النزعة النقدية عند المعتزلة

  • 1/6/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

منذ المراحل الأولى لدراسة الفلسفة، وهي تكاد تنحصر في الفكر الغربي، حتى إننا لم نعد نعرف الفلسفة إلا فكراً يونانياً أو فرنسياً أو إنجليزياً أو ألمانياً أو أمريكياً، ومع ذلك تعتبر الفلسفة الإسلامية هي إسهامنا الوحيد في الفلسفة، ورغم ذلك أيضاً نهتم بفكر الغرب، دراسة وتدريساً وبحثاً، أكثر مما نهتم بفكرنا، ومعروف أن في ذلك إثراءً للفكر الغربي، وإهمالاً وتجاهلاً للفكر الإسلامي، من هنا يقول د. عادل السكري في كتابه «النزعة النقدية عند المعتزلة»: «نحن أحوج ما نكون إلى أن نلتفت إلى تراثنا الفكري؛ لنكشف عن قيمته وطرافته، ومواطن الإبداع فيه، ولن يكون ذلك بالتعصب له، أو الدفاع عنه، أو التزمت عنده، بل بدراسته وبحثه وفحصه ونقده؛ إذ لا يمكن للتراث أن يكون إبداعياً إلا إذا أخضعناه للنقد، الذي يميز غثه من سمينه، ويكشف قيمته الحقيقية».من هنا أيضاً كان اختيار المؤلف للنزعة النقدية عند المعتزلة موضوعاً للبحث، ويرجع سبب الاختيار بالدرجة الأولى إلى الاعتقاد بأهمية النقد في الفكر الفلسفي بوجه عام، والحاجة إليه في الفكر الديني بوجه خاص، خاصة في وقتنا هذا الذي يشهد اهتماماً بالمعارف الدينية، وإقبالاً على كتب التراث، دون أن يقابله اهتمام مماثل بفحص هذه الكتب ونقدها، لبيان ما فيها من أفكار أصيلة أو منحولة، والتمييز في هذه الأفكار بين سمين وغثٍّ رديء يجب إهماله والانصراف عنه.أما الذي دفع المؤلف لاختيار فرقة المعتزلة بالذات لبحث النزعة النقدية عندها، فهذا يعود إلى المعتزلة؛ باعتبارها الممثل العقلي لعلم الكلام الإسلامي، ومعروف أن علم الكلام علم إسلامي أصيل، مدين بوجوده إلى النص الديني ذاته، لذلك فإن اختيار المعتزلة يمثل اختياراً لأكثر الفرق الإسلامية اتجاهاً نحو العقل، كما يمثل في الوقت نفسه أكثر الاتجاهات أصالة في الفكر الإسلامي الفلسفي.يعد هذا الكتاب أول محاولة من نوعها للبحث عن النزعة النقدية عند المعتزلة، من خلال مصادر المعتزلة، على كافة مستويات الفكر الاعتزالي في شموله وتنوعه تأصيلاً من النص الديني، وارتباطاً بالمذهب، وانطلاقاً من المنهج، وفحصاً للمعرفة، وفهماً للأصول، ونقداً لخصومهم، ولأنفسهم أيضاً، وانتهى المؤلف إلى القول بوجود علاقة عقلية بين الاعتزال والنقد، كما خصص فصلاً آخر للبحث في جدل المعتزلة، باعتبارهم أول من اتخذ من الجدل منهجاً نقدياً، يقوم على الفحص والتمييز والنظر العقلي، ويعتمد على المنطق في إفحام الخصم وإلزامه بالحجة.حاول المؤلف أن يكشف عن حقيقة اختلاف المعتزلة فيما بينهم، ونقدهم لبعضهم في فروع أصولهم، وأسباب انقسامهم إلى مدرستين كبيرتين، تضم إحداهما معتزلة البصرة، وتضم الأخرى معتزلة بغداد، وكان لكل منهما طابعه الخاص وفكره المميز.

مشاركة :