العراق نموذج آخر تُختبر فيه (الديمقراطية الأمريكية) ولا ينجح.. فما أنْ تم فرز الأصوات الانتخابية الأخيرة حتى جرى تشكيك الأطراف الخاسرة لثقلها النيابي بالبرلمان في نتائج الانتخابات، وأطلقت تهمة التزوير والمطالبة بإعادة فرز يدوية للأوراق الانتخابية، تلاها حريقٌ مفتعل في مخازن صناديق الاقتراع، وهناك من وجَّه أصابع الاتهام في افتعال هذا الحريق إلى الأحزاب الخاسرة لكي تُعاد الانتخاباتُ من جديد. التفسير الوحيد لما يحدث في العراق الآن يعود إلى بداية المشروع السياسي الأمريكي في العراق.. فمنذ مؤتمرات (المعارضة) العراقية آنذاك في بريطانيا وأمريكا برعاية الدولتين كان واضحًا أن (واشنطن) أعدت (المعارضة الموالية لإيران) لكي تتسلم قيادة العراق بعد إسقاط النظام.. ولاحظنا جميعًا أن إيران كان لها اليد الطولى في الحكومات العراقية إبان رئاسة (الجعفري والمالكي)، وكان الرئيس الأمريكي السابق (أوباما) لا يمانع البتة في (الولاية الإيرانية) للعراق، بل ويباركها! وأثناء حكم (حيدر العبادي) في السنوات الأخيرة بدأت الحكومة العراقية تتقدم باتجاه الانفتاح على الدول العربية، وتحديدا جيرانها دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي أزعج إيران كثيرًا، وصارت تتدخل أكثر في الشؤون الداخلية العراقية من خلال (الحشد الشعبي)، بل ودفعت الأموال من أجل فوز مرشحين في قائمة (الحشد) في الانتخابات.. إلا أن النتائج المفاجئة للانتخابات قلبت موازين القوى بتصدر قائمة (سائرون) التابعة لمقتدى الصدر وحصولها على النسبة الأكبر من الأصوات في البرلمان.. وهنا اختلطت الأوراق كثيرًا على الأحزاب الموالية لإيران.. ولم تعد (طهران) المنزعجة الوحيدة لذلك، بل وكذلك (واشنطن) لأنها تعرف أن (مقتدى الصدر) لا يكنُّ للطرفين (إيران وأمريكا) مودة سياسية. لا إيران ولا أمريكا تريدان نموذجًا ديمقراطيًا ناجحًا في العراق، ولكن يريدان من العراق أن يظل ساحة يلعب فيها الطرفان.. ما ينذر بانفجار حرب أهلية تدمر العراق أكثر مما دمرته (داعش) الإرهابية.
مشاركة :