«النادي الأدبي الكويتي» كتاب جديد للباحث د. عايد عتيق الجريد، يسلط فيه الأضواء على مرحلة مدهشة من الحياة الإبداعية في الكويت، بعد مضي قرن كامل تقريبا عليها اليوم، وهي فترة زاخرة بالاندفاع والرغبة في النهوض وفي حب التخلص من الجمود. في كتابه الجديد "النادي الأدبي الكويتي"، سلط الباحث د. عايد عتيق الجريد، من قسم التاريخ بجامعة الكويت، الأضواء على مرحلة مدهشة من الحياة الإبداعية في الكويت، يكاد قرن كامل يمضي عليها اليوم، فترة زاخرة بالاندفاع والرغبة في النهوض وفي حب التخلص من الجمود، فترة تلاقت فيها بإخلاص جهود الإصلاحيين من تجار ومعلمين ورجال دين وغيرهم، ومن كويتيين و"مقيمين"، ممن لم ينتظروا تحرك "كبار المسؤولين" أو مبادرة الدولة وبادروا متعاونين لإنشاء المؤسسات التعليمية والثقافية والأندية الاجتماعية، ومنها النادي الأدبي الكويتي سنة 1924. وبينما تعاني حياتنا اليوم من مشاكل وإحباطات قد نقارن بها على العكس تماما، ما رسم د.عايد الجريد من تفاصيل تلك الحقبة الخلاقة التي اندفع خلالها الكويتيون يفتتحون المدرسة النظامية الأولى وبواكير مؤسسات المجتمع المدني، ويرسون دعائم الصحافة والمكتبات العامة، ويرسلون البعثات، كما جربوا كذلك عبر مجلس 1921 اولى محاولاتهم في إقامة السلطة التشريعية. وبالرغم من مرورنا بالكثير من المعلومات والإشارات الواردة في كتاب د. الجريد لكونها متناثرة في حشد من المصادر والمراجع التي استعان بها الأستاذ الباحث، وذكرها في نهاية الكتاب الواقع في نحو 170 صفحة، فإن القارئ يفاجأ من جديد، وكأنه يسمع بها لأول مرة، بتلك الحيوية والجدية والحماس التي كان الإصلاحيون الأوائل والنهضويون الكويتيون يتحركون بها وينشطون ويتبرعون بسخاء، ويحاولون إدخال المستجدات في مجتمعهم الصغير وسط معارضة القوى والتيارات المحافظة أو الجامدة التي كانت تحرم الأفكار الجديدة، وقراءة الصحف والكتب غير الدينية، بل تحظر حتى كتب ومنشورات الإصلاح الديني، وتعد من كان فكره كفكر الشيخ محمد رشيد رضا الذي أجهد المؤرخ عبدالعزيز الرشيد نفسه في الترويج له، خطرا على الإسلام وتجرم تدريس اللغات الأجنبية وتحارب أبسط النظريات والحقائق العلمية في المناهج كتشكل المطر مثلا من بخار الماء المتصاعد غيوما من البحار والمحيطات! تناولت دراسات سابقة، وعلى رأسها كتب المؤرخ الرشيد والحاتم ود.الوقيان، بواكير الثقافة الكويتية بدايات مختلف المؤسسات الثقافية بشكل عام، وحيث استفاد الباحث منها الكثير. ويقول د. الجريد إن ما يقصده من دراسته هذه التي أفردها لأول ناد أدبي في تاريخ الكويت، أن يوضح كل جوانب هذه التجربة، حيث إن هذا النادي، كما يقول الباحث في نهاية الكتاب، رغم قصر عمر التجربة، "كانت له أنشطة مثمرة، فقد ساهم في إعداد فئة مثقفة من خلال المحاضرات والتدريس واللقاءات التي جمعت فئة الشباب المثقفين بالمثقفين الأوائل ومصلحي ومفكري العرب، كما كان له دور في تثقيف المجتمع بالأطماع الغربية". (ص122). ويحاول الباحث أن يوضح كل الجهود التي بذلت والدور الذي ساهمت فيه مختلف الأطراف ويقول "من أسباب اختياري لهذا الموضوع أن أغلب الدراسات السابقة لم تتناول النادي الأدبي ودور مؤسسية في الإصلاح بشكل كبير"، ويضيف د. الجريد "كما تأتي أهمية هذه الدراسة كونها أبرزت دور رجال العلم والإصلاح الكويتيين في المشاريع الثقافية، بالإضافة إلى دورهم في الإصلاح في مجتمهم، ودورهم في محاربة البدع والخرافات"، وكذلك "افتقار بعض الدراسات للموضوعية، حيث ركزت على شخصيات معينة دون الأخرى في تأسيس النادي"، وأخيرا يقول "في حدود اطلاعي أيضا لم أجد دراسة علمية وافية مختصة في هذا الموضوع". (ص9). يمهد الأستاذ الباحث للموضوع بدراسة ظروف الزمان والمكان لتأسيس النادي، فينطلق بدراسة الأوضاع السياسية للكويت بين عامي 1899 و1923 وهي المرحلة التي وقعت فيها معاهدة أو اتفاقية الحماية مع بريطانيا في 23 يناير 1899 في عهد الشيخ مبارك الصباح، "وبموجب هذه الاتفاقية ضمن الشيخ مبارك الصباح حماية الكويت من الأخطار الخارجية". ويستشهد د. الجريد في هذا بالوثائق الروسية التي تؤكد أن لجوء واستعجال مبارك بطلب الحماية كان بدافع من التهديدات العثمانية، وقولهم "إن لم تخرج سيخرجك الجنود العثمانيون وقوات ابن رشيد". ويؤكد القنصل الروسي في بوشهر في إحدى الوثائق "أن الشيخ مبارك كان يتجنب مساعدة الإنكليز غير أن حماقة الأتراك الذين أرسلوا قواتهم بقيادة محمد باشا في أبريل 1901 ضد الشيخ مبارك وجّهته إلى أحضان البريطانيين، وأصبح ينظر لهم كمنقذين له"، وهكذا أعلنت بريطانيا الحماية على الكويت ووافق وزير الدولة لشؤون الهند على إيفاد وكيل سياسي للكويت. ويلفت الباحث انتباه القارئ إلى أن هذه المعاهدة لم تكن ذات نتائج سياسية فحسب في حمايتها من الأخطار الخارجية، فمع هذه الحماية يلاحظ د. الجريد "تهيأت الأوضاع الداخلية لقيام العديد من المشاريع التعليمية والثقافية وغيرها، كما أنها أمنت حركة تجارة الكويت الخارجية بتأمين الطريق البحرية لسفنها، وهو ما ساهم بدوره في تحسين الأوضاع المعيشية للكويتيين". وكل هذه ملاحظات واستنتاجات قيمة للباحث الذي يلفت في الوقت نفسه الانتباه إلى أنه "كانت لبريطانيا عدة تدخلات في شؤون الإمارة الداخلية، وخاصة في المشاريع الإصلاحية التي كان منها دورهم في حل مجلس الشورى عام 1921 وأيضا حل المجلس التشريعي في 20 أكتوبر 1938، كما أنهم استنزفوا ثروات الكويت من خلال الاحتكارات التجارية التي فرضوها". ولا نريد الاستطراد هنا في مناقشة ظروف مجلس 1921 و1938 وموقف بريطانيا منهما وغير ذلك، فلا شك أن اندفاع وحماس وعدم واقعية بعض أعضاء المجلسين عام 1921 و1938، ربما كان السبب الأساسي في فشل المحاولتين، وكذلك الجدل حول مصادر التشريع وغير ذلك، كما كان يصعب كثيرا من الجانب السياسي والدفاعي التساهل مع بعض المطالب التي لا يمكن الجمع بين تحقيقها وبين الالتزام بمتطلبات اتفاقية 1899 مع الشيخ مبارك. ويقول الباحث نفسه "لم يستمر هذا المجلس عام 1921 طويلا، فبعد أشهر قلائل من تشكيله أصيب بالخلل فحل نفسه تلقائيا، نتيجة لخلافات شخصية بين الأعضاء، وعن دور المعتمد البريطاني الميجر ج. مور في "إذكاء نار الخلافات" بين أعضاء المجلس، فالباحث يستشهد بكتاب د. غانم النجار "مدخل للتطور السياسي في الكويت، (ص17)، ولكن لم أجد ما يدعم ما يشير إليه د. الجريد. كما يذكر د. الجريد ما قاله أحد أعضاء المجلس المذكور وهو الشيخ يوسف بن عيسى القناعي: "أخذ الحاكم يواصل جلساته مع الجماعة في الأمور المهمة، فكانت ثمرة هذه المشاركة ضئيلة جدا، سببها كثرة الاختلاف بين الجماعة، إذ كان كل عضو يرى أنه هو المصيب، ولم يرجعوا لاتّباع الأكثرية". (ص20). ومن الحوادث الجسام خلال هذه المرحلة "حرب الجهراء" عام 1920 والحرب العالمية الأولى التي انقسم فيها الرأي العام بين الانكليز والعثمانيين، والتي انتهت بسقوط الدولة العثمانية وتبدل المعادلات السياسية والقوى المؤثرة في أوضاع الكويت والمنطقة، وظهرت كبديل مجموعة من الدول العربية، كما برزت التوجهات القومية والوحدوية والإصلاحية والتيارات الدينية التي وجدت طريقها إلى الكويت وثقافة نخبتها الفكرية والسياسية، مما مهد بلا شك لتأسيس النادي الأدبي عام 1924. ويقول د.الجريد: "في أوائل القرن العشرين شهدت الكويت تحسنا ملحوظا في الأوضاع التعليمية والثقافية عندما بدا رجال العلم المصلحون التفكير في تأسيس المدارس النظامية، بعد أن كان نظام التدريس يعتمد على عدد من المدارس الأهلية التي عرفت باسم "الكتاتيب" حيث أسسوا أول مدرسة كنواة أولى للتعليم "المدرسة المباركية" في المحرم 1330هـ ديسمبر 1911".