ولد سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة في العام 1922، ويعد من أبرز المساهمين في بناء الدولة الحديثة لمملكة البحرين، فضلًا عن كونه من الشخصيات العلمية والأدبية والثقافية البارزة، فهو المتحدث والشاعر والأديب والمؤرخ والموثق والكاتب، وقد عرف ببلاغته وحسن خطابه، بدأ مسيرة حياته العملية ملتحقًا بالقضاء فعين في عام 1951 قاضيًا بمحاكم البحرين واستمر في مزاولة عمله قاضيًا حتى نهاية عام 1956، حيث تم في عام 1957 تعيينه قاضيًا بمحكمة الاستئناف العليا حتى عام 1962.وأسس سموه أول مكتبة عامة في البحرين سنة 1954، وهي المكتبة الخليفية، حين اجتمع مع مجموعة من شباب آل خليفة الذين كانوا يقطنون مدينة المحرق آنذاك، ممن نالوا قسطًا من العلم والمعرفة، وقرروا أثناء اجتماعهم تأسيس ناد بالمحرق يجمعهم ويكون مفتوحا لجميع الأهالي، وقد تقدموا بطلب تأسيس النادي إلى صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين، والذي أشار عليهم تبني تأسيس مكتبة تقدم خدمات ثقافية لجميع سكان جزيرة المحرق، وبقية المواطنين الذين يرغبون في زيارتها من مختلف مناطق البحرين. وأبلغهم بأن هناك ناديا بالمحرق، وأن الحاجة إلى وجود مكتبة أصبح أمرًا ضروريًا ليقضي الأهالي أوقات فراغهم بالمكتبة، بما يعود عليهم بالنفع من خلال القراءة والاطلاع، وتصفح الجرائد المحلية أو تلك التي يتم جلبها من الخارج.وقد عهد إلى سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئاسة المكتبة، ونظرًا لكونها مكتبة فتية، فقد تبرع الأعضاء بالكتب، وأدى ذلك إلى ملء رفوف الغرفة المخصصة للكتب. ومنذ افتتاحها أخذ أهالي المحرق بالتردد عليها، وقد شعر الأهالي حينذاك بالامتنان وقدموا لسموه الشكر الجزيل على إدارته وتنظيمه هذه المكتبة التي وفرت لهم الفرصة للاستفادة من أوقات فراغهم بالقراءة والاطلاع.في العام 1962 عهد إلى سمو الشيخ عبدالله بن خالد بتأسيس بلدية الرفاع حيث عمل على تطوير الخدمات البلدية والتي منها الاعتناء بالبيئة وتجميل المناطق وشق الطرق وتسهيل المعاملات والخدمات كافة، ثم تولى رئاسة البلدية الناشئة حتى العام 1967، لينتقل بعدها الى رئاسة بلدية بلدية المنامة ومعها رئاسة أول مجلس للتخطيط والتنسيق والذي أنشئ عام 1969 وقد اهتم سموه بالتوسع العمراني والتخطيط الطبيعي والمحافظة على الآثار.أسندت إليه في العام 1978 مهمة تأسيس ورئاسة مركز الوثائق التاريخية، الذي ضم أكثر من 70 ألف وثيقة تاريخية عن البحرين، وقد بذل جهودًا مضنية من أجل تأسيس مكتبة بمركز الوثائق التاريخية. وقد نشطت مكتبة المركز في جمع كثير من الوثائق والمخطوطات والخرائط القديمة الخاصة بالبحرين بصورة خاصة ومنطقة الخليج العربي بصورة عامة. كما تم تزويد المكتبة بكتب وموسوعات في مجال التاريخ، إضافة إلى وجود بعض الكتب الثقافية الأخرى. وأصبح المركز اليوم جزءًا من مركز عيسى الثقافي.وعند إعلان البحرين دولة مستقلة وتشكيل مجلس الوزراء عام 1971 التحق الشيخ عبدالله بالحكومة البحرينية الأولى إذ شغل منصب وزير الزراعة والبلديات إلى العام 1975، ثم تم تعيينه وزيرا للعدل والشئون الإسلامية في الحكومة البحرينية الثانية، والتي حمل فيها أيضًا حقيبة وزارة التجارة والزراعة بالوكالة، وشغل سموه منصب وزير العدل والشئون الإسلامية في حكومتين تاليتين، ووزيرا للشئون الإسلامية ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء.ترأس سموه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والذي يعتبر الواجهة الرئيسة للمؤسسات البحرينية الإسلامية الرسمية. كما تسلم رئاسة لجنة إعداد وصياغة الميثاق الوطني ثم رئاسة لجنة إعداد وصياغة الدستور في العام 2002.توج الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة جهوده الثقافية المتعلقة بتأسيس المكتبات بالإشراف على تأسيس مركز عيسى الثقافي الذي يضم المكتبة الوطنية، وترأس اللجنة الوطنية العليا التي تم تشكيلها في عام 2000، وهي أضخم مكتبة في تاريخ مملكة، فقد شهدت مملكة البحرين عصر يوم الخميس 18 ديسمبر من عام 2008 أهم حدث ثقافي في تاريخها المعاصر تمثل في تفضل صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بافتتاح مركز عيسى الثقافي ومكتبته الوطنية.وجدير بالذكر أن مشروع مركز عيسى الثقافي بدأ برسالة رفعت إلى مقام صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل في عام 1998 من بعض أبناء الشعب البحريني يطلبون الأذن لهم بإنشاء مكتبة تحمل اسم الأمير. وقد حول الرسالة إلى سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة وطلب منه النظر في طلبهم. وتحمل سموه مسؤولية الإشراف الكامل على بناء مركز عيسى الثقافي الذي ضم المكتبة الوطنية التي تحتوي حتى هذا اليوم على زهاء 100 ألف كتاب تغطي جميع حقول المعرفة، وهي بهذا تقدم خدماتها الثقافية لجميع شرائح المجتمع البحريني.ومن الجدير ذكره تأسيس سموه مكتبته الخاصة بمنزله والتي تعد أضخم مكتبة خاصة في البلاد. فقد ضمت مكتبته زهاء 13 ألف مجلد من الكتب والمراجع والموسوعات والدوريات، والكتب النادرة غطت الكثير من الحقول المعرفية المختلفة، كما ضمت بعض الكتب والموسوعات باللغة الانجليزية.. وتبرع بها سموه إلى المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي حيث تم تخصيص حيز كبير في الطابق الأول من مبنى المكتبة الوطنية لهذه المكتبة.استمر الشيخ عبدالله بن خالد بالمساهمة في تفعيل العمل الثقافي في المملكة وتطويره من خلال إصداره بعض المجلات والدوريات الموثقة والمحكمة. ففي فبراير من عام 1978 تمكن من إصدار العدد الأول من مجلة (الهداية) وهي مجلة شهرية إسلامية وترأس تحريرها أثناء توليه منصب وزير العدل والشؤون الإسلامية.تضمنت افتتاحية العدد الأول التي كتبها سموه سبب اختيار عنوان المجلة مع الإشادة بالمجتمع البحريني المتحضر حيث قال: «أما بعد فيسعد وزارة العدل والشؤون الإسلامية أن تقدم إلى الأمة الإسلامية أول عدد من مجلتها الإسلامية والتي اسمتها بالهداية تيمنا بمستقبلها ومواصلة ما عرف عن سكان هذه الجزر منذ فجر التاريخ الإسلامي من ارتباط بهذا الدين الحنيف، حيث بادروا بالإيمان حال ما بلغتهم رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، من غير إكراه أو طمع بل عرفوا الحق فاتبعوه ولم يكتفوا بذلك بل أصبحوا دعاة يهدون إلى الحق وبه يهتدون».تمكن سموه في شهر يوليو من عام 1982 من إصدار العدد الأول من مجلة «الوثيقة» التي يصدرها مركز الوثائق التاريخية والتي تعد من بين أهم المجلات التاريخية التي تصدر في الوطن العربي في وقتنا الراهن، وهي مجلة نصف سنوية محكمة، وقد ترأس تحريرها ولا يزال حتى يومنا هذا. وجاء في كلمة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد حين كان وليا للعهد بعنوان «هذه المجلة»: «هذه المجلة إذا باب نرجو أن نطل منه على ماضينا وحاضرنا على السواء، وهي حلقة من جهد متواصل وشاق للجنة مركز الوثائق التاريخية ممثلة في رئيسها وأعضائها والعاملين فيها، وهي بعد ذلك خطوة على طريق ممتد تنطلق عليه دولتنا الحبيبة بكل قوة وعزم نحو غدها المأمول بإذن الله».عبرت الافتتاحية التي كتبها سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة في العدد الأول عن بعض الأهداف المطلوب إنجازها من خلال إصدار هذه المجلة بقوله: «لقد أردنا بهذه المجلة وأردنا لها أن تكون ندوة مفتوحة تقام كل ستة شهور، وإن كنا نرجو في المستقبل أن نختصر هذه الفترة، وهي ندوة نرجو أن يدور فيها النقاش علميا ومتجردا حول ما يطرح من موضوعات حتى تتاح لكل من أراد الفرصة للإدلاء برأيه من أجل وضع مزيد من النقاط فوق بعض الحروف، ونحن نعلن ابتداء أن كل ما يصل إلينا من آراء سوف يستقبل بقلب مفتوح وعقل مفتوح..».بقيت البحرين في تاريخها المعاصر اعتبارًا من بداية القرن العشرين خالية من وجود كتب تاريخية موثقة بشكلها الأكاديمي تتحدث عن تاريخ البحرين القديم، أي منذ حضارة دلمون حتى وقتنا الحالي. وقد تصدى سموه لإكمال هذا الفراغ بإصداره مجموعة كتب تاريخية موثقة أصبحت اليوم من بين أهم المصادر التي يعتمد عليها في كتابة تاريخ البحرين قديمة وحديثة.ففي عام 1970 تمكن من تأليف كتاب «البحرين عبر التاريخ: الجزء الأول» تناول فيه تاريخ البحرين القديم اعتبارًا من حضارة دلمون، مرورًا بالعصر الإسلامي وما رافق ذلك من ظهور حركة الخوارج، والقرامطة.وفي عام 1991 تمكن من إصدار الجزء الثاني من كتاب «البحرين عبر التاريخ» وكان كتابا في غاية الأهمية لأنه سلط الضوء على قرامطة البحرين بشكل أكثر تركيزا وشرحا من المعلومات التي ضمها الجزء الأول. كما غطى الكتاب: العيونيون، الزنكيون، السلفريون، الجبور والعصفوريون، البرتغاليون، العتوب، الشيخ أحمد الفاتح، والشيخ سلمان بن أحمد الفاتح.شهد عام 1996 إصدار كتابه (رؤى إسلامية: من وحي القرآن) حيث وضع سموه في هذا الكتاب رؤى تفتح الباب للخروج من المأزق الحضاري لمعادلة الأصالة والمعاصرة في بعض جوانبها الفكرية والعقائدية، ليستوحي رؤى إسلامية راسخة منبعها القرآن الكريم.كان عام 2005 عامًا مميزًا بالنسبة إلى نتاج سموه الفكري فقد شهد ذلك العام إصدار ثلاثة كتب تكمل بعضها بعضا. فقد صدر الجزء الأول بعنوان (مكانة البحرين في التاريخ الإسلامي) وهي مكانة ومكان حفل بالكثير من المواقف والعلاقات التي شكلت تاريخا مهما لجزيرة البحرينفي مختلف الأحداث التي تناوبت على الدولة الإسلامية العريقة. وصدر الجزء الثاني تحت عنوان (تاريخ آل خليفة في البحرين) والذي تناول بالشرح الموثق تاريخ العتوب والزبارة، وحكام البحرين اعتبارًا من الشيخ أحمد الفاتح وانتهاء بسمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل.صدر الجزء الثالث ليكمل هذه الموسوعة التاريخية الموثقة بعنوان (ملك وسيرة) حيث يتحدث عن شخصية جلالة الملك واهتماماته الثقافية والرياضية والفكرية، مغطيا مشروعه الإصلاحي الذي بدأ بميثاق العمل الوطني. كما غطى الكتاب مرافعات البحرين وقطر أمام محكمة العدل الدولية. وانتهى الكتاب بالحديث عن السلطات الثلاث: السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية.
مشاركة :