محمد أحمد _ وطنى الحبيب : أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين بتقوى الله واستغلال العشر الأواخر من رمضان بالتوبة والاستغفار. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: الأمة الإسلامية تتفيأ هذه الأيام موسماً عظيماً من أجلّ المواسم في تاريخها؛ ذلكم العشر الأواخر من رمضان، وإن لله في أيام الدهر لنفحات، تتنزل فيها الرحمات والبركات، ومنذ أيام قليلة كنا نستطلع هلال شهر رمضان، ونستشرف محياه بقلب ولهان، وبعد أيام قليلة نودعه، وعند الله نحتسبه ونستودعه. وأضاف: أيها الصائمون يا بشراكم ويا نعماكم بهذه الأيام المباركة القلائل، ازدلفوا إلى ربكم بالفرائض والنوافل، واستدركوا ما فاتكم من الأعمال الجلائل، ولا تزال الفرصة سانحة، والتجارة رابحة، لمن بدد أيام رمضان وفرّقها، وسلك بنفسه طرائق التفريط فأوبقها، وهذا دأب المؤمن الصادق الوجل، إن ونى واجترح، أو عن جواد الطاعة جنح، تاب وآب، وعفى حوباته بالتوبة والاستغفار وحسن المآب، وقد كان من هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه يجتهد في هذه العشر المباركة بما لا يجتهد به في غيرها؛ كما في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد مئزره”؛ فشدوا يا عباد الله رحال الأعمال ما دمتم في فسحة الآجال؛ مغتنمين بقية درر العشر، لأعظم الأجر. وأردف: في هذه العشر الأواخر اختصنا البارئ تبارك وتعالى بليلة عظيمة الشرف والقدر، مباركة الشأن والذكر، بالخير والرحمة والسلام اكتملت، وعلى تنزل القرآن والملائكة الكرام اشتملت، هي منا على طرف الثمام، بإذن الملك العلام، إنها ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، {ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر}، وقد روى البخاري من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر؛ فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر”، وها هي دونكم هذه السبع أيها المشمّرون، إنها ليلة خير من ألف شهر، خَفِيَ تعينها اختباراً وابتلاء؛ ليتبين العاملون وينكشف المقصرون؛ فمن حرص على شيء جد في طلبه، وهان عليه ما يلقى من عظيم تعبه. وتساءل “السديس”: هل أدركنا أن لشهر رمضان نوراً يجدر أن تستضيء به النفوس والقلوب؛ فتثبت الأمة أقدامها على طريق التغيير، بوعي لا تشوبه رغبات، وبثبات لا يعكره ارتجال وثبات، أم أن حظنا من رمضان هو الاسم المعروف، والزمن المألوف، وصلة المناسبة المنبتّة عن الواقع والحال، حين تشرق الشمس أو يطل الهلال. وتابع: هل جعلت الأمة من رمضان شهراً للتراحم والتصافي، وفرصةً لمراجعة النفس وإصلاح العمل بما يحمله هذا الشهر الكريم من دروس عظيمة في التسابق في الخيرات والأعمال الصالحة؟ هل عَمِلت الأمة على الإبقاء على الصورة المشرقة التي اتسم بها هذا الدين الإسلامي في وسطيته واعتداله، ومكافحة الغلو والتطرف والإرهاب، وأن هذه الأعمال الإجرامية لا ترتبط بدين أو ثقافة أو ملة؟ وهل تصدت لكل ما يفسد على العالم أمنه واستقراره وتعزيز التسامح والتعايش بين الشعوب ونبذ العنصرية والطائفية، وهل وقفت بحزم أمام من يريد هز ثوابتها والنيْل من محكماتها والتطاول على مسلماتها وقطعياتها. وقال “السديس”: إننا نعيش شرف الزمان والمكان، وننعم بطيب المقام ووارف الأمان، في هذه الأجواء العبقة الأريجة، والأجواء المنشرة البهيجة، لا معدى لنا عن تذكر إخواننا المكلومين في أولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين، وفي أكناف بيت المقدس وفي الأرض المباركة وفي بلاد الشام وأراكان، وإخواننا في العراق واليمن وغيرها من بلاد المسلمين، فهل تحرك الأحوال الإنسانية، وبكاء اليتامى وصرخات الأيامى تحت أنقاض البيوت، ولوعة الأرامل في الظلمات، وحزن الملتاعين في المخيمات، دعاة السلام ومحاربي الإرهاب والمدافعين عن حقوق الإنسان؟ إنها مناشدة جهيرة في أخريات هذا الشهر العظيم؛ لأن يتنادى المسلمون جميعاً إلى التواصي بالحق والخير، والتعاون على البر والتقوى، وأن يعتصموا بالكتاب والسنة. وخاطَبَ الشيخ “السديس” حمَلة الأقلام، ورجال الإعلام، قائلاً: هلموا إلى عقد ميثاق أخلاقي مهني، يصون المبادئ والقيم، ويحرس المثل والشيم، ويُعلي صرح الفضيلة، التي انتحبت من الوأد غيلة، هلموا إلى التصدي للحملات الإعلامية المغرضة، ضد الإسلام وبنيه، وأن يفعل الإعلام الإسلامي، من حيز التنظير والنجوى، إلى واقع الحراك والجدوى، هذا الرجاء والأمل ومن الله نستلهم التوفيق لصالح العمل. وأضاف: الله شرع على أمة الإسلام في ختام شهر رمضان المبارك إخراج زكاة الفطر؛ فأخرجوها طيبة بها نفوسكم، وهي صاع من غالب قوت البلد؛ ففي الصحيحين من حديث ابن عمر قال: “فرَض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى من المسلمين”. وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام على أن الأمة بحاجة إلى الثبات على الطاعة والتقوى في هذه الأيام أكثر من أي زمان، وأردف: بهما تُستدفع الخطوب، وتُكشف الكروب، ويصلح حالنا علام الغيوب، ولنستمسك بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم ونتأسى بسلفنا الصالح قادة الحق، وسادة الخلق، الذين أسسوا المجد الراسخ، وأتوا على الباطل فضعضعوا أركانه، وقوضوا بنيانه. وأوصى المسلمين بتقوى الله، وألا يركنوا إلى الدنيا وقد ذاقوا حلاوة الطاعة؛ فمن ركن إليها عكلته وأهلكته، وإن الثبات على الطاعة والتقوى لمن علامات قبول العمل. وقال “السديس”: من التحدث بنعمة الله ما نَعِم ويَنعم به المعتمرون والزائرون في رحاب الحرمين الشريفين من منظومة الخدمات المتكاملة المتوجة بالأمن والأمان، والراحة والاطمئنان؛ كل ذلك بفضل الله ثم ما سخّرته هذه الدولة المباركة من جهود لخدمة ضيوف الرحمن؛ حيث اختصها الله بهذا الشرف العظيم.
مشاركة :