صحيفة المرصد :رغم انخفاض أسعار النفط إلى أقل من 80 دولارا للبرميل في الفترة الماضية، ما دفع المحللين إلى التحذير من مخاطر استمرار هذا الانخفاض على معظم اقتصاديات العالم، مع رسم العديد من السيناريوهات الأكثر تشاؤما منذ أربع سنوات، لا سيما مع اكتشافات الزيت الصخري الأمريكي ومنافسته في الأسواق العالمية وزيادة العرض عن الطلب، رغم كل ذلك فإن الرؤية إلى النفط السعودي على وجه التحديد تظل خارج كل الحسابات والتوقعات، وهي رؤية خاصة جدا تمتد تاريخيا إلى ما هو أبعد من الأزمة الحالية، وأعمق من تحليلات الاقتصاديين في الغرب بوجه عام والولايات المتحدة بصفة خاصة. وربما تفسر في البداية القصة التي رواها الدكتور غازي القصيبي في كتابه الوزير المرافق جزءا من حقيقة هذه الرؤية الأمريكية للنفط السعودي واستمرارها حتى الآن. وبحسب صحيفة مكة في الفصل المعنون البيت الأبيض.. بين سيدين تناول القصيبي الرئيس نيكسون إمبراطور واشنطن كما يسميه، وفضيحة أو قضية ووترجيت التي أطاحت به من رئاسة الولايات المتحدة، حيث قدم استقالته ورحل، وكان هو السيد الأول الذي التقاه القصيبي في الزيارة الأولى عام 1974 مع النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وقتئذ الملك فهد بن عبدالعزيز. ويحكي القصيبي أن وزير الدفاع في عهد الرئيس نيكسون هو جيمس شليسنجر، وحين صار وزيراً للطاقة في عهد الرئيس جيمي كارتر ترأس الوفد الأمريكي في اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين السعودية والولايات المتحدة، بينما تولى الملك فهد رئاسة الجانب السعودي، وعرض شليسنجر وقتئذ مقترحا -لا يخلو من غرابة وطرافة في نفس الوقت حسب تعبير القصيبي- ومفاده أن تبني المملكة وعلى نفقتها المخازن المعدة للاحتياطي الاستراتيجي النفطي في أمريكا، ثم تشحن النفط على نفقتها الخاصة إلى أمريكا لوضعه في المخازن، لضمان تدفق النفط لو حصلت اضطرابات، وأنه بوسع السعودية أن تحظر النفط بكل اطمئنان، بعد ذلك. يقول القصيبي: كوزراء سعوديين حاضرين، جميعنا نظرنا لبعض وحسدنا الملك فهد على سعة صدره وهدوء أعصابه ورباطة جأشه، فقد قال للوزير الأمريكي: هذه على كل حال فكرة تستحق الدرس والعناية... تلك كانت واشنطن نيكسون أما واشنطن كارتر فليس هناك أباطرة ولا نجوم. رئيس متواضع لكنه كما وصفه الملك فهد: لا ينفع صديقاً ولا يضر عدوا، فقد تبنى الاعتراف في تلك الأيام بمنظمة التحرير بشروط ليست صعبة، وذلك بفضل جهود فهد الدبلوماسية وحنكته السياسية. ولفت إلى أن النظرة الأمريكية إلى قوة النفط السعودي والثقل السياسي والاستقرار الاقتصادي للمملكة، لم تتغير من زمن نيكسون في سبعينات القرن العشرين حتى العقد الثاني من الألفية الثالثة مع الرئيس أوباما مرورا بريجان وبوش الأب والابن. معاناة إيرانية وروسية في ذات السياق أكد مارتن فيلدشتاين، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، عضو المجلس الاستشاري للاستخبارات الخارجية في عهد الرئيس بوش (2006)، والخبير بالمجلس الاستشاري للانتعاش الاقتصادي في عهد الرئيس أوباما (2009)، وحاليا مجلس العلاقات الخارجية ومجموعة الثلاثين لمعالجة القضايا الاقتصادية العالمية. أكد في مقال كتبه بموقع سيندكت بروجكت عن الأثر الجيوسياسي للنفط الرخيص، 26 نوفمبر الحالي 2014، يقارن فيه بين الدول المصدرة والمستوردة، والدول الرابحة والخاسرة نتيجة تراجع أسعار النفط، أن دولا مثل: فنزويلا وإيران وروسيا ستعاني كثيرا من انخفاض أسعار النفط وأن مستويات أدنى من ذلك (60 دولارا للبرميل) قد تؤدي إلى عواقب جيوسياسية كبيرة، وستخلق مشاكل حادة في روسيا بشكل خاص. ذلك أن الرئيس فلاديمير بوتن لن يظل قادراً على الحفاظ على برامج التحويلات المالية التي تدعم مستويات دعمه الشعبي حاليا. انتعاش اقتصاد أمريكا في المقابل يشكل انخفاض أسعار النفط انتعاشا للاقتصاد الأمريكي، لأنه يعني ضمناً ارتفاع الدخول الحقيقية للمستهلكين الأمريكيين. وداخل الولايات المتحدة، تعمل الأسعار المنخفضة على تحويل الدخل الحقيقي من منتجي النفط إلى الأسر الأمريكية، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الطلب في الأجل القريب لأن الأسر تنفق نسبة أعلى من دخولها مقارنة بما تنفقه شركات النفط. ولنفس السبب، تعطي الأسعار المنخفضة دَفعة للطلب الكلي في أوروبا وآسيا ومناطق أخرى مستوردة للنفط. أرباح معقولة للسعودية أما بالنسبة للسعودية وهي من الدول الرئيسة المصدرة للنفط، فإنها تختلف عن غيرها من الدول المنتجة من ناحيتين مهمتين، كما يقول فيلدشتاين: أولا، تكاليف استخراج النفط منخفضة للغاية، وهذا يعني أنها ستتمكن من الإنتاج بهامش ربح معقول بالأسعار الحالية ــ أو حتى عند مستوى أقل كثيراً من الأسعار. وثانيا، تسمح الاحتياطيات المالية الهائلة للسعودية وغيرها من الدول الخليجية بتمويل أنشطتها المحلية والدولية لفترة طويلة، في حين تسعى إلى تحويل اقتصاداتها للحد من اعتمادها على عائدات النفط.
مشاركة :