كرسي إدارة الأندية الأدبية لايستقرّ بصاحبه ولا يترك مكانه شاغرا في مساحة الرأي العام خلال أقل من عامين ومع صخب الخلافات والإشكالات التي مرّت بها إدارات الأندية الأدبية تعاقب عليه أكثر من مدير وأكثر من مسؤول وفي كل تكون الاستقالة مخرجًا أو إحباطا أو يأسا .. اليوم يجلس عليه الشاعر أحمد قران الزهراني وهو المتمرّس في فهم واقع الأندية الأدبية من خلال ارتباطه بنادي جدة الأدبي ..فضلا عن قدراته كشاعر ودود يرتبط دائما بعلاقات إبداعية متعددة تجعلنا أكثر تفاؤلا بواقع إداري آخر للأندية الأدبية بعد أن عكست إشكالاتها الإدارية خلال العامين الماضيين واقعًا محبطا للمثقفين .. بكل إحباطات الماضي القريب ومحاولة الخروج منه نثرنا بين يدي الدكتور أحمد قرّان عددا من هواجسنا .. رؤانا وكان هذا الحوار: * بين الشعر والإدارة .. إلى أين تتجه الأندية الأدبية ...! - لعل الكثير لا يعلم أن محمد الجواهري كان رئيس اتحاد الأدباء العراقيين وصلاح عبدالصبور كان رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب في مصر ونزار قباني سفيرا ومحمد الفيتوري سفيرا وحسن القرشي سفيرا وغازي القصيبي وزيرا وأحمد عبدالمعطي حجازي مدير بيت الشعر وعبدالعزيز خوجة وزيرا ومحمود درويش مستشارا في منظمة التحرير الفلسطينية وعبدالعزيز المقالح مديرا لجامعة صنعاء ومستشارا ثقافيا لرئيس الجمهورية، وغيرهم كثر.. وأنا هنا أتحدث عن الشعراء حسب سؤالك..وهذه مناصب كبيرة ومهامها كبيرة أكبر من مهام مدير عام الأندية الأدبية..لهذا سيكون الشعر رافدا مهما لنجاح الإداري، وأنا بطبعي متفائل دائما ولهذا أحب أن أؤكد أن الفترة القادمة ستكون من أجمل الفترات التي مرت بالأندية الأدبية من خلال معطيات كثيرة لعل أهمها الاستفادة القصوى من التجربة الماضية ثم صياغة اللائحة بما يتوافق ومطالب المثقفين والآلية الجديدة لعملية الانتخابات والتي ستكون ورقية وشفافة وصريحة، إضافة إلى وعي المثقفين بما حل بالأندية في الفترة الماضية وبالتأثيرات السلبية على سمعة الأندية..ثم الاهتمام الذي شعرت به من قبل وزير الثقافة والإعلام بالأندية، وهو ما أكد عليه من أن أهم أجنداته وأولها ملف الأندية الأدبية ، كل هذه المعطيات تجعلني متفائلا بالمستقبل. * إن لم تنجح الانتخابات في الأندية الأدبية .. فلن تنجح في القطاعات الأخرى .. هذا الطرح للأندية الأدبية لها أم عليها ؟ - الانتخابات عملية تراكمية لا يمكن أن تأتي ناضجة متكاملة من الوهلة الأولى وأي قانون أو لائحة في أي قطاع وأي مكان في العالم لابد أن تمر بمراحل عديدة حتى تكون مكتملة إلى أبعد حد..وبالتالي علينا أن نقيس التجربة التي مرت بها الانتخابات في الأندية الأدبية بتجارب الانتخابات في أماكن كثيرة وبالتالي علينا أن نكون منصفين أن هذه تجربة أولى تعلمنا من خلالها الأخطاء والسلبيات وسيفضي ذلك إلى نضوج الفكرة مع الأخذ بعين الاعتبار أن اللائحة لن تكون كتابا منزلا وستكون فيها ثغرات وستحتاج إلى تعديل في مراحل أخرى والأمر متاح لتعديلها مادام الهدف المصلحة العامة وتطوير الأداء في الأندية الأدبية. لن نقول أن الانتخابات لن تنجح في الأندية الأدبية وبالتالي لن تنجح في المؤسسات الأخرى أعتقد أن هذه رؤية ناقصة وغير واعية بالعمل المؤسساتي.الانتخابات في الأندية ستنجح وستكون نموذجا شريطة أن تتهيأ لها فرص النجاح وأهمها أن تكون الانتخابات ورقية وليست إلكترونية. أمنيتي وزارة ثقافة مستقلة والفترة المقبلة ستكون من أجمل فترات الأندية الأدبية التعامل مع المثقفين يختلف عن التعامل مع الموظفين * ما الذي يستطيعه الشاعر أحمد قران الزهراني في إدارة الأندية حين قصر عنه غيره ؟. - لم يقصر الزملاء السابقون في إدارة الأندية الأدبية وربما المرحلة كانت عائقا في وجوهنا جميعا.. فالمشاكل في الأندية كثيرة ومتشعبة ومعقدة وبالتالي تحتاج إلى وقت وإلى صبر وإلى نفس طويل كما تحتاج إلى صلاحيات كاملة. * كرسي إدارة الأندية الأدبية ..طاردٌ لصاحبه .. أم عاجزٌ به ؟ - هذا كرسي على رمال متحركة وهو فعلا طارد لا أستطيع أن أنفي صعوبته وتعقيداته ذلك لأن مدير عام الأندية الأدبية يتعامل مع المثقفين بكل توجهاتهم ومكانتهم وأعمارهم ورغباتهم.. وكل من هؤلاء يرى أنه الأصح في رأيه وبالتالي على من يقبل هذا المنصب أن يكون على وعي بذلك..ودعني أذهب بعيدا فأقول: أن على وزير الثقافة أن يعي أن التعامل مع المثقفين يختلف كلية عن التعامل مع الموظفين لأن المثقف الذي يعمل في قطاعات الدولة الأخرى لا يعنيه هذا القطاع الذي ينتمي إليه وظيفيا بقدر ما تعنيه وزارة الثقافة والأندية الأدبية لأنه يشعر بأنه ينتمي لهذه الوزارة شعوريا وبالتالي يرى أن عليها أن تقدره وتحتفي به.. إذا على مسؤولي وزارة الثقافة حمل ثقيل في هذا الجانب وعليهم أن يتعاملوا من هذه الزاوية مع كل المثقفين. * العلاقة بين جمعية الثقافة والفنون والأندية الأدبية .. تداخل في المهام وتصارع في التنفيذ.. تعليقكم على العلاقة بينهما ..! - ليس هناك تداخل في المهام .. لماذا لا نقول أن هناك تعددا في المهام.. ماذا يضير لو تبنت جمعية الثقافة والفنون نشاطا أدبيا كالأمسيات الشعرية مثلا.. أو ندوة نقدية وماذا يضير لو أن النادي الأدبي تبنى معرضا تشكيليا. . أليست تصب في مصلحة الثقافة والفنون السعودية؟ ! وأيضاً ماذا لو قدمت المكتبات العامة أنشطة ثقافية..كل هذه مساهمات إيجابية في المشهد الثقافي السعودي. * في البيان ( الشعري الإداري ) الذي تصدّر حضوركم لكرسي إدارة الأندية الأدبية قلتم مانصه (ولعلها الأقدار التي وضعتني في هذا المكان الذي تعلمون أكثر مني مصاعبه وإشكالياته ) أين تتلخّص المصاعب .. وما مرئياتكم لتجاوزها ؟. - لقد رغبت من هذا البيان أن أقترب من الزملاء رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الأندية الأدبية وأحببت أن أشعرهم - وهم بالمناسبة أكثر ثقافة ووعيا وحضورا مني - أحببت أن أشعرهم بالمشاركة المتبادلة في هموم الأندية ومشاكلها وأدعوهم أن يساعدوني لحل هذه المشكلات.. أما المصاعب فقد أشرت اليها سابقا وتكمن في التعامل مع النخبة في المجتمع والذي يرى أنه الأحق بالتكريم والاحتفاء وأنه يجب احترام رأيه وتقدير عطاءاته الثقافية ويشجب التجاهل ويمقته ففي حين يكون عميدا لإحدى الكليات لا يطلب من جامعته الا في حدود مسؤولياتها الادارية والاكاديمية يكون في ذات الوقت مثقفا يطلب من وزارة الثقافة والإعلام ومن الإدارة العامة للأندية الأدبية أن تضعه في المكان الذي يليق به، إضافة إلى التعقيدات الإدارية في الأندية الأدبية وما يصاحب ذلك من ضعف مالي في الأندية. * الإدارات التي سبقتكم خلصت إلى اليأس من قدرة الأندية الأدبية على الاستمرار وفق متطلبات هذا العصر وضرورة تحويلها إلى مراكز ثقافية .. أين تقفون من هذه النهاية اليائسة كبداية ؟!. - أنا مع إنشاء مراكز ثقافية تضم كافة الفنون ، لكني أرى الإبقاء على الأندية الأدبية التي قدمت للساحة الثقافية خدمات كبيرة من خلال تقديم مواهب إبداعية على مدى عقود مضت ومن خلال منتجها الثقافي الذي وصل في بعض جوانبه إلى أغلب الدول العربية.. الأندية الأدبية تاريخ أدبي حمل الثقافة السعودية في ظل متغيرات كثيرة مرت بها الثقافة السعودية..وعلى كل علينا الآن أن نتعامل مع واقع معاش.. وعلينا بدلا من المطالبة بإلغائها أن نطالب بتطوير الأداء فيها من خلال تعدد مناشطها ومهامها وفعالياتها.. لابد أن نكون واقعيين وأن نحافظ على هذا المكتسب ونسعى إلى تطويره ومحاولة دعمه بروافد ثقافية أخرى. * التفاوت الكبير في مستويات وأداء الأندية الأدبية في المملكة .. يرى البعض أن المسؤول عنه الإدارة المركزية للأندية الأدبية ..ماتعليقكم ؟!. - لن أنفي المسؤولية التي تقع على الإدارة العامة للأندية الأدبية في هذا الجانب رغم استقلالية الأندية الأدبية ثقافيا وإداريا وماليا. . إلا أن على الإدارة العامة للأندية الأدبية ممثلة لوزارة الثقافة والإعلام أن تراقب أنشطة الأندية الأدبية وأن تبدي ملاحظاتها دون تدخل مباشر وإنما تأتي الأمور وفق آليات التفاهم والتعاون والتكامل..وعلى وزارة الثقافة والإعلام أن تقدر النادي الأدبي الذي يعمل أكثر من النادي الذي لا يعمل..المسؤولية مشتركة، والإيجابيات سيجنيها النادي الذي يعمل والسلبيات ستشارك فيها الإدارة العامة للأندية الأدبية. * الحضور الضعيف جدا لمناسبات النوادي الأدبية لاسيما في مدن كبيرة كالرياض وغيرها ألا يشير إلى أنها تسير في الاتجاه الخاطئ ؟. - لقد تيسر لي المشاركة في كثير من المهرجانات والملتقيات والمؤتمرات في الدول العربية ولاحظت أن هذه المشكلة ليست محلية فحسب بل هي معاناة تعاني منها كافة المؤسسات والفعاليات الثقافية العربية.. ولك أن تتخيل أن الفعاليات الثقافية في القاهرة وهي أكبر عاصمة عربية من حيث تعدد المناشط الثقافية ومن حيث الكثافة السكانية تخيل أن الحضور يتساوى مع الحضور في الأندية الأدبية بالمملكة..إذا الإشكالية ليست في الأندية بشكل مباشر وإن كان هذا لا يعفي القائمين عليها من المسؤولية في البحث عن طرق جذب للجمهور.. واستخدام كافة الوسائل لذلك. * أخيرا حين يرتبط منصب مدير الأندية الأدبية بمكتب الوزير مباشرة .. ماذى تبقّى لوكالة الوزارة للشؤون الثقافية .؟! . - الحقيقة أن الإدارة العامة للأندية الأدبية يجب أن تتحول إلى وكالة وزارة للأندية الأدبية وذلك للأهمية الكبيرة التي تحتلها الأندية الأدبية وللمكانة والأهمية التي يحتلها الأديب والمثقف السعودي ولكي يشعر بهذه الأهمية من قبل وزارة الثقافة والإعلام يجب أن تنشأ وكالة وزارة خاصة لذلك. .أما وكالة الوزارة للشؤون الثقافية فلديها مهام كبيرة ومتعددة من ذلك: المكتبات العامة والتي تزيد على 80 مكتبة إضافة إلى معرض الرياض الدولي للكتاب والجمعيات الأخرى .. جمعية الثقافة والفنون وجمعية المسرحيين وجمعية التشكيليين وجمعية الفوتوغرافيين والأنشطة الثقافية المتعددة التي تقع تحت مسؤولية الإدارة العامة للأنشطة الثقافية إضافة إلى الفعاليات الثقافية الأخرى المقترنة بالمناسبات المحلية والدولية.. كل هذه المناشط من مسؤوليات وكالة الوزارة للشؤون الثقافية.. إذا هناك مسؤوليات ثقافية عديدة تشرف عليها وتنظمها وكالة الوزارة للشؤون الثقافية. أما ارتباط الإدارة العامة للأندية الأدبية بالوزير مباشرة فهو قرار صائب وفي مكانه - ولا ولن يتعلق بشخصي المتواضع أو باي شخص آخر وانما قرار وزاري ، حتى لو لم أبق في منصبي فإنني أدعو معالي الوزير الى أن تظل الادارة العامة للأندية الأدبية مستقلة ومرتبطة بالوزير مباشرة، وسيكون لذلك الأثر الإيجابي آنيا ومستقبلا.. وسيكون مساهما في انحسار مشاكل الأندية الأدبية والتعاطي معها بشكل سريع وفعال ومباشر. * أخيرًا مساحة مفتوحة لتقول من خلاله مالم تطلبه الأسئلة .. كم أتمنى أن تكون هناك وزارة ثقافة مستقلة.. ولقد حان الوقت لذلك.
مشاركة :