ركزت جلسات مؤتمر "فكر 13" المنعقد تحت عنوان "التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم"، التي انطلقت أمس في القصر الدولي للمؤتمرات محمد السادس - الصخيرات في المغرب، على مناقشة التفكك الذي يعيشه العالم العربي في المجالات كافة، وأجمع باحثون على أن الجانب الثقافي ما زال معافى، وأن الثقافة العربية أكبر من أن تستجيب لهذا التفكك، معدين أن الثقافة هي ما يجعلنا أقوياء أمام الانهيارات السياسية والاجتماعية والعسكرية، التي تجتاح عالمنا العربي اليوم، كما شددوا على أهمية الرواية ودورها الفاعل في المجتمع، حيث تناولت بشكل عام الهزائم العربية السياسية والاقتصادية والتشتت الذي تعرّض له العالم العربي. أربع جلسات متوازية شهدها المؤتمر في اليوم الأول، ناقشت الأولى مفهوم التكامل العربي من النواحي الاقتصادية والثقافية والسياسية، فضلاً عن جلسة رابعة ناقشت التقرير الصادر عن منظمة الإسكوا حول "التكامل العربي سبيلاً لنهضة إنسانية". الجلسة الأولى بحثت موضوع "التعاون الاقتصادي: التحدّيات في ظلّ التنوّع"، وتحدث فيها كلّ من الخبير الاقتصادي مروان إسكندر، وعبدالله القويز، والمستشار الأول في التخطيط الاستراتيجي محمد سيف الدين سلمان، والأستاذ في كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية محمد حركات، وأدارها الباحث في الاقتصاد الدولي محمد الزناتي. قدم إسكندر رؤية غير متفائلة حول موضوع التكامل العربي الاقتصادي، واعتبر أن مفهوم العولمة من الناحية الاقتصادية أصبح قديماً، ومن أهمّ الأسباب التي أدت إلى هذا الأمر، هو أن التحركات السياسية في البلدان العربية يحركها الولاء للأنظمة أو القوى الاقتصادية العالمية أو الاعتبارات الاقتصادية. أما السبب الثاني فهو التجسس من قبل الولايات المتحدة الأميركية على الدول كافة. مواجهة التحديات ناقشت الجلسة الثانية "دور الثقافة والفنون في إرساء وحدة الشعوب"، تحدّثت فيها الخبيرة المتخصّصة في قضايا المجتمع المدني الدكتورة أماني قنديل، والشاعر والكاتب خزعل الماجدي، والمدير العام للقناة الثقافية السعودية محمد الماضي، والأستاذ في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سعيد الحسن، والأستاذ في جامعة المدينة بلقاسم عيساني، وأدارها الأستاذ المساعد في الوثائق بقسم المكتبات والوثائق والمعلومات في جامعة القاهرة عماد أبو غازي. وأكّدت قنديل أن الشباب معزولون عن الأجيال الكبيرة من العالم الأهلي، وذلك حسب التقرير السنوي الـ13 للشبكة العربية، ويفضّلون العالم الفضائي بـ70%، وهذا العالم الفضائي سيؤثر سلباً على المجتمعات. ورأت أنه وعلى الرغم من كلّ الأزمات التي نواجهها اليوم، بدأنا نرى نوراً يسطع في كثير من الدول العربية، من خلال مبادرات الجمعيات الأهلية، التي أبدعت وخرجت من العالم الفضائي، واللغة الشعبية في المملكة المغربية هي أحد النماذج المهمة. وشدد عيساني على أهمية الرواية ودورها الفاعل في المجتمع، حيث تناولت بشكل عام الهزائم العربية السياسية والاقتصادية والتشتّت الذي تعرّض له العالم العربي. ورأى أن الرواية العربية تناولت الأمور الإنسانية والاجتماعية والسياسية على الساحة العربية، من المغامرات الأيديولوجية إلى الثورات العربية، وحقوق المرأة والحرّيات العامة. وتحدث الماجدي عن التفكّك الذي يعيشه العالم العربي في المجالات كافة، لكن الجانب الثقافي ما زال معافى، فالثقافة العربية أكبر من أن تستجيب لهذا التفكّك. وخلص إلى أن الثقافة هي ما يجعلنا أقوياء أمام الانهيارات السياسية والاجتماعية والعسكرية، التي تجتاح عالمنا العربي اليوم، وتمنحنا كرامة نوعية تتخطى أنواع الخذلان والإذلال، التي تعيشها أحداث الحاضر. فيما أكد الماضي على أهمية أهداف مؤسّسة الفكر العربي باعتبارها المؤسسة الوحيدة بعد جامعة الدول العربية، التي جمعت العرب في مشروع واحد، هو التكامل العربي في العصر الحديث، بعد إضاعته لزمن طويل، ومرحلة تاريخية لم تترجم فيها الآمال التي يطرحها المؤتمر. وأكد على أهمّية الثقافة في مواجهة التحديات كافة، التي تمر بها الأمة العربية اليوم، معتبراً أنه بقدر ما تكون ثقافتنا قوية وجادة ومنفتحة وتؤمن بحقّ الاختلاف والتعدد والتنوع ونبذ قيم الكراهية والتعصب والانغلاق، بقدر ما تحقّق آمال النهوض من جديد. وركز الحسن على أهمّية مفهوم المدركات الجماعية، معتبراً أن المشكلة الحقيقية هي أننا نعيش في مرحلة الصراع بين النخب، الذي هو نتيجة قرنين من الاستعمار. ودعا إلى الأخذ بعين الاعتبار مواقف الشارع، لندرك إلى أي مدى يمكن أن نأخذ الصراع النخبوي على محمل الأهمّية، لنتمكّن من مواجهته من خلال رصد جوانبه الرئيسية. تدمير الدولة الوطنية وعقدت جلسة حول التكامل السياسي تحت عنوان "المسار التاريخي للتحوّلات الجيوسياسية في الوطن العربي"، تحدث فيها كل من الخبير الأمني الدكتور إيليا عبيد، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان والأكاديمية النرويجية للآداب وحريّة التعبير الأستاذ سمير مرقس، والدكتور عبدالخالق عبدالله، والدكتور عادل موسوي، وأدارها سكرتير التحرير في صحيفة الحياة طوني فرنسيس. تحدث بداية الدكتور عادل موسوي، فرأى أن أبرز معالم المشهد العربي اليوم هو العنف، وبروز قوى التطرّف والتشدّد بشكل لم يشهد له التاريخ العربي المعاصر مثيلا. وأكد أن الدول العربية أثبتت قدرتها على الصمود والمحافظة على وحدتها ووجودها، على الرغم من التهديد والتناقضات الدولية القائمة، مشيراً إلى أن القوى العالمية الداعمة لقوى التغيير في المنطقة العربية، تحارب لإسقاط الدول وليس إلغاء الحدود. وعد الدكتور عبدالخالق عبدالله أن مرحلة الربيع العربي والتغيير تمّ احتواؤها، وبرزت مكانها قوى التطرف، ولم يعد هدفها الإطاحة بالحكومات كما تدعي، بل تدمير الدولة الوطنية، وقد دخلت إيران وأميركا على خط هذه القوى فأقلمتها وعولمتها. ولفت إلى أن الطرف المستقر هو دول مجلس التعاون الخليجي الست، لذلك أخذت على عاتقها مهمة التصدي لقوى التطرف. إذ لفت إلى قلة إدراك البعض لوعي المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق دول مجلس التعاون الخليجي، أكّد أنه يجب الرهان عليها، علّها تعيد نوعا من الاستقرار إلى المنطقة، ومواجهة قوى التطرّف بقوّة الاعتدال الذي هو سمة لحظتها الحالية. وعد إيليا عبيد أن مفعول اتفاقية سايكس بيكو انتهى، وأننا ذاهبون إلى ما هو أحدث منها، والخريطة الجديدة ستقوم بنشر الديموقراطية والطائفية والمذهبية، لنحصل على شرق أوسط جديد على حساب الوطن العربي الكبير، مذكرا بتصريح وزيرة الخارجية الأميركية السابق كوندوليزا رايس عن الفوضى الخلاّقة التي تقوم على التفكيك والتركيب وصولا إلى إنشاء شرق أوسط جديد. ورأى أن ما حصل في الوطن العربي منذ 2011 حتى اليوم، أشبه بالظواهر الطبيعية المدمّرة، التي لا يتوقع أحدّ حدوثها، وقد حصلت في الدول التي قامت على الانقلابات، والتي حكمت شعوبها بالقبضة الحديدية، فتفاعل اعتراضها للوصول إلى مكان أفضل، لكنّ هناك من خطف هذه النجاحات". من ناحيته، وضع سمير مرقس عنواناً للحظة التي يعيشها الوطن العربي، هو قديم ينازع وجديد يصارع، معتبراً أن القديم يتمثّل بالدولة الوطنية التقليدية أو الوحدات السياسية، التي تشكلت في عصر سايكس بيكو، أما الجديد فهو يحاول وضع تصورات ورؤى جديدة للتصور القديم. ورأى أن هناك تناقضا شديدا ما بين الرؤيتين، فالقديم يعلي قيمة الدفاع عن الوطنية والدولة، أما الجديد فإنه كتلة جيلية تمثل شرائح اجتماعية مختلفة، لها حاجاتها وتصوراتها، وتماديها في بعض الأحيان. العرب والتكامل ناقشت الجلسة العامة والأخيرة، الإسكوا حول "التكامل العربي سبيلا لنهضة إنسانية"، وتعاقب فيها على الكلام أبو يعرب المرزوقي، أحمد توبة، نعيمة توكاني ومصطفى الحسوني، وأدارها الدكتور عبدالله الدردري. وأوضح المرزوقي أن التقرير يشرح علل التكامل الاقتصادي، أي الانتقال من التكامل الاقتصادي الخالص إلى ما سمي في التقرير التكامل الحضاري، ويطرح مسائل عدة أهمها: الإطار المفهومي للتقرير، الوعي لشروط تجاوز التبعية باستعمال أداتي القوة المادية والقوة الاقتصادية أي الاقتصاد والثقافة. وأشار إلى أن التقرير كتب في سياقين، الأول غلب عليه التفاؤل في بداية الربيع العربي، والثاني غلب عليه التشاؤم بسبب النكسة التي حدثت بعد الانقلاب الذي حصل في مصر. كما يركز التقرير على طبيعة الأزمة الثقافية العربية، التي تحول دون تحقيق شروط التكامل الحضاري ببعديه المادي الاقتصادي والرمزي والثقافي، وشروط الخروج من صدام الحضارات الداخلي في الحضارة العربية نفسها، أي العائق الأساس للتكامل الحضاري، ببعديه المادي والرمزي.
مشاركة :