يتسبب الصيام، لفترات طويلة من اليوم، في حدوث العديد من التغيرات الفسيولوجية كتراجع الطاقة وزيادة الشعور بالجفاف وتغيرات في أداء الجهاز الهضمي. يستطيع من يرغب في ممارسة الرياضة، خلال رمضان، التكيف مع كل هذه العوامل، إذا تمكن من الإنصات الجيد إلى جسمه وتجنب كل ما من شأنه أن يزيد من تعبه وإجهاده، في الوقت المناسب. الرباط - لشهر رمضان أجواؤه ونكهته الخاصة، فإلى جانب روحانيته، يساهم شهر الصوم في تغيير روتين الحياة اليومية المرتبط بنظام التغذية والنشاط البدني. ويعتبر الشهر الفضيل فرصة للاستفادة من ممارسة الأنشطة الرياضية للمحافظة على حيوية الجسم وصحته، الأمر الذي يفرض تغير العادات اليومية بالنظر إلى نقص عدد ساعات النوم وقلة النشاط البدني في النهار وتركيزه في الفترة المسائية. ويطرح اختيار عدد من الصائمين ممارسة هواياتهم في الركض أو خوض مباريات في كرة القدم أو ركوب الدراجة الهوائية قبيل موعد الإفطار، إشكالية تأثير الصوم على الممارسة الرياضية. وإذا كان ممارسو الرياضة بكيفية احترافية موضوع تتبع وعناية من طرف الأطباء المتخصصين، فإن إقبال الأشخاص غير المؤطرين طبيا على الرياضة أساسا بصفة موسمية جعل الأخصائيين في أمراض القلب والشرايين وداء السكري وفي الطب الرياضي يرصدون هذه الظاهرة ويقومون ببحوث ميدانية ودراسات على مختلف الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية وأصناف الممارسين. وتروم هذه الدراسات تقييم مدى تأثير الصوم على الممارسة الرياضية لدى مختلف الفئات للتعرف على العناصر المؤثرة على مردودية الممارس (التغذية ، النوم ، النشاط ..)، وكذا تأثير النشاط البدني على المصابين ببعض الأمراض كالقلب والسكري وغيرها والذين لا يمارسون الرياضة بكيفية منظمة وحسب برامج عملية وعلمية تراعي خصوصيات كل ممارس. وترتبط الانعكاسات السلبية لممارسة الرياضة في رمضان ببعض السلوكيات الخاطئة، وتشمل مخاطر فقد السوائل الزائد والتعرض للجفاف الذي يسبب في البداية شعورا بالعطش الشديد، وإذا استمر فقد السوائل، فقد يتقدم الجفاف لمراحل أكبر، إذ يصل إلى حد الشعور بهبوط عام في الجسم، وقد يصل لفقدان الوعي الكامل. وفي هذا السياق، يقول الدكتور العياشي الحارثي، طبيب رئيسي بالمركز الصحي حي السلام واحد بسلا والمتخصص في الطب العام والطب الرياضي، إن لا أحد يجادل في كون ممارسة الرياضة جد مفيدة بالنسبة إلى الإنسان وخاصة بعض الأنواع كالركض والسباحة والمشي، مع الالتزام بالمعايير الصحية المعمول بها وعلى الأخص في شهر رمضان. وسجل أن ممارسة الرياضة في شهر رمضان ينبغي أن تراعى فيها عدة شروط، من بينها عدم ممارسة الرياضة بكيفية عشوائية ومراعاة طاقة الجسم وأن تمارس بكيفية تدريجية على امتداد الشهر وتكون قبيل الإفطار بساعة أو ساعتين أو بعده بساعتين أو ثلاث ساعات. وقال إنه من أجل ممارسة الرياضة في شهر رمضان دون التعرض لمخاطر، هناك شروط تتحدد في تمتع الشخص الذي يرغب في ممارسة النشاط البدني بصحة جيدة وعدم إصابته بأي أمراض مزمنة كالسكري والفشل الكلوي وأمراض القلب. وينصح الحارثي هذه الفئة في حالة السماح لها بالممارسة أن تقتصر على المشي والحركات الخفيفة حتى لا تتعرض للإعياء. وذكر الدكتور الحارثي أن من إيجابيات ممارسة الرياضة في شهر رمضان حرق الدهون الزائدة في الجسم، حيث تساهم الساعات الطويلة من الصيام في استجابة الجهاز العصبي وتنشيط مركز تقنين مخزون الطاقة الذي يؤدي إلى حرق الدهون المخزونة في النسيج الدهني لتوفير السعرات الحرارية الضرورية للقيام بالوظائف الأساسية وبالأنشطة البدنية اليومية. وأضاف أن ممارسة الرياضة في رمضان تساهم أيضا في تعزيز النسيج العضلي وتقوية الجسم وتنقيته من السموم وتنشيط الأجهزة المختلفة، فضلا عن تقوية جهاز المناعة والرفع من كفاءته. التدرب أثناء الصيام يفرض مراعاة طاقة الجسم المتغيرة التدرب أثناء الصيام يفرض مراعاة طاقة الجسم المتغيرة وأكدت الدراسات الحديثة أن زيادة النشاط الذي يترافق والصيام في شهر رمضان، له تأثيرات صحية إيجابية، فقد عمد باحثون من المركز الوطني للطب وعلوم الرياضة في تونس، إلى إجراء دراسة على مجموعة من الرياضيين، ممن صاموا شهر رمضان، وحافظوا على أدائهم الرياضي خلال هذا الشهر، عند خضوعهم للتدريبات المكثفة الاعتيادية. وطبقا لنتائج الدراسة التي ظهرت في الدورية الدولية للطب الرياضي، تبين أن التغير في النمط الغذائي الذي تفرضه طبيعة الصيام المتقطع خلال شهر رمضان، والذي ترافق وممارسة التدريبات، أدى إلى حدوث انخفاض واضح في كتلة الجسم، مصحوبا بتراجع في كميات الدهون فيه. وفي السياق ذاته، أظهرت دراسة أعدها فريق من المختصين من المعهد الأعلى للرياضة والتربية البدنية بمدينة صفاقس التونسية، دورا محتملا للصيام خلال شهر رمضان في التخلص من الدهون في الجسم. وطبقا للدراسة التي شملت مجموعة من الرياضيين الذكور، من الصائمين خلال شهر رمضان، والذين خضعوا لبرنامج خاص بممارسة التمارين الرياضية من الدرجة المتوسطة، ظهر أن الصيام يرفع من قدرة الفرد على حرق الدهون أثناء أداء التمارين البدنية. ولم يخف الدكتور الحارثي أنه كما لمزاولة الرياضة في الشهر الفضيل فوائد جمة، فإنها تنطوي على مخاطر ما لم تتم ممارستها بطريقة عقلانية، وأخطرها الإصابة بالجفاف والهبوط الحاد في نسبة السكر في الدم، وبالتالي تعريض الأعضاء الحيوية في الجسم بما فيها القلب والكلى إلى أضرار كبيرة. وخلص إلى أن أغلب الأطباء ينصحون الصائمين بالحرص على شرب كمية كافية من الماء بين وجبتي الفطور والسحور لتعويض النقص الذي قد ينتج عن ممارسة النشاط البدني خلال النهار، وتناول السكريات السريعة أثناء الإفطار والسكريات البطيئة في السحور تفاديا للهبوط الحاد في نسبة السكري أثناء النهار. الاحتياجات المائية تختلف حسب الأفراد، تعتمد على وجه الخصوص على كمية التعرق أثناء ممارسة الرياضة في البيئات الحارة. فالصيام لا يؤثر على احتياجات السوائل الخاصة بالفرد إلا إذا قام هذا الأخير بتغيير نوع الجهد المبذول. ومع ذلك، فإن التحدي يكمن في تعويض كل خسائر السوائل عند الإفطار وقبل السحور. هذا الوقت الضيق نسبيا يدفع لأن تكون للفرد فرصة للارتواء. وجاء في تقرير، نشر في موقع الجمعية المغربية للتواصل الصحي، أن التدريب البدني يحسن بشكل كبير قدرة العمل العضلي. هذا التحسن هو نتاج لعملية تكيف القلب والأوعية الدموية (ارتفاع تحميل الأكسجين من الهواء المحيط إلى الأنسجة العضلية) ولكن أيضا تكيف العضلات. يقلل التدريب من معدل ضربات القلب أثناء الراحة (دون زيادة معدل ضربات القلب القصوى) ويزيد في كتلة عضلة القلب (البطين الأيسر في المقام الأول) وكذا حجم ضخ الدم ويقلل من استهلاك الأكسجين في عضلة القلب ويحسن استخراج الأكسجين في العضلات عموما. وأفاد التقرير أنه بالإضافة إلى العادات الغذائية، فإن مستوى النشاط البدني المعتاد له دور في التطوير أو الوقاية من الأمراض المزمنة الأكثر شيوعا. فقد أثبتت نتائج دراسة تحليل العوامل السلوكية المرتبطة بالوفيات أجريت في الولايات المتحدة في عام 2000 أن الجمع بين سوء التغذية مع قلة النشاط البدني شكلت سبب 17 بالمئة من الوفيات، ويعتبر السبب الثاني للوفاة بعد التدخين. وبغض النظر عن حجم الجسم والعمر، يرتبط انخفاض مستويات النشاط البدني بزيادة خطر مجموع الوفيات، وفيات أمراض القلب بشكل عام والتاجي على وجه الخصوص، وزيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، وبعض أنواع السرطان (سرطان القولون) وكذلك الحالة النفسية (القلق والاكتئاب). النشاط البدني يساهم أيضا في السيطرة على الوزن والحفاظ على الاستقلالية بين كبار السن. وأوضح التقرير أن الجهاز العضلي يحصل على الطاقة، خلال فترة الصيام، من الغلوكوز الموجود في الكبد، فإذا زاد المجهود البدني وزادت الحاجة للطاقة ولم تكفِ كمية الغلوكوز بالكبد لإمداد العضلات، يقوم الجهاز العضلي بتحليل الدهون من الأنسجة الشحمية وأكسدة الأحماض الدهنية. وإذا قلّت الأحماض الدهنية، يتجه الجهاز العضلي إلى أكسدة الدهون الموجودة في الكبد، لذا يعتبر الصيام والرياضة فرصة لحرق الدهون المخزونة.
مشاركة :