قبل نحو عام ونصف العام من موعدها المقرر، تجرى فى تركيا يوم 24 يونيو الحالى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، كان شهر نوفمبر 2019 موعدها الأصلى، وسوف تفتح هذه الانتخابات التى أعلنها الرئيس الحالى رجب طيب أردوغان البقاء في منصبه حتى عام 2029 في حالة فوزه فيها وهو أمر مرجح، وذلك إذا لم تكتب سيناريوهات مختلفة فى تركيا بقلم الشعب.وترجع أهمية هذه الانتخابات إلى أنها تمنح أردوغان الفرصة لتكريس حكمه بالوصول إلى نظام رئاسى، يعد بمثابة ترجمة عملية للتعديلات الدستورية، التي نجح فى تمريرها قبل 13 شهرا، والتى تضمنت تحويل النظام السياسي التركي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، مما يعطي الرئيس سلطة تعيين رئيس الحكومة والتدخل المباشر فى عمل القضاء، وبالتالى السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة، فضلا عن منحه حق الاحتفاظ بالتواصل مع حزبه السياسي، بما يسمح لأردوغان برئاسة حزب "العدالة والتنمية" من جديد .وفيما ينصب أردوغان نفسه حامي حمى تركيا من أعدائها الانفصاليين في حزب العمال الكردستاني وفي الاتحاد الأوروبي، أو من العلمانيين الذين يزعم تطاولهم على عقيدة الأتراك وتاريخهم، يكرس أردوغان كل جهده للنجاح فى هذه الانتخابات المبكرة، وتصويرها على إنها طوق النجاة للاقتصاد التركي الذي بات في أسوأ حالاته، حيث تراجع سعر صرف الليرة التركية وهبط لأدنى مستوياته في التاريخ أمام الدولار الأمريكي، حيث يعزو المسئولون الأتراك التذبذبات التي شهدها سعر صرف الليرة إلى اعتبارات سياسية خارجية .وبالرغم من التوقعات بفوز أردوغان، الذي قضى 15 عاما في الحكم ما بين رئيس للوزراء ورئيس للدولة، إلا إن تلك الانتخابات ستكون ساخنة، حيث يتنافس فيها أيضا 5 مرشحين استوفوا الشروط القانونية المطلوبة لخوض غمار السباق الرئاسي، وهم رئيس حزب الشعب الجمهوري العلماني "محرم إنجيه "، والمرشحة القومية "ميرال أكشينار" زعيمة حزب الخير، والسياسي الكردي المسجون "صلاح الدين ديميرطاش"، و"لتيميل كرم الله أوغلو" رئيس حزب السعادة، و"دوغو برينتشيك" رئيس حزب الوطن.ويبرز اسم إنجيه (53 عاما) كأقوى المنافسين لأردوغان، حيث عرف البرلماني العلماني بتوجيهه انتقادات لاذعة للرئيس، ويشكل حزبه المعارضة الأكبر لحزب أردوغان بالبرلمان التركي، وكذلك يمثل حزبه الذي أنشئ على يد مؤسس العلمانية التركية مصطفى كمال اتاتورك، توجهات القاعدة العريضة من العلمانيين الأتراك الذين يسعون للمحافظة على علمانية الدولة ضد التمدد الديني لحزب العدالة والتنمية. أما أكشينار الملقبة بالمرأة الحديدية، التى تولت منصب وزيرة الداخلية فى عام 1996، وشاركت في تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، إلا أنها تركت الحزب قائلة إنه مجرد امتداد لحزب الرفاه الإسلامي، فإن المراقبين يرون أنها تمثل تحديا جديا لأردوغان لاستمدادها شعبيتها من نفس قاعدته الشعبية، فهي تسعى لكسب تأييد الناخبين اليمنيين المحافظين القوميين على غرار أردوغان، ولذلك يرى محللون أنها قد تنجح في استقطاب عدد كبير من الأصوات، مما يفتت الأصوات المؤيدة للرئيس الحالى، وبالطبع يصب ذلك في مصلحة منافسه إنجيه. ويواجه المرشح من خلف القضبان "ديميرطاش" تهما تتعلق بعلاقته بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا ، إلا أنه وحتى الآن لم يصدر بشأنه قرار إدانة مما سمح له بالترشح في الانتخابات، ويعد ديميرطاش من أشهر الساسة الأكراد حيث قاد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لتحقيق مكاسب كبيرة بالانتخابات البرلمانية التي أجريت في عام 2015، إلا أن شعبيته خارج قاعدة الناخبين الأكراد تظل محدودة، فيما تتناقص فرص كل من كرم الله اوغلو وبرينتشيك في تشكيل أي منافسة تذكر لأردوغان، حيث لا تحظى أحزابهما بالشعبية الكافية للتواجد بالبرلمان.كما أن تلك الانتخابات هى انتخابات مبكرة فالحكم عليها أيضا جاء مبكرا، فقد وصفتها وسائل الإعلام البريطانية بأنها "ليست حرة ولا شفافة" مستندة فى ذلك على أن الرئيس التركي مستمر فى عملية إبعاد أتباع فتح الله جولن عدوه اللدود من هياكل الدولة وكل مفاصلها فى حملة ممنهجة لفرض سيطرته الكاملة هو وحزبه (العدالة والتنمية) على الحياة السياسية التركية بالكامل، وأسكاته جميع فصائل المعارضة من أجل ضمان الفوز في الانتخابات المقبلة، بهدف تعزيز السلطات الواسعة التي منحها له التعديل الدستوري الأخير، وباستغلال الحملة العسكرية التي شنها الجيش التركي في شمالي سوريا، وشروعه شيئا فشيئا في التخلص من تركة كمال أتاتورك العلمانية ذات التوجه الغربي، متبنيا التاريخ العثماني .وإضافة إلى الأسباب التى ساقتها وسائل الإعلام، هى تدنى شعبية أردوغان نتيجة تمديد حالة الطوارئ المفروضة فى البلاد منذ نحو عامين فى أعقاب الانقلاب العسكرى المزعوم، واستمرار الاعتقالات واسعة النطاق فى كافة المدن التركية لكل معارضيه خاصة أنصار خصمه جولن الذى اتهمه بتدبير الانقلاب ضده.وستكرس هذه الانتخابات بمعطياتها المستحدثة، شكلا من أشكال نظام الرجل الواحد الحالى الذى يعد سبب كل المشاكل التى تمر بها تركيا، خاصة فى ظل رغبة حزب العدالة والتنمية فى فرض هيمنته على باقى الأحزاب التركية خاصة حزب الشعب والحركة القومية الكردية، وحزب الخير برئاسة زعيمته النشطة أكشينا، ولهذا فإن المعارضة التركية تستعد لخوض المعركة الانتخابية حتى لاتغيب عن الساحة فى ظل هيمنة كاملة من أردوغان وأنصاره .
مشاركة :