هذا فصل مأساوي جديد يؤكد محنة الإعلام المصري، وإلى أين وصلنا! كنت قد أخذت مقعدي في طائرة مصر للطيران المتجهة من جدة إلى القاهرة حين اقتربت المضيفة الرقيقة محيية ومبدية إعجابها بما أطرحه في جريدة "المدينة".. لحظات وجاء مساعد كابتن الطائرة للسلام والترحيب والتحية؛ ثم الحديث السريع عن مصر الذي اختتمناه بالدعاء لها من القلب، ونحن بين السماء والأرض!. والحق أنني لم أهنأ كثيرًا بهذه اللحظات، حيث عادت المضيفة وهي مكفهرّة الوجه خجلًا أو رعبًا، ومدّت يدها بصحيفة مصرية يومية وهي تسألني: هل قرأت ما كتبته عنك هذه الصحيفة؟ قلت: أنا؟ قالت وهي تنسحب: نعم حضرتك! كان اسمي يتصدر مانشيت الصحيفة.. أُكرِّر المانشيت وليس خبرًا في وسط أو أسفل الصفحة باعتباري مسؤولًا عن تكدير الأمن القومي المصري، ومُحرِّضا على العنف، ومُروِّجًا للشائعات والأكاذيب.. والحق أنني حاولتُ أن أفهم ما ورد في التقرير حتى أتبيّن مصدره، فلم أجد سوى الخلط العجيب بين عدة أحداث تم حشر اسمي فيها، وأنا الذي لم أشتبك مع أي نظام أو مع أي جهة في مصر. كانت الحكاية قد تواترت في الدرجة الأولى حيث أجلس، لتتحوّل علامات وأمارات وإشارات الإعجاب والتحية؛ إلى مسائل أخرى من قبيل العطف والشفقة والدعاء لي بالرحمة!. حطت الطائرة في مطار القاهرة، ووقفتُ أمام ضابط الجوازات فإذا به يسألني: شريف قنديل؟ قلت: نعم للأسف! قال وهو يعيد لي جواز سفري: أهلا بك في بلدك.. مصر، نوّرت! قلت لعلهم ينتظرونني في الصالة بعد استلام الحقائب، فإذا الناس تهش في وجهي حتى خرجت من المطار!. دخلتُ بيتي منتشيًا ببلدي وبأسرتي قبل أن يُفاجئني ابني: هل قرأت ما نُشر اليوم في الصحيفة وفي الموقع الإلكتروني الشهير؟ قلت نعم! قال: لا إنها صحيفة أخرى كتب محررها السياسي أنه علم من مصادر خاصة أنني وراء نشر الشائعات في الصحيفة التي أعمل بها في الخليج، وأنني أُكدِّر الأمن القومي بما يستدعي ضرورة القبض عليَّ وفق مصدر أمني رفض التصريح باسمه! هنا بادرتُ بالاتصال بقيادات الجريدتين لأُفاجأ بالردّ! قال رئيس تحرير الصحيفة الأولى مُعتذرًا: أنه لا يرضى أبدًا بما نُشر، وأنه ينتظرني في الصباح في مكتبه، بينما أبدى أحد مُساعديه أسفه الشديد مُقسمًا بالله على أنه لم يكن هناك، وأنه لا يرضى بهذه المهزلة! أما قيادات الصحيفة الأخرى التي علم مخبرها الصحفي من مصادره أنني وراء نشر الشائعات، فقد سارعوا جميعًا بإبداء الأسف والاعتذار، بل بادروا بنفي الخبر، وحذف الخبر الآخر! كان الزميل أمين رزق يشعر طوال الوقت بالغضب من أجلي، فتوجَّه للجريدة الأولى مُؤكِّدًا أنه مسؤول عن كل ما يُرسله من أخبار، وأنه لا يُرسل معلومة واحدة إلا إذا كانت مستقاة من جهة مسؤولة، ومن ثم فإن الزميل شريف قنديل غير مسؤول عن أي خبر يَرِد من القاهرة! في صباح اليوم التالي كنت أدخل مكتب الضابط المسؤول عن تجديد الرقم القومي، فكان أكثر كرمًا وهو يُمطرني بعبارات المجاملة منهيًا أوراقي في دقائق.. وحين توجَّهت لضابط المرور طالبًا تجديد الرخصة أجلسني في مكتبه قبل أن يعود برخص القيادة الجديدة.. يقينًا لو أن غيري روى لي هذه القصة لما صدقت.. لكنني أرويها بل أنقلها حرفيًا، وأنا أتحسَّر على ما وصل إليه الحال في الإعلام المُعتلّ، ولا يريد العلاج!. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :