بغداد: حمزة مصطفى رغم العدد الكبير لمرشحي الانتخابات العراقية (تسعة آلاف مرشح ومرشحة يتنافسون على 328 مقعدا) فإنها لا تزال تعكس الطبيعة العرقية والمذهبية للواقع الاجتماعي والسكاني في العراق، مع رغبة لا تزال خجولة باتجاه التغيير الذي لا تزال تمثله بدائل مدنية وديمقراطية سعت إلى الإفادة من قانون «سانت ليغو»، الذي التفت عليه القوى المتنفذة. وفي وقت يرفع كل المرشحين من كل الكتل والقوائم شعار التغيير، فإن هذا التغيير يعكس هو الآخر رغبات تبدو شديدة التباين. ومن أكثر من 107 ائتلافات وكيانات سياسية قدمت أوراق ترشيحها للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وصودق عليها، فإن واقع الحال يشير إلى أن هناك ثلاثة اتجاهات في الانتخابات العراقية؛ الأول تمثله الكتل التي لا تزال تعكس خارطة القوى المهيمنة الرئيسة التي تسيدت المشهد السياسي، بعد سقوط حكم صدام حسين؛ أولها التحالف الوطني (الشيعي) الذي تمثله الآن ثلاث قوى رئيسة في الانتخابات، هي ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم. القوى الرئيسة الثانية هي التي تمثل المكوّن السنّي، التي كانت قد دخلت انتخابات عام 2010 تحت اسم «القائمة العراقية» وحصلت آنذاك على أعلى الأصوات (91 مقعدا)، لكن منعها من تشكيل الحكومة أدى إلى تشرذمها، مما جعلها تدخل انتخابات عام 2014 عبر ثلاث كتل رئيسة، وهي «متحدون للإصلاح» بزعامة أسامة النجيفي، التي تعدّ نفسها الوريث الشرعي لـ«القائمة العراقية»، وكتلة «العربية»، بزعامة صالح المطلك، و«الوطنية» بزعامة إياد علاوي. والقوة الرئيسة الثالثة هي التحالف الكردستاني الذي لا يزال يعكس موقفا يتسم بالثبات حيال العلاقة مع بغداد، على الرغم من الخلافات العميقة بين الأطراف الكردستانية في إقليم كردستان. أما الاتجاه الثاني الذي بات يعكس الخارطة السياسية ذات الرمال المتحركة، فهي الكتل والقوى التي تناسلت مع الكتل الرئيسة لتمثل نوعا من الالتفاف على قانون «سانت ليغو» الانتخابي، وهي اتجاهات قد لا تمثل واقعا آيديولوجيا جديدا بقدر ما تعطي صورة مشوهة عن الديمقراطية العراقية. وثمة اتجاه الثالث يتمثل بالبديل الديمقراطي المدني الذي تعكسه مجموعة من القوى والائتلافات والكيانات الجديدة، وأبرزها التحالف المدني الديمقراطي الذي يضم الشيوعيين والليبراليين والتقدميين. وفي سياق ما يراه كل طرف من هذه الأطراف، فإن القاسم المشترك للجميع هو المضي باتجاه تشكيل حكومة الأغلبية السياسية التي باتت تمثل همّا سياسيا للجميع. لكن مفهوم الأغلبية السياسية يختلف من طرف إلى آخر اختلافا يكاد يكون جذريا؛ فبالنسبة لائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، يقول عضو البرلمان عن هذا الائتلاف، صادق اللبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «دولة القانون ستحصل على أغلبية مقاعد البرلمان المقبل، وبالتالي فإن هذه الأغلبية داخل التحالف الوطني (الشيعي) تجعل أمر التحالفات مع الكتل الأخرى أمرا سهلا». وردا على سؤال بشأن القوى التي يمكن أن يتحالف معها ائتلاف دولة القانون، في وقت ترفض ذلك بقوة الكتل الشيعية الرئيسة داخل التحالف الوطني، مثل الأحرار والمواطن، يقول اللبان إن «الصورة بعد الانتخابات ستختلف كثيرا عما يقال الآن»، مشيرا إلى أنه «حتى داخل هذه القوى فإن هناك حراكا آخر، بالإضافة إلى تحالفات أخرى تجعلنا مطمئنين إلى ذلك». لكن محمد الخالدي، مقرر البرلمان العراقي والقيادي في كتلة «متحدون»، يرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «القوى المناوئة للمالكي هي الأكثر، وبالتالي ليس بوسعه أن يشكل حكومة جديدة، وهذا يعني أنه لا ولاية ثالثة». ويضيف الخالدي أن «لدينا تفاهمات مع الصدريين والمجلس الأعلى والحزب الديمقراطي الكردستاني، بما يجعلنا نحقق الأغلبية الكاسحة داخل البرلمان المقبل». هذه الفرضية يعززها النائب المستقل والمرشح حاليا عن التيار الصدري حسن العلوي، لكن برؤيا مختلفة، يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة بالنسبة للمالكي ليست في عدد المقاعد التي سيحصل عليها، بل مع مَن يتحالف». ويرى العلوي أن «خصومات المالكي مع العرب السنّة ومع بيئته الشيعية ومع الأكراد جعلته غير قادر على تشكيل أغلبية لتشكيل الحكومة، حتى لو حصل على 120 مقعدا». غير أن هناك إشكالية في منطق التحالفات نفسه داخل البيت الشيعي. وفي هذا السياق، يقول القيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي، إن التيار «لديه تفاهمات كبيرة مع مختلف الأطراف، وبالذات كتلة المواطن (المجلس الأعلى) ومتحدون والأكراد لمنع وصول المالكي إلى ولاية ثالثة»، مشيرا إلى «أننا سنطرح شخصية أكاديمية وليست مرشحة للانتخابات الحالية ليتولى رئاسة الحكومة»، غير أن هذه الرؤيا لا تزال غير واضحة المعالم لدى المجلس الأعلى، إذ يقول نائب رئيس كتلة المواطن عبد الحسين عبطان لـ«الشرق الأوسط» إن «الحديث عن تفاهمات في وقت لم تجرِ فيه الانتخابات أمر سابق لأوانه إلى حد كبير»، نافيا «وجود تفاهمات مع أحد بهذا الخصوص، مع التأكيد على أن لدينا حرصا في أن يكون التحالف الوطني هو المؤسسة التي تحدد رئيس الوزراء المقبل».
مشاركة :