قدم على بن محمد المعروف بصاحب الزنج من بلاد فارس إلى العراق، كانت له علاقات برجالات الدولة، عمل بتعليم الأطفال الخط والنحو، قال الشعر وتكسب به، واختلفت الآراء حول نسبه، وهل يرجع إلى العرب حيث بنى عبدالقيس، أم هو فارسى الأصل. ففى منتصف القرن الثالث الهجرى، تجمع حوله الناس، خطب فيهم وحثهم على الثورة والخروج على دولة بنى العباس، استجاب له خلق كثير من أصحاب البشرة السمراء ولا سيما العبيد الذين يعانون حياة قاسية، وآخرين يعيشون فى الأحياء الفقيرة والمستنقعات، فكانت حركته تتسم بمطالب تحسين الوضع، وقد عرفت فى التاريخ بثورة الزنج. فأثناء الدولة العباسية خاصة فى خلافة المهتدى بالله تجمع عدد من العبيد الزنوج الذين جاءوا من شمال أفريقيا إلى جنوب البصرة، وقاموا بثورة عنيفة بقيادة على بن محمد، استمرت تلك الحركة لقرابة الـ١٤ عامًا فى محاولة لانتزاع الحكم، أو تحسين أوضاعهم التى ساءت كثيرًا بعدما تعرضوا للذل والمهانة، ولقد بذلت الدولة العباسية جهدًا كبيرًا فى الخلاص من تلك الحركة ومن صاحبها الذى امتلك عبقرية خاصة فى تهييج أتباعه، ولقد خطب فيهم مرة يقول: «أشرككم فيها بيدى، وأخاطر معكم فيها بنفسى، وليُحط بى جماعة منكم فإن أحسوا منى غدرا فتكوا بى». فهو يبذل روحه للهلاك ويمكنهم من روحه إن تخاذل مرة أو غدر بهم، وكان لهذه الحركة تأثير كبير على الدولة ما جعلها تحشد لها وتتخلص منها.وعنه نهايته يقول المسعودى: ففـى هـذه السنـة «يقصد ٢٧٠هـ» قتـل صاحـب الزنـج بعـد قتـل وغَـرقِ غالـب أصحابه وقُطع رأسه وطيف به على رمح وكثر ضجيج الناس بالتحميد ورجع الموقف إِلى موضعـه والرأس بين يديه وأتاه «القائد العباسى» من الزنج عالم كثير يطلبون الأمان فأمنهم ثم بعث برأس الخبيث إِلـى بغـداد وكـان خـروج صاحب الزنج يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين فكانت أيامه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام».طبيعى أن يتم تشويه صورة الرجل وتختلط الحقائق بالأكاذيب لكنه من الواضح جدا أن هذه الحركة بما لها وما عليها، قد ظلت محافظة على مبادئها لمدة طويلة فقد ظلت قوية ومتماسكة أمام جيوش الدولة العباسية التى كلفت أحد القادة البارزين لقتال جيش صاحب الزنج، وهو أبوأحمد بن المتوكل، وقد استمر القتال لمدة طويلة حتى تمكنوا من قتل زعيمهم وفل عساكره.
مشاركة :