«إدارة الأصول في دول مجلس التعاون الخليجي – أربع أفكار لتحقيق التوازن» عنوان مقالة كتبها م.ر. راغو، محلل مالي معتمد، عضو جمعية المحللين الماليين المعتمدين في الكويت. وجاء فيها ما يلي: تهيمن صناديق الثروة السيادية وصناديق التقاعد على مشهد الاستثمار المؤسسي في دول مجلس التعاون الخليجي، تليها الكيانات المملوكة من قبل الحكومة وشركات التأمين. وبوصفها فئة من المستثمرين المؤسسين، فإن صناديق الاستثمار المشتركة تأتي لاحقا في المرتبة الخامسة، يليها الأسهم الخاصة. ويقدر حجم صناعة صناديق الاستثمار المشتركة من الأموال 33 مليار دولار أميركي بحسب رويترز. ولكن نظرا لهيمنة العملاء من كبار الأثرياء، فإن معظم شركات إدارة الأصول تدير المزيد من الأموال في اطار الصناديق الاستثمارية المدارة (تقديرية وغير تقديرية) بدلا من الأصول الأساسية المختلطة. وباستثناء دولة الكويت، من الصعب الحصول على رقم محدد لحجم هذه الأصول، ومع ذلك، إذا اتخذنا رقم الأصول في الكويت كدليل، يمكن القول إن اجمالي الأصول في الحسابات المدارة يجب أن يصل بسهولة إلى 4 – 6 أضعاف حجم الأصول الأساسية المختلفة. وحتى لو أخذنا هذا العامل، فإن صناعة الصناديق الاستثمارية المشتركة لا تزال صغيرة للتأثير بفعالية في سلوك الشركات وتطبيق حوكمة الشركات. علما بأن المستثمرين المؤسسين، مثل الصناديق الاستثمارية المشتركة، يفترض اعتبارهم محور نمو وتطور سوق رأس المال، فهم يشكلون قاعدة عريضة للسوق، ويحثون على تطبيق حوكمة الشركات في الشركات المدرجة في البورصة، ودعم السيولة النقدية في الأسواق. تتطرق هذه الورقة إلى أربع أفكار حول كيفية تحقيق التوازن في هذه الفئة المهمة من الاستثمار المؤسسي. 1 – المستثمرون الأفراد تتكون قاعدة عملاء شركات إدارة الأصول في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل رئيسي من كبار الأثرياء الأفراد والمستثمرين المؤسسين مثل صناديق الثروات السيادية وصناديق التقاعد وشركات التأمين. وهذا أمر مفهوم على ضوء العدد الكبير من السكان الوافدين في معظم دول مجلس التعاون الخليجي التي لا تشكل حتى الآن سوقا مستهدفة قابلة للاستمرار لصناديق الاستثمار المشتركة. فالعمال ذوو المهارات المنخفضة الذين يشكلون غالبية السكان الوافدين، يرسلون مدخراتهم إلى أوطانهم، وبالتالي قد لا يميلون الى الاستثمار في الأسواق المحلية. ومع ذلك، تتزايد نسبة القوى العاملة الوافدة من ذوي المهارات المتوسطة وذوي المهارات العالية لدواعي الحاجة إلى تنويع الاقتصادات القائمة على النفط والغاز من خلال التركيز على اقتصاد المعرفة. إن التعاون مع شركات إدارة الأصول في أسواق أوطان الوافدين لإطلاق منتجات في دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن يحول ادارة الأصول في دول المجلس إلى عروض البيع بالتجزئة. وعلى سبيل المثال، نظرا لتواجد عدد كبير من المغتربين الهنود العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي، يمكن لشركات إدارة الأصول المحلية التعاون مع شركات إدارة الأصول الهندية لتقديم منتجات موجهة نحو سوق الأوراق المالية الهندية وتوفيرها للمغتربين الهنود المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي. ويمكن أن يوفر مثل هذا التعاون منتجا يجمع بين الأسواق الهندية ودول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق المزيد من تنويع المخاطر، كما سيؤدي استخدام هذه صناعة تجارة التجزئة إلى توسيع مجموعة المنتجات الاستثمارية، التي تركز حالياً فقط على أسواق المال/ التجارة والتمويل والأسهم. 2 ــ الانتقال من إدارة الصناديق إلى إدارة الثروات تشير توجات هيكل منتجات التجزئة الحالي إلى التوجه أكثر نحو صناديق سوق المال/ التمويل التجاري تليها الاسهم، وتحظى فئات الأصول، مثل العقارات والسندات والسلع وغيرها، بحصة ضئيلة في هذا المجال، وفي حين يبحث العملاء عن الصناديق ذات الأداء الجيد المستمر، لكنهم أكثر ميلا نحو حلول إدارة الثروات، وتركز حلول إدارة الثروات بصورة أكثر على توزيع مخصصات الأصول الاستثمارية، ومن ثم تحدد الصناديق المناسبة لذلك، ويفضل أن تكون بتكلفة منخفضة، كما توفر شركات إدارة الثروات أيضاً على احتياجات العميل الأخرى، مثل خدمات الائتمان وأدوات المحفظة الاستثمارية عبر شركة الانترنت، وسوف تتحول اللعبة من الاستثمار المستند على «المنتج» إلى الاستثمار المستند على «الحلول»، لذا سارعت البنوك إلى تحقيق هذه الإمكانات وتتجه نحو الارتقاء بخدماتها المصرفية الخاصة إلى العلاقات المستندة على إدارة الثروات، وسيمكن هذا التحول شركات إدارة الأصول من زيادة الأصول وقاعدة العملاء. 3 ــ اعتماد التكنولوجيا يجب على صناعة إدارة الأصول في دول مجلس التعاون الخليجي الاقتداء بالقطاع المصرفي من حيث اعتماد أحدث التقنيات العصرية، أو كما يُطلق عليها الآن التكنولوجيا المالية «فينتيك»، وكانت الفكرة السابقة للانتقال من إدارة الصناديق الاستثمارية إلى إدارة الثروات تتيح المجال أيضاً الى اعتماد التكنولوجيا، لا سيما في مجال بناء المحافظ الاستثمارية والإدارة وتقارير الأداء، وتساعد التكنولوجيا المالية «فينتيك» على تحسين تجربة العملاء وأداء المحافظ الاستثمارية في الوقت الفعلي. كما تساعد هذه التقنية أيضاً على الإجابة عن استفسارات العملاء باستخدام تقنية تعتمد على التعلم الآلي، التي توفر تجربة تفاعل شبه بشرية، أما الأمر الجيد الآخر فهو أن هذه الإستراتيجية ستؤدي إلى خفض كبير في التكاليف، ويمكن استخدام هذه التكنولوجيا في مجموعة متنوعة من المجالات، مثل تحديد ملفات تعريف العملاء، وخيارات المحفظة الاستثمارية، وتقييم المنتجات، وإعداد تقارير الأداء وغيرها. 4 ــ تبني جيل ما بعد الألفية يتألف غالبية سكان دول مجلس التعاون الخليجي من الشباب، الذين ولدوا بعد عام 1995 (جينيريشن زد)، وتختلف احتياجات هذا الجيل عن احتياجات جيل الألفية، الذين ولدوا بين عامي 1981 و1995، وجيل «جينيريشن إكس» الذين ولدوا بين عامي 1961 و1980، أو جيل الطفرة السكانية (بيبي بومر)، الذين ولدوا بين عامي 1945 و1960، ويعتبر جيل جينيريشن زد، الذين ولدوا بعد عام 1995، أكثر ذكاءً من الناحية التكنولوجية، وأكثر مرونة، وأكثر مخاطرة، وأكثر استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي، ويتميزون بمعرفة ودراية جيدة بشكل عام، ويفهمون الاتجاهات بسرعة، ومن هذا المنطلق يجب على صناعة إدارة الأصول بناء منتجات تجذب هذه الشريحة السكانية، التي ستؤدي هيمنتها الى المزيد من التقدم في المستقبل، في حين سيظل جيل الطفرة السكانية (بيبي بومر)، الذين ولدوا بين عامي 1945 و1960، يحظون بحصة أكبر من الثروة، وربما يشكلون فرصة متضائلة لشركات إدارة الأصول في دول مجلس التعاون الخليجي. وباختصار، فإن ادارة الأصول في دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر صناعة متنامية، سوف تستفيد من التوسع الاقتصادي الذي تشهده المنطقة، ومن المرجح أن تشهده بعض الوقت، ويمكن أن يكون من الأفضل التركيز على الأفكار المذكورة أعلاه من أجل تحقيق توازن جيد، ومع ذلك فإن من بين العديد من التحديات التي ستواجهها هذه الصناعة هي المخاطر الجيوسياسية، التي يشعر بها المستثمرون الأجانب، الذين يميلون إلى اعتبار دول مجلس التعاون الخليجي كغيرها من الدول خارج نطاق دول مجلس التعاون الخليجي، ويمكن لصناعة إدارة الأصول أن تنجح في نفي هذا التصور، من خلال الجهود الجماعية والعروض التعريفية المتنقلة، كما أن هناك حاجة ملحة للارتقاء بصناعة إدارة الاصول الى مستوى على قدم المساواة مع الأسواق الناشئة الأخرى، من أجل لعب دور نشط في تحديث أسواق رأس المال في دول مجلس التعاون الخليجي.
مشاركة :