لماذا تتجاهل المؤشرات المخاطر التجارية وانعدام اليقين؟

  • 6/14/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تيم فوكس* أرخت التوترات التجارية بظلالها على المشهد العالمي، ولكن بوتيرة أهدأ مما كانت تخشاه الأسواق بالرغم مع تنامي التداعيات السياسية بين الولايات المتحدة وحلفائها، وتعمّق الهوة بين الولايات المتحدة والصين.واجهت الأسواق المالية خلال الأسبوعين الماضيين العديد من المخاطر بدءاً من الأحداث السياسية التي شهدتها إيطاليا وإسبانيا وصولاً إلى التوترات التجارية العالمية، وانعدام اليقين الجيوسياسي، ناهيك عن تقلب البيانات الاقتصادية. وبالرغم من هذه المخاطر، سجل مؤشر «مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال للأسواق العالمية» ارتفاعاً بنسبة 1,9% عن الشهر الماضي، فيما ارتفع مؤشر «مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال للأسواق الناشئة» بنسبة 0,9%، وهذا يعني أن الأسواق لا تزال مستعدة للإقبال على المخاطر والمراهنة على استمرار قوة البيانات الاقتصادية. وعقب الاجتماع المتوتر لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، سيتم التركيز الأسبوع المقبل على القمة التي انعقدت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون في سنغافورة. وسيكون اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في الولايات المتحدة أيضاً محور تركيز كبير مع وجود احتمال شبه مؤكد برفع أسعار الفائدة مرة أخرى. وكانت التطورات التي شهدتها أوروبا مركز اهتمام الأسواق قبل أسبوع واحد فقط، غير أن إعلان تشكيل الحكومة الإيطالية الجديدة أسهم في تهدئة بعض مخاوف المستثمرين. ومع انحسار الخطر المباشر لعملية انتخابية أخرى، يبدو أن الحكومة الشعبوية الائتلافية لحركة الخمس نجوم ورابطة الشمال ستصطدم مع الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي إذا ما عمد الحزبان إلى تطبيق وعودهما الانتخابية بما في ذلك خفض سن التقاعد، وتخصيص راتب للمواطن، وخفض الضرائب. وليس من الحكمة بطبيعة الحال أن تقلل الأسواق سريعاً من شأن هذه التطورات السياسية. وقد أشار البنك المركزي الأوروبي بالفعل إلى أنه يعتزم رسمياً مناقشة إنهاء برنامج التيسير الكمي قريباً، ومن المرجح أن يكون ذلك في الاجتماع المقبل هذا الأسبوع. وقد يعجّل هذا الأمر من لحظة تصادم الحكومة الإيطالية مع البنك المركزي الأوروبي. بدورها أرخت التوترات التجارية بظلالها على المشهد العالمي، ولكن بوتيرة أهدأ مما كانت تخشاه الأسواق بالرغم مع تنامي التداعيات السياسية بين الولايات المتحدة وحلفائها، وتعمّق الهوة بين الولايات المتحدة والصين. ومرة أخرى قد تكون الأسواق متفائلةً حيال هذه القضايا، خصوصاً وأن أي تدابير انتقامية تقوم بها أوروبا أو الصين قد تعجّل باندلاع حرب تجارية مؤذية. ومع أن أغلب التقديرات حول تأثير مثل هذه الحرب التجارية على نمو الناتج المحلي الإجمالي تشير إلى تداعيات محدودةً نسبياً، إلا أن البنك الدولي يقول إنها قد تعود بالاقتصاد العالمي مجدداً إلى أجواء الأزمة المالية لعام 2008. وبحسب السيناريو الذي أورده في تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الأخير، أشار البنك الدولي إلى أن زيادة الرسوم الجمركية على الواردات على نطاق عالمي واسع من شأنه أن يفضي إلى تراجع النشاط التجاري العالمي بنسبة تصل إلى 9%. ومن التداعيات السيئة للحروب التجارية أنها تلحق الضرر الأكبر بالبلدان التي تشنها أولاً، وهذا يشمل الولايات المتحدة التي سيكون قطاعها الزراعي أكبر المتضررين من أي تدابير انتقامية تقوم بها الصين؛ ولن تسلم من هذه التداعيات أيضاً شركات كبرى مثل «آبل» التي تشكل المبيعات الصينية جزءاً كبيراً من عائداتها. كما أن الولايات المتحدة منكشفة مالياً على الصين التي تعد أكبر مالك أجنبي لسندات الخزانة الأمريكية. وبطبيعة الحال، يتم حالياً تهدئة الأسواق عبر استمرار قوة البيانات الاقتصادية، وتحديداً في الولايات المتحدة التي يبدو اقتصادها في أفضل حالاته، حيث خالفت بيانات الوظائف غير الزراعية توقعات الأسواق لشهر مايو مع إضافة 223 ألف وظيفة جديدة. وبذلك انخفض معدل البطالة إلى 3,8%، وهي النسبة الأدنى منذ عام 2000. كما ارتفع متوسط الأجور في الساعة بمعدل 0,3% على أساس شهري، و2,7% على أساس سنوي، وهذه النسب أيضاً تخطت التوقعات. ومن جانب آخر، ارتفعت قراءات «معهد إدارة الموارد» الأمريكي على نحو فاق التوقعات كذلك خلال شهر مايو مشيراً إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل أسرع خلال الربع الثاني من هذا العام. علاوةً على ذلك، يبدو من المؤكد الآن أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيدفع نحو زيادة أخرى في سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس خلال اجتماعه في وقت لاحق من هذا الأسبوع، وذلك على الرغم من زيادة الشكوك القائمة حول السياسة التجارية والتطورات السياسية في أوروبا. وتبدو الأسواق قادرةً على استيعاب هذه الزيادة، ولكن لو أعقبها تحذير من البنك المركزي الأوروبي أنه سيبدأ قريباً بتشديد سياسته النقدية، فقد يكون رد فعلها حينها مختلفاً. وبالطبع فإن التركيز على السياسة النقدية هذا الأسبوع سيحل في المرتبة الثانية بعد انكشاف المشهد السياسي في سنغافورة بلقاء دونالد ترامب مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونج أون. وفي ضوء المخاطر الأخرى، ستكون القضية الأساسية هي مدى استعداد الأسواق المالية للاستفادة من نتائج لقاء سنغافورة بدلاً من التساؤل عما يدور خلف كواليس أي اتفاق يتوصل إليه الرئيسان. *رئيس الأبحاث وكبير الاقتصاديين في مجموعة «بنك الإمارات دبي الوطني»

مشاركة :