نصوص وصور في «بلدتي على طريق الحرير» للصينية وانغ تشينغ

  • 6/16/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

«بلدتي على طريق الحرير» كتاب للمصورة الصينية وانغ تشينغ صدر عن الدار العربية للعلوم - ناشرون في سلسلة «مبادرة الحزام والطريق» ويضم نصوصاً وصوراً لطريق الحرير. كتبت المصورة مقدمة جميلة للكتاب نقتطف منها هذه المقاطع. «غادر والداي بلدتهما في مقاطعة جيانغسو إلى منطقة شينجيانغ عام 1691 تلبية لدعوة بناء شمال غربي الصين. قدم والداي شبابهما وحماستهما إلى شينجيانغ وعلّقا آمالهما عليها، ولم يغادراها منذ ذلك الوقت. دفنت والدتي هناك بعد وفاتها، وقد أصبحت شينجيانغ بلدتهما الثانية. وُلدتُ في مدينة توربان بمنطقة شينجيانغ في منتصف سبعينيات القرن الماضي، فأصبحت بلدتي الأولى. توربان مكان يسكنه أبناء القوميات المتعددة. نشأتُ مع أبناء قومية الويغور منذ طفولتي، ونتمتع بالعادات المتماثلة الكثيرة في الحياة، في حين أن بعض عاداتنا وتصرفاتنا متباينة. تعجبني الثقافة المتعددة العناصر إعجاباً عميقاً، ويساورني نوع من الرغبة الشديدة في البحث في توربان، وحتى شينجيانغ الواسعة والساحرة. نتج تاريخ شينجيانغ من الانتقال المستمر لأبناء القوميات العديدة، وتوربان اليوم هي نتيجة لتعايش مختلف القوميات. قبل القرن الأول للميلاد، كان أبناء تششي أول من سكن توربان، حيث أنشأوا أول حضارة هناك. في عهد أسرة هان الغربية، سافر تشانغ تشيان إلى المناطق الغربية وفتح «طريق الحرير»، ثم انتقل أبناء قومية هان وأبناء مختلف القوميات في السهول الوسطى لآسيا الوسطى وغربي آسيا على طول «طريق الحرير»، والتقوا في توربان، وخلقوا مع أبناء هويهو، الذين انتقلوا إلى غرب هضبة موبي، حضارة طريق الحرير المتعددة العناصر. عبر «طريق الحرير»، تم نقل الحرير والخزف والشاي والبوصلة وفن صناعة الورق وفن الطباعة بالمقاطع المتحركة، من المناطق الداخلية في السهول الوسطى إلى المناطق الغربية وإلى روما، بينما انتشر العنب وغاستروديا إلاتا والتقويم الفلكي والبوذية والمسيحية والمانوية والإسلام من المناطق الواقعة غرب الصين إلى منطقة السهول الوسطى الصينية. وتعد مدينة قاوتشانغ(1) مركزا رئيسا على هذا الطريق التجاري القديم الذي ربط الشرق بالغرب. لا يُحصى عدد التجار والرحّالة الذين استراحوا في توربان، فانتشرت فيها مختلف اللغات المنطوقة والمكتوبة التي أتوا بها، وكذلك نشر كثيرون من المؤمنين أديانهم وعقائدهم فيها، حيث أسسوا بحكمتهم المساجد والمعابد المنتمية إلى مختلف الطوائف الدينية، ففي هذا الموطن المتسم بالانفتاح والتسامح، كانت توربان مكانا غريبا خلقوا مستقبلهم فيه، وبلدة نشروا حضاراتهم وطوّروها فيها. هناك قصة تاريخية حقيقية تقول: لقد قامت أسرة تانغ الملكية بتأسيس دوهوفو (هيئة إدارية) آنشي في توربان وانتهجت نظام الولاية والمحافظة مثلما فعلته في المناطق الداخلية، فلم يشعر أبناء قومية هان، الذين انتقلوا إلى هناك، بأنهم يعيشون في أرض غريبة، حيث استخدموا لغة هان (اللغة الصينية) المنطوقة والمكتوبة، ولم يُنقش اسم البلدة الأصلية للمتوفَّى، الذي كان قد انتقل إلى توربان، على شاهدة قبره، بل شيتشو (الاسم القديم لتوربان في عهد أسرة تانغ الملكية)، الأمر الذي يدل على أنهم لم يعودوا يرون توربان أرضاً غريبة، بل بلدتهم التي عاشوا وتوفوا فيها. أُولعتُ كثيراً بالوقائع التاريخية في بلدتي توربان. واستفدت من العناصر الثقافية المتعددة، فبدأت أسجل، بالكاميرا، حياة أهل «طريق الحرير» وعقائدهم وعواطفهم.سيصبح التصوير الفوتوغرافي حاملا جديدا يُظهر الملامح الثقافية الحالية لـ «طريق الحرير» وسجلاً تاريخياً لـ «طريق الحرير» في المستقبل. في السنوات الثماني الماضية، زرت القرى العريقة في توربان للبحث عن الآثار التي تركها طريق الحرير القديم على أرض بلدتي. يقيم في تلك القرى أبناء قومية الويغور بصورة رئيسة، ونشأت بيني وبينهم صداقة عميقة بعد تعارفنا وتبادلنا وتعزيز الثقة والتقاط الصور. شيئاً فشيئاً، حفظ كثير من العائلات في تلك القرى الصور التي التقطتها هناك، منها أول صورة تلتقط لمولود جديد، وأخرى لعجوز على فراش الموت؛ صورة تذكارية للحظة ولادة طفولة، وصورة تذكارية للحظة رائعة في الحياة. كنت ضيفة محترمة في عائلة إمام أحياناً، وأتناول طعاماً بسيطاً في بيت قروي أحياناً أخرى. وعندما تجولت في القرى رحب بي القرويون مبتسمين كأننا أصدقاء قدامى. يعود فضل الوئام بيني وبينهم إلى التفاهم الروحي، وهو مطلب نفسي ثنائي وعطاء متبادل معبر عن الشكر، كما هو احترام متبادل بين مختلف القوميات والثقافات وعاطفة عميقة ناتجة من التعايش الطويل المدى. تتجسد روح «طريق الحرير» في التنوع والوفرة والعمق والتسامح، كما تمثل جاذبية بلدتي. سبق لي أن غادرت بلدتي مرات بسبب العمل. عندما يسألني أصدقائي الجدد من أين جئت، أجيبهم بلا تردد: جئت من توربان بمنطقة شينجيانغ. ثم يعرب معظمهم عن الاستغراب والدهشة بعض الشيء، لأنهم يرون وجهي لا يشبه وجوه أهل شينجيانغ. في هذه الحالة أفكر في هويتي، وأرى أن مقاطعة جيانغسو، المسماة بموطن السمك والأرز، ليست سوى ما تخبرني الكتب عنه. لكن عندما يتطرق الأمر إلى بلدتي، فكل ما أحسّ به وأتذكره وأشعر به يتعلق بشينجيانغ. أعتقد أن بلدتي الجديدة شينجيانغ قد ضمتني إلى أحضانها مثلما احتضنت عددا لا يحصى من الذين انتقلوا إليها في التاريخ عبر «طريق الحرير». كلّما أعود إلى شينجيانغ بالقطار الذي يتجه إلى المناطق الغربية مرورا بالسهول الوسطى، يفرح قلبي لرؤيته الجبال الشاهقة وصحراء الغوبي الشاسعة. تمتدّ السكة الحديد على طول «طريق الحرير»، وكل المحطات مثل محطات خيالة البريد التاريخية، تخفق الذكريات المدفونة تحت طريق الحرير في الريح، خلال التنقلات التي كانت ولا تزال تجري هنا، يعود قلبي إلى الأرض التي أعطتني الحياة- بلدتي على «طريق الحرير».

مشاركة :