العدل والبراهين عند المعتزلة

  • 6/12/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان الأساس الذى قام عليه مفهوم «العدل» المعتزلى، هو إثبات قدرة الإنسان على اختيار أفعاله، فقد حاول المعتزلة أن يوطدوا هذا الأساس بقوة البرهان، وأن يستمدوا هذه القوة من النظر العقلى، وهذه البراهين هى على النحو الآتى:1- البرهان الشعورى أو السيكولوجى: وهو أول برهان تقدمه المعتزلة ويعتمد على الشعور الداخلى الذى يشعر به كل إنسان «يحس من نفسه وقوع الفعل على حسب الدواعى والصوارف، فإذا أراد الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن». وقد رأى المعتزلة أن «من أنكر ذلك جحد الضرورة فلولا صلاحية القدرة الحادثة لإيجاد ما أراد لما أحس من نفسه ذلك». فالإنسان يشعر أن أفعاله تقع حسب قصده ودواعيه وتنتفى حسب كراهته للفعل ووجود الصارف عنه، بمعنى أن الإنسان يشعر من نفسه أنه يأتى هذا الفعل أو ذاك حين تتوفر عنده الدواعى الذاتية والموضوعية إلى إتيانه، وأنه يترك هذا الفعل أو ذاك حين تتوفر عنده الصوارف الذاتية والموضوعية عن إتيانه؛ وأنه فى الحالتين إنما يفعل أو يترك باختياره. ويشير «الشهرستانى» - فى مجال عرض هذا البرهان - إلى تفرقة المعتزلة بين الحركة الضرورية والحركة الاختيارية. فالأولى خاضعة - بصورة حتمية - لفعل قانون موضوعى مستقل عن إرادة الإنسان وقدرته، والثانية مرتبطة بإرادة الإنسان وقدرته، وهى لا تخضع لغير ما يتوفر للإنسان من دواع تدعوه للفعل أو صوارف تصرفه عنه؛ وإن توفر هذه الدواعى والصوارف هو الذى يحقق له حرية الاختيار. يقول «القاضى عبدالجبار» فى هذا المعنى: «الذى يدل على أن هذه التصرفات يجب وقوعها بحسب قصدنا وداعينا هو أن أحدنا إذا دعاه الداعى إلى القيام، حصل منه القيام على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة، بحيث لا يختلف الحال فيه. وكذلك فلو دعاه الداعى إلى الأكل بأن يكون جائعًا وبين يديه ما يشتهيه، فإنه يقع منه الأكل على كل وجه، ولا يختلف الحال فى ذلك. وهذه أمارة كونه موقوفًا على دواعينا ويقع بحسبها».2- البرهان الواقعى، وهو مستمد من البرهان السابق، ويقوم فى مجمله على أن الواقع الخارجى من صنع الإنسان وفعله، فإذا أراد الإنسان أن يكتب وكان جاهلًا بالكتابة فلم يستطع أن يكتب، وإذا أراد أحد البناء فإن الذى يفعله هو البناء وليس الكتابة مثلًا، ولو أراد حمل الجبال فلم يستطع لأن ذلك يقع خارج حدود قدرته، كما أن هذه الأفعال تحتاج فى إيجادها إلى آلات تُعينه على فعلها. وإذا أراد الإنسان «الرمى والإصابة فلابد له من قوس وآلة وأن لا يكون بينه وبين المرمى حاجز، وأن يكون عالمًا، وأن يكون قويًا ليبلغ الرمى بشدة اعتماده، ولو كان من فعل الله تعالى لما احتاج إلى ذلك لأنه تعالى فيما يفعله لا يحتاج إلى هذه الأمور».. ونستكمل الحديث عن «البراهين» فى المقال المقبل.

مشاركة :