روائيون وشعراء في مصيدة التسلل

  • 6/15/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» حين تعرف أن مكيافيللي صاحب كتاب «الأمير» كان ممارساً لكرة القدم، بالتأكيد سترى أنه لو كان واصل اللعب، لحرمنا من نظريته الفذة «الغاية تبرر الوسيلة» لكن مرض السل حرمنا من لاعب كبير اسمه «ألبير كامو» (1913 - 1960) ومنحنا أفكاراً فلسفية وجودية وروايات عبقرية، لاتزال تقرأ إلى اليوم، فقد كان حارس مرمى منذ طفولته، إلى مرحلة الدراسة بجامعة الجزائر، وكانت جدته تفحص كل ليلة حذاءه وتضربه، إذا ما وجدته ملطخاً بالطين أو ممزقاً، فقد كان ابن مزارع فقير.خاض كامو العديد من المباريات المهمة مع فريقه، في منافسة الفريق الذي يلعب له «إيمانويل روبليس» الكاتب المرموق فيما بعد، والذي يقول عن أبناء وهران إنهم كانوا يخوضون المباراة، كأنهم يخوضون معركة ضارية، لأن فوزهم على فريق العاصمة يزيدهم فخراً، وانقطع كامو عن اللعب في سن السابعة عشرة من عمره، خصوصاً عندما أصيب بمرض السل. كان كامو يؤكد: «تعلمت أن كرة القدم لا تأتي مطلقاً نحو أحدنا من الجهة التي ينتظرها منها، وقد ساعدني ذلك كثيراً في الحياة، خصوصاً في المدن الكبيرة حيث الناس لا يكونون مستقيمين عادة»، وهنا يشير الكاتب التونسي حسونة المصباحي إلى أن كامو تعلم من كرة القدم، الإقدام على المغامرة، وعلى مواجهة خصومه والمنافسين له بمعنويات مرتفعة، وبإصرار على كسب النصر، بل إنه يرى أن كل ما تعلمه من مبادئ أخلاقية، ومن الشعور بالمسؤولية يعود أساساً إلى كرة القدم.بعد حصوله على جائزة نوبل في الأدب عام1957، اشترى ألبير كامو بيتاً في قرية بجنوبي فرنسا، وكان يداوم على مشاهدة مباريات كرة القدم، التي ينظمها الفتيان بالقرية، بل إنه اشترى لهم أزياء رياضية في إحدى المناسبات.وفي مذكراته التي نشرت تحت عنوان «أن تعيش لتحكي» يقول جارثيا ماركيز: «كانت خطوتي الأولى في الحياة الواقعية، اكتشاف لعب كرة القدم في الشارع أو في أفنية الجيران، كان أستاذي في هذه اللعبة هو «لويس كارميلو كوريا» المولود بموهبة طبيعية لممارسة الرياضة، وموهبة فذة في الرياضيات، أنا كنت أكبر منه بخمسة أشهر، لكنه كان يسخر مني، فقد كان أكبر حجماً، ويزداد طولاً على نحو أسرع مني، بدأنا اللعب ب«الكرة الشراب» واستطعت أن أكون حارس مرمى ممتازاً، لكن عندما بدأنا اللعب بالكرة الحقيقية، أصبت بضربة في بطني من ركلة قوية سددها لويس، فقضت على تطلعاتي في هذه اللعبة».ولأن نابوكوف صاحب الرواية الشهيرة «لوليتا» كان يقف حارس مرمى لفريق إحدى المدارس في سانت بطرسبورج، فقد تحدث عن «نعمة احتضان المرء الكرة وضمها إلى صدره» وبعد ثورة 1917 الروسية، واصل ممارسة اللعبة في جامعة كمبردج، لكن شاعر روسيا الكبير يفتوشينكو كان من الممكن أن يكون لاعباً كبيراً، لولا أنه في الخامسة عشرة من عمره، وجد الشعر في طريقه، فاعتزل اللعب، ساعتها قالت له أمه: «لقد ضعت نهائياً يا ولدي» وهو ما تذكره الشاعر فيما بعد قائلاً: «ليتني سمعت كلام أمي، فلو واظبت على اللعب، لأصبحت أكثر نجومية من بيكنباور ومارادونا، كنت سأصنع تاريخاً مغايراً لحراس المرمى».ظل يفتوشينكو لفترة طويلة يكتب الشعر وينشره، ويلعب الكرة في الساحات العمومية، ويعود إلى البيت بسروال ممزق، وركبتين داميتين، كان يحس بأن هناك شيئاً مشتركاً بين كرة القدم والشعر، لكن الفرق بينهما، أن اللاعب إذا سجل هدفاً، فإنه يظهر للعيان فوراً، بينما على «الشاعر أن ينتظر الكثير، ليثبت أن كرته أصابت الهدف» وتظل الكرة التي تمر بعيداً عن المرمى، هي قمة الإبداع لدى الكثيرين.في كل الأحوال فإن هناك تفسيراً يرى أن الكرة نداء عميق للجميع، قادم من الجماعات البدائية الأولى، التي كانت تنصب شبكة في الغابة، وتقود الطريدة نحوها، كل عناصر المشهد البدائي تستعيدها اللعبة، فالفكرة هي الطريدة التي يدفعها كل فريق نحو شبكة الآخر، هذا جانب من رؤية الروائي المغربي عبد الكريم الجويطي، الذي مارس لعبة كرة القدم، حتى مرحلة متقدمة من عمره، لكنه في فترة من الفترات رأى أنه من المستحيل التوفيق بين الكرة والدراسة.يقول: «لقد منحتني الحياة فرصة العمر في اللعب لفريق المدينة في الزمن الخطأ، كأنها أرادت تعذيبي فقط، لم ألعب للفريق، لكنني بعد عودتي للمدينة واشتغالي أستاذاً ثم مندوباً ومديراً جهوياً لوزارة الثقافة، دخلت دواليب تسيير الفريق، وصرت رئيسه في البطولة الاحترافية، ولم يهجرني قط ذلك الطفل الصغير، الذي كان يقف أمام الأسوار العالية للملعب حالماً ومتخيلاً ما يجري من ورائها».

مشاركة :