حرص النادي الأدبي الكويتي على "دعوة رجال العالم والإصلاح العرب لأخذ العلوم النافعة والنصائح السديدة"، وفي رمضان 1343هـ- 1925م، زار الشيخ محمد أمين الشنقيطي الكويت، يضيف د. عايد الجريِّد " فأقام له النادي الأدبي حفلة تكريمية". ومن الشعراء الذين رحبوا بالشيخ الشنقيطي في هذا التكريم الأدبي سليمان خالد العدساني، ولعل الشيخ محمد أمين الشنقيطي (1905-1974) أبرز شيوخ "الشناقطة" في تاريخ الكويت ومدارس العلوم الدينية السعودية، حيث درس عليه من مشايخ نجد البارزين الشيخ عبدالعزيز بن باز الذي درس عليه المنطق، والشيخ حمود بن عقلا الشعيبي، والشيخ محمد صالح بن عثيمين والشيخ عبدالرحمن البراك والشيخ صالح بن فوزان الفوزان وغيرهم الكثير. (موسوعة ويكيبديا). ينقل د. علي الشبل عن الشيخ ابن عثيمين أن الأخير لما رحل مع والده وعمه للرياض أشار عليه شيخه "ابن سعدي" لمّا استشاره، بالدراسة في المعهد العلمي والذي فُتح سنة 1371هـ- 1951م، ثم بكلية الشريعة بالرياض، والتي تخرج فيها منتسباً في دفعتها، ويقول الشيخ ابن عثيمين متذكراً سنوات دراسته: "لمّا كنا طلاباً في المعهد بالرياض، وكنا في قاعة الدراسة ننتظر من يدرسنا في مادة التفسير، فإذا بشيخ يدخل علينا، وكان رثَّ الهيئة في مظهره وملبسه، وكأنه بدوي أعرابي، فقلت في نفسي ليس عند هذا علم، فكيف أترك شيخي عبدالرحمن السعدي في عنيزة وأضيع وقتي أمام أمثال هذا البدوي؟! فما هو إلا أن بدأ الشيخ الشنقيطي درسه، وكان في التفسير، حتى انهال علينا في الدرر العلمية والفوائد والشواهد في تفسير كلام الله بين الأدلة والشواهد العربية من بحر زاخر متلاطم، فعرفت أننا أمام عالم جهبذ وفحل من فحول العلماء، فأفدنا فائدة عظيمة من علمه وسمته وخلقه وورعه". (ترجمة الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، د. علي بن عبدالعزيز الشبل، موقع WWW.alukah.net). وللشيخ الشنقيطي قصة معروفة في الكويت خلال الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 في زمن الشيخ مبارك الصباح، وإذا كان الشنقيطي من مواليد 1905، فهذا يعني أنه كان دون سن العاشرة عندما هرب من الكويت، وربما في التاسعة عشرة من عمره 1925 عندما حاضر في النادي الأدبي مما لا يعقل، والأرجح أنه مولود قبل عام 1905. وقد سبق أن كتبنا مقالاً عن بدايات الإسلام السياسي في الكويت، وعن موقف الشيخ الشنقيطي واعتراضه على سياسة الشيخ مبارك الصباح في تلك الحرب، وتأييده للإنكليز ضد الدولة العثمانية، مراعاة لمصالح الكويت، أو كما قال: "إني اتفقت مع الإنكليز على أمر فيه نفع لي ولبلدي، ولهذا لا أرضى بالطعن فيهم وإن كنت لا أحبهم وديني غير دينهم". وقد استدعى الشيخ مبارك كلا من الشيخ الشنقيطي والشيخ حافظ وهبة، اللذين كانا يحثان الناس على عدم الطاعة للشيخ مبارك، وأن هذه الطاعة تُعد "ارتداداً عن الإسلام"، وقد هدد الشيخ مبارك من يعارض هذه السياسة بالقتل، وانتهت المشكلة بالشيخ الشنقيطي والشيخ حافظ وهبة بالخروج والهروب من البلاد. (انظر: من تاريخ الكويت: المؤرخ سيف مرزوق الشملان، ص170 ومقالنا في الوطن، 5/ 11/ 2013). كان استقبال جمهور النادي للشيخ الشنقيطي ودياً، كما كان "على علاقة حب ووئام مع الشيخ أحمد الجابر الذي أكرمه في هذه الحفلة"، كما خاطبه الأديب العدساني مرحبا بقصيدة مطلعها: يا شيخ أنت رجاؤنا في نهضة النشء الجديد عصر الخرافة قُوضت أركانه حتى أُبيد وكان الشيخ والمفكر التونسي عبدالعزيز الثعالبي (1874-1944) ممن زار الكويت والنادي الأدبي في العام نفسه 1925، ونزل ضيفاً عند "آل الخالد"، وألقى خطبة مؤثرة، ويقول د. الجريِّد إن البعض وصف المفكر التونسي "بأن له قوة الحجة والعارضة ما ليس لأحد من أقرانه، وله من التأثر ما يندر أن يفوز به أحد سواه". وقد رحب النادي واحتفى به بقصيدة لعبد العزيز الرشيد. وتقول "الموسوعة العربية الميسرة"، إن الزعيم المناضل الثعالبي "جاء إلى مصر في شبابه، وأقام فيها مدة اتصل فيها بالشيخ محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا، وسلك مسلكهما في الإصلاح الديني والاجتماعي، ثم عاد إلى تونس، فاشتغل بالصحافة والسياسة مناوئاً الاستعمار الفرنسي، واعتقل مرات عدة، ورأس حزب "الدستور" الذي ألّفه أنصاره في أثناء اعتقاله، ثم تنقل مدة طويلة بين الأقطار العربية، واضطر آخر أيامه إلى اعتزال الحياة العامة". وهكذا كان الثعالبي مقربا من المؤرخ الرشيد، وكتب عن زيارته مقالاً في صحيفة "الشورى" المصرية، 30/ 7/ 1925 أعاد د. الجريِّد نشرها في ملحق كتابه، ص147 بعنوان "الأستاذ الثعالبي في الكويت" موقعة باسم المؤرخ. وقد وصف الشاعر العراقي معروف الرصافي "الثعالبي" بأنه "أعظم خطيب عربي عرفه القرن العشرون"، وفي الكويت رحب بالثعالبي إلى جانب الرشيد كل من الشاعر صقر الشبيب والشاعر سليمان العدساني. وإلى جانب حفلة النادي، يضيف الباحث، أقام الكويتيون للشيخ عبدالعزيز الثعالبي عدة حفلات تكريمية في "مدرسة الأيتام" و"المدرسة الأحمدية" و"المدرسة المباركية"، وفي هذه المناسبات العديدة ألقى الضيف التونسي خطباً، يقول د. الجريِّد "حثت على تشييد المدارس العلمية واستنهاض الهمم في مجاراة الغربيين فيما بدؤوا به الشرق وجعلوه تحت الرق والاستعباد، والاهتمام بالصنائع التي هي أساس العمران". وبين الشيخ الثعالبي "أن أسباب انحطاط المسلمين هي تفرقهم وتخاذلهم وطمع كل فرد بأخيه، وعملهم مع أعدائهم على تفكيك عُرى الجامعة الدينية والقومية". وأضاف الثعالبي أن من أسباب انحطاط المسلمين كذلك، "تمسكهم بالأوهام والخرافات وفهمهم الدين معكوساً، وأن الدين الصحيح لا يخاف المدنية ولا العلوم العصرية". كما أن "الثعالبي" فيما كتب المؤرخ الرشيد في مقاله المنشور بمصر، "حث الكويتيين على إقامة مستشفى وطني إسلامي، وأنه من العار عليهم أن يقنعوا بإحسان مستشفى الإرسالية الأمريكية، وقد علموا مع ذلك أن غرضها العبث بأديان الناس وعقائدهم". ويبدي د. الجريِّد إعجابه بمجهود وأفكار "الثعالبي" الذي عرف عنه أنه أسّس في تونس "الحزب الدستوري" عام 1920 "لمناهضة الاستعمار الفرنسي واستبداده". ويرى د. الجريِّد أن تجربة الثعالبي ربما "ساهمت في تشكيل الوعي السياسي عند أعضاء النادي، خاصة وأن منهم من كان داعماً لأول حزب سياسي في الكويت، وهو "كتلة الشباب الوطني" عام 1938". (ص 100). ويشيد د. الجريِّد بالتأثيرات الإيجابية العميقة لمجمل النشاط الذي قام به النادي الأدبي، ويقول إنها جمعت المثقفين الكويتيين برجال العلم والإصلاح العرب، وهيأت لهم مناخ البحث والحوار وتبادل الآراء "خصوصا أن الشباب المثقفين كانوا بحاجة لإيجاد أسس سليمة للنهوض بمجتمعهم من الناحية الثقافية، فكان أملهم أن يلتقوا برجال العلم والإصلاح العرب للاستفادة من خبراتهم، وكان الشاعر صقر بن سالم الشبيب والأديب عبدالله العلي الصانع والشاعر حجي جاسم الحجي والأديب عبداللطيف إبراهيم النصف بين أكثر المستفيدين من هذا المناخ الأدبي في الكويت".
مشاركة :