الكم والكيف في تلاوة كتاب الله .. !!

  • 6/10/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ) يحرص المسلم في شهر رمضان على تلاوة القرآن الكريم كجزء من برنامجه العبادي محاولا قراءة أكبر عدد من سوره وأجزائه وختم القرآن الكريم عدة مرات طلبا للأجر والثواب من الله. ولكن هذه التلاوة اللفظية والقراءة السردية والشكلية والسريعة لكتاب الله لا تُساعد المسلم على التدبر والتفكر والتأمل في التلاوة وفهم المعاني وأخذ العِظة والعِبرة والتزود بالسلوك الإنساني الرفيع والقيم الفطرية والأخلاق الفاضلة والعلوم المختلفة والشعائر المعظمة. وأيضا فإن هذه القراءة لآيات الذكر الحكيم لا تجعل من المسلم قادرا على تحويل طاقة التلاوة إلى أفعال وسلوك تتجسد في حركته وتفاعله مع نفسه أو مع مجتمعه أو انسانيته ولا تجده قادرا على الانطلاق نحو الآخر في علاقته أو النظر إلى نفسه أو فهم العِظة والعِبرة من الأقوام السابقة أو بناء حاضره أو مستقبله على أساس إيماني واع ومتزن. وكل ما سبق يعطينا مؤشرات واقعية وملموسة يمكن مشاهدتها بدقة في حركة سلوك الفرد أو المجتمع الإسلامي التي تجد في واقعها كل ما يخالف تعاليم القرآن الكريم من الشرك بالله والأنانية والعداوة والبغضاء والقتل والغش ومخالفة النظام وعدم جودة العمل والنظر إلى المحرمات والسعي وراء الشهوات وقلة الأعمال الصالحة والتطفيف واضاعة الحقوق وتستغرب وتتعجب من أن قرآنا يُتلى في الصبح والمساء ومازال المسلم لا يعي ولا يُدرك أهمية ما يقرأ ولا يستوعب مضامين هداية كتاب الله للناس. والطرح الذي يفرض نفسه علينا ويحتاج منا إلى محاولة تشخيص دقيق لواقع تلاوة كتاب الله بين الكم الكبير للتلاوة والكيف الضعيف والمحدود الذي لا أثر له في سلوك وأداء الفرد وكيف انعكس ذلك على مجتمعه وبيئته وأصبح فيها لبنه غير صالحة فكان البناء العام للمجتمع ضعيفا وغير مستقر وتنخره الأمراض النفسية والاجتماعية والإنسانية والقانونية والاقتصادية والسياسية . ولمحاولة فهم ظاهر الاهتمام بالكم في تلاوة كتاب الله على حساب الكيف نطرح بعض العوامل التي ساهمت في ذلك: ·       ضعف المسلم في فنون اللغة العربية وآدابها وبلاغتها وصياغتها ونحوها وصرفها وترادف وتضاد معانيها وأسمائها ودلالات أفعالها وأمثالها والاشتقاق والتعريب والأوزان وخصائص الصوت فيها. ·       أزمة العقل الجمعي للفرد في تأطير ورسم القيم والعلاقات والبُنية النفسية له وثباتها وعدم قدرته على التقييم أو التفكير في واقعه خارج الجماعة والتغيير نحو الأفضل وأن كل محاولة فردية للخروج عن الدائرة سوف يتصدى لها العقل الجمعي في خطابه وأدائه بالمقاومة والوأد. ·       النظر إلى القرآن الكريم من قبل المسلم أنه كتاب عبادة وليس كتاب هدى للناس في كافة مجالات الحياة الإنسانية والسلوكية والاقتصادية والقانونية والحقوقية والروحية والإيمانية وأنه لجميع الناس بمختلف أنواعهم وطوائفهم ومذاهبهم وأديانهم وأن قيم القرآن الكريم تجمع كل بني البشر . ·       اخضاع وقصر وبيان وتفسير معاني وقيم ومرجعية القرآن الكريم على فئة محدودة من السلف والعلماء السابقين وعدم افساح المجال أمام العلماء المعاصرين والمفكرين والمتخصصين على إعطاء رؤية متجددة وحيوية تناسب الزمان والمكان والظروف والإمكانيات التي يعيشها الناس. ·       توجيه عقل ومشاعر المسلم من خلال الخطاب الإسلامي المتنوع نحو تلاوة وحفظ وتجويد القرآن الكريم فقط وعدم توعيته وحثه على التفكر والتدبر والتأمل في كتاب الله وذلك لغياب مهارات وأدوات التفكير في بُنية الخطاب الإسلامي والتي سوف تُحرك الدافعية فيه والنظر والامعان. ·       جهل المسلم بأدوات العلم الحديث والمعاصر وقواعده وفنونه وضعفه الشديد في القراءة والاطلاع والمذاكرة والتدارس وأن استكشاف النص القرائي ومضامينه وبيان جماله وصوره وخيالاته غير موجود في دائرة اهتمامه أو رصيده المعرفي والثقافي والعلمي. ·       تأثير الموروث الشعبي والتراثي والخرافي والأسطوري والسحر والشعوذة على العقل الباطن للفرد في حياته وتحكمه في تصرفاته وغلبته أمام قيم ومبادئ وتعاليم ومنطق القرآن الكريم. قد يكون ما طرحته أصاب شيئا من التشخيص أو قد تكون هناك أسبابا أخرى تدعونا للاهتمام بالكم في تلاوة كتاب الله على حساب الكيف ولكن الأهم هو أننا إذا بقينا على حالة العناد والجمود وعدم القبول بأننا لازلنا غير قادرين على فهم مضمون وإعجاز القرآن الكريم والفرق الشاسع بين التلاوة له كألفاظ وتجويد وبين تطبيق قيمه ومعانيه ومبادئه وقوانينه ورسالته والإيمان بما ورد فيه كنتيجة وواقع ملموس في حركة تفاعل المسلم في الحياة الدنيا مع نفسه ومع كل ما حوله. إننا اليوم نستحي أن نقف أمام العالم ونحن نفتخر بأننا أمة القرآن الكريم التي أخذت من الانتماء له شعارا ومن التطبيق لرسالته ومبادئه ووحدانية الله ابتعادا وأن الأمم والشعوب والمجتمعات المتقدمة اليوم استفادت وأرست قواعد حياتها ومنهجية تفكيرها وحركتها وإبداعها وتقدمها وأسس عدالتها ومواساتها من قيم ومبادئ وتعاليم القرآن الكريم. أخيرا.. فليكن مبدأنا أن القرآن هدى للناس عامة وللمسلمين والمؤمنين به خاصة متى ما أخذنا بعين الاعتبار أن الموانع والحواجز التي يُمكن أن تُؤثر في فهمنا له وتحجب عنا إعجازه ونوره بحاجة إلى تصحيح وأن بقاء الكم في تلاوته على حساب الكيف في تدبره لن يُغير شيئا فينا.

مشاركة :