس من نومه إذا طلب ذلك .. وفي معظم الليالي التي كان جونسون غير مرتبط فيها بعشاءرسمي ، فقد كان موعده المفضل لتناول العشاء مع «ماتليدا» ، وعندما تقتضيه الظروف أن يذهب إلى نيويورك، فقد كان يذهب كل ليله ليكون في صحبة «ماتيلدا» في الشقة الفاخرة التي تعيش فيها مع زوجها «آرثر كريم» في مانهاتن. وفي أيام الذروة من أزمة مايو/ آيار 1967 وكانت أجواء الحرب تطل على سيناء والضفة الغربية والجولان .. كان كل أصدقاء اسرائيل يعرفون الطريق إلى قلب الرئيس «جونسون»، وكان تركيزهم على الفاتنة «ماتيلدا»، ولم تكن هي بدورها في حاجة إلى من يقنعها .. وهكذا فإنها كانت تعيش داخل صورة الأزمة مع مصر دقيقة بدقيقة، وتطل على ساحات المواجهة المقبلة مترا مترا، وبالضرورة كانت على اتصال مستمر ودائم مع الرئيس الأمريكي، وكانت «ماتيلدا» في ذلك الوقت تقترب من الأربعين وقد وصل جمالها إلى ذروته وأكسبتها التجارب المتنوعة خبرة ترويض الرجال !! كان الرئيس جونسون قد شرح لـ عشيقته «ما تيلدا» خطته في الأزمة، ولكن صبرها راح ينفد بسرعة مع مرور الساعات..كانت على عجلة من أمرها، لتنفيذ خطة تدمير القوتين المصرية والسورية وتمدد مشروع الغزو والاستيطان الصهيوني.. ونقل الباحث الأمريكي، دونالد نيف، عن الذين عرفوها في تلك الفترة، أنها حذرت جونسون من وزير خارجيته «دين راسك»، ومن بعض كبار المسؤولين في وزارة الخارجية.. قائله له: «إن هؤلاء الناس ليست لديهم مقومات المقاتلين في أزمة، وأن اعصابهم مستهلكة، وهي تخشى من انهم يخدرون عزمه وتصميمه بكل هذا الذي يقترحونه عن ضرورة تهيئة الجو لتوافق عام »!! وقالت اثناء مناقشة بينهما في حضور «أيب فورتيس»، أحد قضاة المحكمة العليا ـ وهو يهودي ـ حين مست حيرة جونسون : إنه يستطيع أن يكسب في الشرق الأوسط كل ما خسره في الشرق ا”لأقصى (فيتنام). وفي هذا المناخ الذي صنعه جمال وجاذبية وتأثير فتنة «ماتيلدا» ، كان الرئيس الأمريكي مستعدا لاستقبال وزير خارجية إسرائيل، أبا إيبان، وكان يفهم تماما وجهة النظر الإسرائيلية ودواعي العجلة التي تدفعها .. واستمع إلى شرح «أبا إيبان» عن آخر تطورات الموقف وترك له الفرصة ليقول كل ما عنده .. حينئذ قال له جونسون: إنه يرجو ان تمنحه إسرائيل فرصة تقاس بالساعات وليس أكثر، وأن تتصرف في هذه الساعات بوحي من ثقة كاملة فيه.. وذكر الرئيس «جونسون» ما قامت به أمريكا لطمأنة إسرائيل إلى القوة المتاحة لها، وإلى الوقوف الأمريكي إلى النهاية معها .. واستطرد «جونسون»، تحت تأثير سحر جمال العشيقة «ماتيلدا»: إنه أمر في الساعات الأخيرة بزيادات كبيرة على حجم الأسطول الأمريكي، بإصافة اثنتين من حاملات الطائرات، وهما حاملة الطائرات أمريكا، وحاملة الطائرات ساراتوجا، ويقومان بمهام جديدة تعرفها اسرائيل، ولا بد أن تقدرها، وتم ارسال آخر مجموعة من طائرات سكاي هوك، وهي أحدث مقالتة قاذفة في الترسانة الجوية الأمريكية، وبالتالي أصبح لدى اسرائيل أكثر من ثمانين طائرة من هذا الطراز، إلى جانب شحنات كبيرة وافق على إرسالها، على وجه السرعة، من المخزون الإستراتيجي للولايات المتحدة في قواعدها الأوروبية.. ثم تمهل جونسون قبل ان يقول : هناك أشياء اخرى كثيرة جدا.. ولايساوره أي تردد فيما يتعين عليه أن يفعله إزاء تعهداته لإسرائيل، فهو ملتزم بهذه التعهدات، بل وعلى استعداد لأن يذهب إلى أبعد مما تعهد به. وفي حقيقة الأمر.. كان الرئيس «العاشق»، مستعدا للقاء «أبا إيبان» بأكثر مما كان يتصور وزير الخارجية الإسرائيلي أو يتوقعه .. من أجل عيون «ماتيلدا» ذات الجاذبية التي لا تقاوم بشهادة الذين عرفوها عن قرب !! وقصة «ماتيلدا» بدأت عندما غادرت مدرسة داخلية كاثوليكية، في روما، ثم اختفت من روما لتظهر في اسرائيل ملتحقة بمعهد «وايزمان» وواقعه في غرام شاب من أعضاء «جماعة شتيرن» الإرهابية الصهيونية، واسمه دافيد دانون، وفي ظروف معركة فلسطين 1948 عاد «دانون» إلى الخدمة في قوات الهاجاناه، وفي ذلك الوقت تزوج من ماتيلدا التي تركت الدين الكاثوليكي وأصبحت يهودية ومقاتلة صهيونية متحمسة، وبعد أن مات «دانون» في ظروف غير معروفة، وبعد سنوات قليلة، ظهرت ما تيلدا في نيويورك ، وتزوجت رجل أعمال أمريكي يكبرها سنا بكثير، هو آرثر كريم، وتحولت المقاتلة الحسناء إلى سيدة مجتمع بدا نجمها يلمع في نيويورك وواشنطن، وتعرف «ليندون جونسون» على الزوجين في الفترة التي كان فيها نائب الرئيس كنيدي.. وربما كان أول ما جمعهما معا هو الحماسة الزائدة لاسرائيل، فقد كان «جونسون» صديق حميم لاسرائيل، كما أن «ماتيلدا» كانت تعتبر نفسها صهيونية بالكامل
مشاركة :